إغفال وإلهاء الشعوب عن الاهتمام بالقضايا الأساسية والمعيشية أصبح صناعة وفناً، خاصة في الدول الدكتاتورية والفاشلة، وذلك لتغطية الفشل في تلبية احتياجات المواطنين أو بهدف التمسك بالكرسي، وتنفق الحكومات من أجل ذلك أمولاً، لو أنفقتها لصالح الموطنين ربما كانت قد وفت باحتياجاتهم الأولية .
على رأس هذه الدول، نظام ولاية الفقيه في إيران، حيث هناك الكثير من الأخبار والتحليلات تؤكد واقع الحال المزري والصعب في ايران، نتيجة أزمات اجتماعية واقتصادية عدة ضربت عمق هذا المجتمع، وتظهر في الصورة معاناة طهران وكافة المدن في إيران والحالة الصعبة والحرجة التي تعيشها تلك المدن. فتصرفات ايران الخارجية انعكست تماماً على المجتمع من خلال انتشار الفقر والفساد، والأفات المجتمعية الصعبة، وهذه الظواهر والمعاناة الناتجة عنها، هي ليست إلا انعكاساً لتصرفات ايران وسياساتها الرعنا. فطهران وضعت نفسها في مأزق خطير للغاية، فهي تنفق بلاحدود على التسليح وغيره من الأمور، كدعم الإرهاب والمليشيات في الكثير من الدول العربية، والعمل على إذكاء نار الفتنة، وضخ الأموال الطائلة من اجل تحقيق أهدافها التخريبية في عدة مناطق من العالم، فيما يعاني الشعب وكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية من جراء تلك السياسة الخرقاء .
ان الوضع الاجتماعي والاقتصادي في إيران يتدهور تدريجياً مع تأثير فوري على معيشة المواطن، ان معدلات البطالة آخذة في الارتفاع والتضخم، حتى وصلت لأعلى مستوياتها، وان هذه المعدلات أصبحت غير مسبوقة في تاريخ إيران الحديث، مما اضطر معظم الناس للذهاب الى العمل في عدة مشاغل، لان الحد الأدنى للأجور، لم يعد يكفي بعد حالة التضخم المرتفعة، هذا اذا حصلت الناس على الوظيفة المناسبة .ويأتي هذا الامر بسبب إفلاس وفشل قطاع واسع من الشركات والمؤسسات في توظيف وتشغيل العمال وإغلاق معظمها، جراء الإنهيار الاقتصادي الذي يمر به إيران.
ووفق احصائيات الحكومة الإيرانية، فان نسبة التضخم في إيران قد بلغت 23%، ولكن الخبراء الاقتصاديين يقدرون نسبة التضخم اكثر من 30%، وقد أصبح الوضع الاقتصادي لأغلب الناس في إيران غير مستقر، مما جعل الكثير من المواطنين يعيشون على دخل أقل من دولارين في اليوم، وعلى الرغم من ان 85 %، من الاقتصاد الإيراني يعتمد كلياً على بيع النفط والغاز، لكن سياسات نظام ولاية الفقيه و تشديد العقوبات الدولية على إيران بسبب الأخطاء السياسية للنظام الحاكم في طهران، زاد من نسبة هذا التضخم بين الأسر وأفراد المجتمع، وقد أدى هذا الوضع الى تصنيف البنك الدولي لإيران، في المرتبة 129، من بين 183، دولة في العالم من حيث الأداء والوضع الاقتصادي.
و بناء على هذه الإحصائيات، أعلن مؤخراً النشطاء في المؤسسات العمالية في إيران، ان 60%، من العمال الإيرانيين يعيشون ليس تحت خط الفقر فحسب، بل تحت خط البقاء على قيد الحياة، في حالة اعتمدوا فقط على الدخل السنوي للوظيفة الرسمية، الذي لا يتجاوز 609 آلاف تومان ( الحد الأدنى للأجور في إيران )، وهو ما يعادل 200 دولارتقريباً . هذا الدخل الوظيفي المتدني جداً دفع بكثير من الإيرانيين الى العمل لساعات طويلة، والبحث عن وظيفة ثانية وثالثة او تحمل الكثير من القروض البنكية، من اجل الانتقال من ” خط البقاء ” الى ” خط الفقر الشديد”.
و أضاف النشطاء في تصريحات لهم لبعض الوكالات الإخبارية، انه ونتيجة لارتفاع أسعار سلة السلع الاستهلاكية، لكل أسرة، فقد ارتفع مستوى خط الفقر من، مليون و400 الف تومان ( الدولار الأميركي الواحد يعادل أكثر من، 3000 تومان ) في العام المنصرم الى، مليونين و300 الف تومان للعام الجاري، بينما يقدر مستوى خط الفقر الشديد في تصنيف الأجور العمالية للعام الحالي، مليون و90 الف تومان، وعليه، فإن العمال الذين يحصلون على الحد الأدنى للأجور يعيشون تحت خط الفقر الشديد أو ما يصنف بمستوى ” البقاء على قيد الحياة “.
من جانب آخر، فقد قال الخبير الاقتصادي والاستاذ بجامعة طباطبائي في طهران، الدكتور فرشاد مؤمني، في تصريح له لموقع ” فرارو ” الإخباري والتحليلي، ان المجتمع الإيراني يعيش في فقر وعوز شديدين، وان الطبقية تنخل المجتمع الإيراني بشكل كبير، مما قاد الحكومة الى تفضيل عدم إظهار الحقائق ونشر الإحصائيات الدقيقة.
و أضاف مؤمني، انه على الرغم من هذا التكتم الشديد، الا انه بإمكاننا الوصول الى الإحصائيات بطرق مختلفة، وذلك من خلال معدلات العلاجية والتربية والتعليم، والتي تعد مؤشرات واقعية لمدى الفقر في ايران، فعلى سبيل المثال، هناك سبعة ملايين تلميذ قد انسحبوا من مقاعد الدراسية في السنوات الأخيرة . ولتوضيح هذه المسألة، بين مؤمني ان عدد التلاميذ الذين بدؤوا او عادوا الى مقاعد الدراسية للعام الدراسي ( 2012 – 2013 )، هو 12 مليونا و300 الف تلميذ إيراني، الا ان تقارير مراكز الإحصاء في البلاد، تشير ان هناك 19 مليونا و435 الف شخص، تتراوح أعمارهم بين ( 7- 19 ) عاما، ومن المفترض ان يكونوا قد تلقوا تعليمهم في مراحل التعليم المختلفة، عليه، فان أكثر من سبعة ملايين و135 ألف شخص، لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم بسبب الأوضاع المعيشية . هذا يعني ان أكثر من 37 % من التلاميذ الإيرانيين قد أجبروا على ترك تحصيلهم الدراسي لظروف معيشية بحته .
و بناء على ما جاء في هذا السياق، فإن سوء الإدارة والسياسة الهوجاء التي اتخذها النظام الإيراني وعدم وضع برامج وخطط اقتصادية وتنموية صحيحة ووثيقة، هي التي أدت الى تفاقم هذا الوضع السيء الذي جعل المواطن في ذلك البلد يزداد فقراً يوماً تلو الآخر، امام عين وبصر الحكام في طهران، الذين من المفترض هم مسؤولون عن تهيئة الحياة الكريمة وسبل الراحة لذلك المواطن، بدلا من زجه في أزمات وصراعات مع الدول المحيطة والعالم.