التدمير الممنهج للبيئة في الأحواز
المقدمة:
جاء في أحد تقارير منظمة الصحة العالمية حول التلوث البيئي ما مفاده: “إن مدينة الأحواز من أكثر المدن تلوثاً في العالم”. وينبّه هذا التقرير إلى مدى خطورة الوضع الإنساني المتفاقم بسبب التلوث البيئي الناجم عن السياسات التدميرية للبيئة في الأحواز، حيث أصبح المواطن معرضاً للآثار السلبية كـ الأمراض والأوبئة الخطيرة جرّاء هذا السلوك العدواني للنظام الإيراني تجاه البيئة في الأحواز.
لقد أصبحت هذه المخاطر البيئية التي سببتها السلطات الإيرانية، من خلال سياساتها الهادفة إلى تهجير السكان الأصليين، جليّةً لكافة فئات المجتمع الأحوازي، فتفاقم الوضع البيئي يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني الصحي والمعيشي جراء هذه السياسات التدميرية والممنهجة، وما تقوم به المؤسسات الحكومية الإيرانية العاملة في الأراضي الأحوازية من خلال مشاريعها العملاقة، كإنشاء السدود وتحويل روافد المياه ونقلها إلى وسط إيران والتنقيب العشوائي عن النفط وإنشاء الشركات البتروشماوية، وكذلك رمي النفايات ومخلفات المعامل والشركات في الأنهار، وتجفيف الأهوار التي تعتبر رئةً للبيئة الطبيعية.
إن المشاريع الزراعية العشوائية، كـمشاريع قصب السكر (التي أقيمت على أراضٍ انتزعت بالقوة من أصحابها العرب)، سببت وتسبب ازدياد التصحر، وارتفاع نسبة الملوحة، وتلوث میاه نهر کارون، وتدمير التربة الزراعية، وأيضا ًتساهم في تضاعف العواصف الرملية والغبارية. فما تقوم به السلطات الإيرانية في الأحواز ليست إلا تدميرا ً وقتلا ً ممنهجاً للإنسان وبيئته.
في هذا البحث نسلط الضوء على مشروع نقل مياه كارون وتجفيف الأنهار وتحويل أهم روافدها وجر المياه إلى المناطق الفارسية في وسط إيران. ويؤدي هذا العمل غير الإنساني والخطير إلى كوارث بيئية تؤثر على الوضع الإنساني بشكل سلبي، لأن هذا المشروع سيكون بمثابة قتل للإنسان بشكل غير مباشر ويضر به قبل البيئة التي يقطنها.
المكان الذي يسكنه البشر يعتبر من أهم مقومات حياتهم، وإذا أصبحت الأرض التي يسكنها الإنسان غير صالحة للعيش فإنه يقوم بهجرها، وهذا ما تسعى إليه السلطات الإيرانية من وراء هذه السياسات العدوانية وغير المسؤولة من تدمير وإبادة للإنسان ولبيئته في الأحواز، فالاحتلال الإيراني يستهدف بالدرجة الأولى الإنسان، وذلك من خلال تدمير البيئة ليشعر بعدم الأمان في البيئة التي يسكنها.
سهل الأحواز وثرواته المائية:
تعتبر الأحواز هبة الأنهار التي تمر في ربوعها كما نهر النيل عند أهل مصر، لذلك قيل منذ القدم أن مصر هبة النيل، فالأحواز أيضأ هبة نهر كارون.
يمتد نهر كارون من شمال الأحواز إلى جنوبه وصولاً إلى شط العرب الفاصل بين الأحواز والعراق، ثم يصب هذا المجرى المائي أي -شط العرب – في الخليج العربي بعد التقاء نهري الدجلة والفرات بالإضافة إلى شط كارون.
ثم يأتي نهر “الكرخة” في المرتبة الثانية من حيث الأهمية للثروة المائية في الأحواز، لينتهي مصبه في الأهوار الواقعة في غرب الأحواز. و يعتبر هذا النهر شريان ديمومة حياة الأهوار ونظامها الإيكولوجي، ومعظم السكان في هذه المناطق يعتمدون كثيرا ً على مياه نهر الكرخة لأغراض الزراعة وماء الشرب. والجدير بالذكر أن المياه تعتبر شرايين الأهوار، حيث تشكل مصدر رزق لسكان هذه المناطق وتحديدا ًغرب الأحواز.
