المتورطون في الجرائم يحاولون دائماً إنكار أفعالهم بأية طريقة، وإن لم يستطيعوا فسوف يكذبون ولو بشكل غبي، والسبب يرجع إلى طبيعة البشر، فلا أحد يعلن عن مشاركته في عمل قبيح ومذموم. وعلى العكس لا يخفي الإنسان أي دور يقوم به خلال أي عمل صالح ومفيد وإن كان هذا الدور جزئياً.
إن الإعلان والإخفاء عند الدول عادة ما يحصل نتيجة دراسة وتخطيط. فتضع الدول في الحسبان الأرباح والخسائر، أي مصالحها في حال إعلانها أو عدم إعلانها عن المشاركة في أي عمل خارج حدودها. وباعتبار أن المشاركة في جميع الحروب التي لا تنطبق مع مبدأ حق الدفاع عن النفس هي حروب قذرة والمشاركة فيها جريمة، فكل ما تقوم به إيران اليوم إجرام وتعدٍ على الآخرين وعلى حقوقهم.
إيران وبطبيعتها الأيديولوجية دأبت على المشاركة والتدخل في أغلب الصراعات والأزمات التي حصلت وتحصل في منطقتنا العربية. ولا أعتقد أننا سنجد بؤرة توتر واحدة لم تشارك فيها إيران بطريقة أو أخرى. وبعيداً عن الخوض في ماذا يمكن أن تستفيد إيران من كل هذه التدخلات في شؤون البلاد الأخرى وبالأخص العربية، بعد أن بات معروفاً لدى الجميع أن تدخلات إيران تحصل إما للسيطرة والنفوذ في ذلك البلد أو لتقوية أوراقها التفاوضية تجاه الغرب؛ يجب على العرب ألا يغفلوا حقيقة واحدة، وهي تملص إيران ونكرانها لكل ما تقوم به وإن بدا واضحاً وضوح الشمس للعيان.
أسلوب إيران في نكران ما تقوم به كان من خلال كذبة واحدة، وهي أن الدولة الإيرانية ليست متورطة بشكل رسمي، بل بعض الأفراد يتطوعون بشكل فردي ويشاركون هنا وهناك حسب عقائدهم. ولأن إيران دولة حريات وديمقراطية جداً لا تستطيع منع مواطنيها من التطوع وحرمانهم من حقوقهم المنصوص عليها في الدستور الإيراني!
وعندما انفضح التدخل الإيراني في اليمن من خلال تصريحات مريبة لمسؤولين إيرانيين، وعبر كشف كميات أسلحة مهربة إلى اليمن مصدرها إيران، وكتب عليها صنع في إيران. أعلنت إيران أن لا صلة لها بالموضوع، بل أحد مراجع التقليد في الحوزة العلمية هو من بعث وعلى نفقته الخاصة دعماً إلى الحوثيين هناك! سبحان الله وكيف يستطيع شخص مهما بلغت ثروته أن يمول بمفرده حرباً طويلة الأمد في اليمن، وأين يعيش هذا المرجع أليس تحت مظلة دولة وهي مسؤولة عنه؟!
وتكرر الأمر في العراق ولبنان والكويت والبحرين وغيرها من الدول العربية ودائماً ما تتنصل إيران عن مسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي وجيرانها عبر تحميل المسؤولية لأحد “السوبرمانات المعممين”، الذين لو تفوه أحدهم بكلمة واحدة نقداً لنظام الحكم في إيران لفعلوا به ما فعلوه بمنتظري نائب الخميني آنذاك، وما فعلوه بغيره من هؤلاء، رجال الحوزة الموضوعين اليوم تحت الإقامة الجبرية لمجرد نقدهم سياسات حكومتهم وليس معارضتها.
قبل أيام فاحت رائحة العفن من التدخل الإيراني في الحرب الداخلية السورية بعد مقتل أحد قادتها العسكريين. هذه المرة قتل قائد من الحرس الثوري الإيراني اسمه محمد جمالي، يعمل في قسم مكافحة المخدرات في محافظة كرمان الإيرانية قبل إرساله إلى سورية. وصور سليماني قائد فيلق القدس وهو يضع رفيقه المقتول في القبر منتشرة في كل مكان. لكن هذه المرة فاجأتنا إيران بكذبة غريبة عجيبة يبدو أنه لم يتم إخراجها بشكل جيد. وتركت كذبتها السابقة الخاصة بسورية التي تعتبر مشاركتها إرسال مستشارين فقط، لإعطاء النصيحة للجيش السوري كي يستطيع قتل أكثر ما يمكن من الأبرياء! إذ قال المسؤولون الإيرانيون هذه المرة أن الشخص المذكور كان يشارك في القتال بصفته الشخصية كمتطوع. ولكن لم تذكر إيران كيف استطاع هذا القائد العسكري السفر إلى خارج البلد، والجميع يعلم أن سفر العسكري برتبة عريف إلى الخارج من سابع المستحيلات، وممنوعة في القانون الإيراني ناهيك عن ضابط مهم في الحرس الثوري.
إن نكران إيران لتدخلها في سوريا هذه الأيام لم يعد مجدياً بعد أن كثرت مجالس العزاء التي تقام على أرواح قتلاها في كل مدينة وقرية إيرانية. وبعد أن قامت الدولة وبشكل رسمي بتسجيل متطوعين للمشاركة في الحرب الداخلية السورية بحجة الدفاع عن مقام السيدة زينب. ولكن نكرانها لمشاركتها في هذه الحرب التي دمرت شعب بأكمله تثبت بشكل قاطع أن الملالي في طهران يدركون تماماً أن وجودهم في سوريا يعتبر جريمة قذرة سيحاسبون عليها يوماً ما، لهذا يتنصلون منها عبر أكاذيبهم المتكررة التي تبدو بدورها شحت عليهم بعد أن استهلكوا الكثير منها سابقاً للتغطية على جرائمهم الكثيرة السابقة ضد العرب والمسلمين.