عندما يتحدث بعض العرب عن إيران ناقدا، أو رافضا لسياساتها إقليميا، أول ما يطرحه هو موضوع إقليم الأحواز العربية، والذي تسميه السلطة هناك بـ«خوزستان»، وربما يعتبر هذا الموضوع مصدر إزعاج للحكام في طهران لاعتبارات عرقية وتاريخية معقدة، وهذا الموضوع يتحدث فيه الكل وأحيانا أعجب من حديث البعض الذين يدعون المعرفة ويظنون للأسف أن الأحوازيين مظلومون لكونهم سنة، وأن ما يتعرض له شعب الأحواز من تهميش يعود لأسباب طائفية، وهذا غير صحيح بتاتا، فأغلبية الأحوازيين شيعة عرب، والنسبة تقارب 80 في المائة، لكنهم غير طائفيين.
مما لا شك فيه أن حكام إيران منذ إمبراطوريتهم الأولى كانوا يمارسون تمييزا عرقيا تجاه الشعوب التي كانت تخضع لهم مثل العرب والأذريين الأتراك والتركمان والأكراد والبلوش وغيرهم من مكونات المجتمع الإيراني، وكانت النتيجة دائما تفضيل العرق واللغة والثقافة الفارسية، في حين لا يشكل الفرس إلا 40 في المائة من السكان، ولم تكن إيران في كل مراحلها التاريخية، وحتى في أوج الثورية الدينية، لا تمارس تمييزا على أساس عقائدي في المقام الأول، بل كانت الثقافة الفارسية رافضة للآخر القومي أكثر من رفضها للآخر العقائدي، وتمارس تسفيها وتحقيرا لغير المنتمين للعرق الذي يعتقدون أفضليته وتفوقه، وهذا بالتأكيد اعتقاد سيَّده الجهلة ورفضه أهل الحكمة والعلم والفهم.
أما الطائفية المذهبية وإن كانت حاضرة في زوايا متطرفة في الحوزات الدينية، فإنها تأججت مع وصول رجال الدين للحكم بعد ثورة 79 التي ركبها الإسلاميون بقيادة الخميني، ولتقوية الحكم الديني المعتمد على الولاية المطلقة للفقيه قدمت إيران نفسها للشيعة في العالم بأنها السند القوي لهم وحامي حماهم، وأنها المرجعية الدينية والسياسية لهم، وأنها الدولة التي ستقضي على حرمانهم في حين عملت على مصادرة قرارهم السيادي والأمثلة كثيرة.
فعلى سبيل المثل لا الحصر كانت إيران وقفت من منطلق مصلحي قومي إلى جانب جمهورية أرمينيا المسيحية ضد جمهورية أذربيجان التي يشكل الشيعة الأغلبية الساحقة فيها، وذلك في الحرب التي دارت بين البلدين على مقاطعة ناغورنو كاراباخ.
وربما نجحت إيران في جعل بعض الشيعة العرب يتلقون الصورة الزاهية التي حاولت إيران رسمها في أذهانهم، لكنها لم تخدع بعض من جربوا الجنة الإيرانية المزعومة، عندما ذهبوا إليها مهاجرين بمواقفهم السياسية من دولهم في الثمانينات، فداست على كرامتهم وألحقت اليسير الذي قدمته لهم بكثير من المنة والأذى.
المخدوعون من الشيعة العرب الشباب، وهم متحمسون يسيرون في الغالب بلا هدى، والسبب ما يمارسه ضدهم بعض المتطرفين في بلدانهم من طرد وإبعاد عن المشتركات التاريخية والاجتماعية والوطنية، ليتهم يستحضرون مشكلة الأحواز الشيعية التي تتعرض للظلم لأسباب لا علاقة لها بالدين بل لأنهم عرب أولا وأخيرا.
النظر للتهديد الإيراني على أنه تهديد يعتمد على حقد طائفي فقط خطأ كبير يقع فيه كثير من المتحمسين العرب، لأن التعامل الطائفي مع ممارسات نظام طهران سيحقق الرغبة الإيرانية في تأجيج الصراع الديني المذهبي، وتأجيج مشاعر الرهبة في نفوس الشيعة العرب.
وإن استخدمت إيران الدين في حربها ضد الاعتدال فيجب أن يكون العرب أكثر وعيا، وألا ينساقوا خلف ما تروجه الدعاية الإيرانية، فلا وجود للتأثير الإيراني من دون تبني نظامها لقضايا مقدسة، ومن دون التمسك بالدين كسلاح يجيش ويعبئ ويأمر فيطاع من دون اعتراض. يجب أن يرد من يتعرضون للهجوم الاستخباري الإيراني بأسلوب لا يخدم الأهداف المتطرفة، ويجب أن يعي هؤلاء أن إيران ليست في أفضل أحوالها، وأن الخيار الأسلم لها في هذه المرحلة «تجرع كأس السم» التي شربها الخميني عندما نفذ قرار مجلس الأمن 598 الذي أوقف الحرب العراقية الإيرانية، وربما يشرب خامنئي الكأس نفسها لحماية الوجود الإيراني، ولتخفيف التوتر الذي وصل إلى حده الأقصى في المنطقة التي لا تهدأ.
تبقى أبواب السياسة مشرعة، والثوابت في هذا السياق لن تبقى ثوابت، والمتغيرات ربما تصبح ثوابت، وربما من الأفضل ألا ينحدر الخطاب السياسي إلى تحريض وكذب وتأجيج للعداوة والدخول في زواريب العنصرية والمذهبية المقيتة، وعلى إيران أن تعي خطورة المرحلة، وأن تبريد الملفات الساخنة ربما هو الحل.