ثالث هذه الأنهار هو نهر “الجراحي” الذي يعد من أهم مصادر المياه للأهالي والمزارعين في جنوب شرق الأحواز.
ورابعها نهر “الدِز” الذي يعتبر من أهم روافد نهر كارون، وينبع من جبال لرستان ويمر من مناطق شمال الأحواز ليلتحق بنهر كارون في منطقة بندقير، ويعتبر هذا الرافد من أهم مصادر الماء لشمالي الأحواز. لذلك فإننا لو قلنا إن الأحواز هبة الأنهار فلن نكون مخطئين، لأن سهل الأحواز تشكل منذ القدم من رواسب هذه الأنهار وخاصة شط كارون.
الأنهار وأهميتها في بناء الحضارات القديمة:
استقر البشر في أول الأمر بجوار الأنهار والمياه العذبة، وبنوا مدنهم وقراهم وشيدوا أعظم الحضارات، كحضارات ما بين النهرين والنيل. ولخصوبة الأرض في الأحواز ووفرة المياه العذبة والتربة الخصبة الناتجة عن رسوبات الأنهار المذكورة أعلاه، أخذ الإنسان ومنذ آلاف السنين يستقر في الأحواز.
واستنادا ًإلى النظريات وأمهات الكتب التاريخية، فقد كان العلاميون هم أول من قطن الأحواز قديما،ً وهم الذين شيدوا مدينة “سوس” في حوض نهري كارون والكرخة. ومنذ ذلك الوقت ارتبطت حياة الإنسان في هذه البلاد بوجود الأنهار وخاصة نهر كارون، لأن الزراعة المروية كانت من سمات هويتهم الاقتصادية، حيث أن حياة أهل الأحواز كانت وما زالت مرتبطة بشكل مباشر بمياه الأنهار، فعندما كان يحلّ الجفاف بأرضهم وتشُح المياه، كانت تسوء حالتهم المعيشية وتضيق الحياة بهم وتنتشر المجاعة بينهم.
نهر كارون والقوى الاستعمارية:
في القرن التاسع عشر صار لنهر كارون مكانةٌ استراتيجيةٌ في حسابات القوى الاستعمارية. وعلى إثر الصراع الدائر بين الروس والبريطانيين آنذاك على منطقة الخليج العربي، والأحواز خاصة، بدأت بريطانيا تهتم بالملاحة في نهر كارون، لأن البريطانيين كانوا يعتبرونه الطريق الوحيد للتغلغل في عمق إمارة الأحواز، وذلك من خلال ملاحة سفنهم في نهر كارون ذي المنسوب العالي من المياه، وبذلك أصبح هذا النهر من أهم الأنهار الصالحة للملاحة.
وقد قامت بريطانيا في القرن التاسع عشر بالضغط على إمارة الكعبيين لأخذ امتياز الملاحة في نهر كارون، وبذلت بريطانيا جهداً جهيداً لأخذ هذا الامتياز من الأمير مزعل الكعبي، ولما رفض الأخير إعطاء حق الملاحة للبريطانيين، لأسباب تتعلق بالأمن والسيادة، هددت بريطانيا إمارة الأحواز من خلال القاجاريين، فتعاملت معهم بصفتهم هم أصحاب القرار على الأرض لتهدد بذلك سيادة إمارة الأحواز. وعلى إثر الخلاف القائم بين الطرفين وصل الأمر إلى حدّ المواجهة بين الكعبيين من جانب والقاجاريين والبريطانيين من جانب آخر.
ولأهمية نهر كارون كانت لفرنسا أيضاً محاولات لتنافس القوى الأخرى في الأحواز، فقد زار نهر كارون، في أواخر القرن التاسع عشر، المهندس الفرنسي ديالوفاي لإعداد تقرير عن الملاحة والري في نهر كارون للحكومة الفرنسية.
مشروع نقل مياه كارون وتحويل روافده المائية إلى وسط إيران:
يعتبر نهر كارون رمزاً وعصباً للحياة، وعنواناً للصمود عند الشعب العربي الأحوازي، ومعلماً من معالم الهوية العربية في وجه الاحتلال الإيراني. ولنهر كارون مكانةٌ هامةٌ تصل إلى حد التقديس لدى المواطنين الأحوازيين، ويعتبرونه بمثابة الروح للجسد، حيث كان ومازال رمزا ً للشعراء ولوحات الرسامين والمطربين. وإلى يومنا هذا، تسكن الأغلبية من سكان الأحواز على ضفتي نهر كارون الذي يمتد من شمال شرق الأحواز ومن منحدراته الجبلية إلى مدينة المحمرة المطلة على شط العرب.
قامت السلطات الإيرانية بإنشاء عدة سدود ضخمة على نهر كارون والأنهار الأخرى كـ الكرخة ونهر الدز، لأهداف سياسية وهيدروبوليتيكية ترتبط بالاستعداد للمرحلة القادمة التي ستتسم بالحرب على المياه، وخزنت نسبة كبيرة من المياه التي كانت تروي الأراضي الزراعية في سهل الأحواز. وبحسب تصريح رئيس منظمة البيئة في الإقليم -لاهيجان زادة – فقد تم إنشاء أكثر من عشرين سدّاً على كافة الأنهار في الأحواز منذ العهد البهلوي إلى يومنا هذا. و من أهم هذه السدود، سد كارون الأول وسد الدِز اللذان تم إنشاؤهما في عهد حكم الملكي.
وفي عهد الجمهورية الإسلامية أنشئت عدّة سدود، من أهمها: كارون الثاني والثالث وسد الكرخة السيّئ الصيت المسمى بسد “عرب كش” أي قاتل العرب، وسد “كتوند” الذي تقع مخازنه بين قباب ملحية. وبهذا العمل اللاإنساني وغير المسؤول من قبل السلطات الإيرانية بات إقليم الأحواز يعيش خطراً محدقاً يتمثل في شُحّ المياه والجفاف وازدياد رقعة التصحر.
ثم جاء مشروع نقل مياه كارون القاتل ليقضي على ما تبقى من آثار للحياة في الأحواز، حيث يتسبب هذا المشروع بكوارث بيئية وإنسانية لا تحمد عقباها. إن مشروع نقل مياه كارون، في الواقع، ليس مشروعا ًجديداً، بل بدأ العمل فيه منذ عهد إدارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، فرُسِمَت خططه قبل عام من طرحه على مجلس النواب الإيراني، وأصبح من أهم المشاريع العمرانية لوزارة الطاقة بعد أن أقره البرلمان الإيراني.
وبذلك يتّضح أن الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على سدة الحكم تسعى إلى تطبيق سياسة استغلال المياه الضائعة، ولا سيما من خلال حجز المياه خلف السدود لغرض التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الجافة وشبه الجافة في وسط إيران المسماة بـ “الكوير”. ولهذه الأسباب قامت السلطات الإيرانية ببناء عدة أنفاق لنقل المياه إلى المناطق المتقدمة في وسط إيران وتحديداً إلى محافظات أصفهان، يزد، وكرمان، التي تقطنها أغلبية فارسية، وذلك لإقامة بنية تحتية زراعية – صناعية بهدف الاستقرار السياسي والاقتصادي. وبهذا تم توسيع المشاريع الزراعية والصناعية ووفرت المياه للاستهلاك المنزلي في المحافظات المذكورة أعلاه. ومن الممكن أن نجمل هذه الانفاق كالتالي:
1-كوهرنك الأول.
2-كوهرنك الثاني.
3-كوهرنك الثالث.
4-نفق بهشت آباد.
ويعتبر نفق “بهشت آباد” حديث الإنشاء وتسعى السلطات الإيرانية إلى تدشينه هذه الأيام، ويبلغ طوله 64 كيلومترا ً و970 مترا،ً وقطر هذا النفق 6.5 متراً.
5-نفق “لنكان” والذي يتم من خلاله نقل كمية هائلة من مياه نهر الدز إلى نهر زايندة رود في اصفهان.
6-نفق ماربران.
7-سد سولكان.
خريطة الأنفاق المائية
جدول: نسبة انتقال المياه من روافد كارون والدز إلى نهر زايندة رود
النفق/المنبع/سد |
المكان |
م3/ ثانية |
مليون م.م في السنة |
جشمة لنكان |
من روافد الدز إلى نهر زاينده رود في اصفهان |
3/4 |
6/136 |
كوهرنك 1و2 |
من روافد كارون إلى نهر زايندة رود في اصفهان |
9/26 |
2/611 |
كوهرنك 3 |
من كارون إلى زايندة رود في اصفهان |
8/7 |
1/245 |
بهشت آباد |
من كارون إلى اصفهان |
4/35 |
1100 |
تونل ماربران |
من كارون إلى زايندة رود |
— |
7/111 |
سد سولكان |
من كارون إلى سولكان |
1/7 |
225 |