الصرخة المذبوحة
أجثو على ركبتي حزني وغضبي، رافعاً يدي الرجاء والشكوى إلى السماء، مصلياً وداعياً العتق من أسر الأوهام والاستفاقة من انفعالات المشاعر والأمان من طغيان الكلمة، فأيسرها خليقة بأن تثير الفتن، لأصرخ قائلاً: الكلّ متّهم هنا والكلّ مدان هنا، وما الجانيّ في هذه الجريمة النكراء إلّا أوّل الضحايا. فالمجتمع المتخلّف والأخلاقيات البالية والقانون العاجز وحتى الشعر والأدب الذكوري العنيف و… هو المهاد المناسب لتكرار مثل هذه الجرائم البشعة. الكلّ مسؤول عن الفشل والإحباط والهزيمة والتخبط والإضطرابات التي مُنيَ بها الشباب والجيل الناشيء خاصة، فيَدُ مسؤولية الجميع ملطّخة بدم ضحايا الجهل والتخلّف والعنف هنا !!!
أخرج من غمرة الذهول والأسى لأخطّ بالقلم ما لعلّه يساهم في التئام الجرح الغائر في جسد التعقّل، لكن هيهات !!! فالمشكلة أفظع مما نتصور، وفيروس الجهل المستشري في رئة المجتمع أخطر مما نظنّه، إذ جعله يعاني النزاعات القبلية والخرافات المذهبية والجرائم الإجتماعية والأسرية وكأنّه يلفظ آخر أنفاسه. إنّه مرض عضال لا يتجاوب مع حبوب المواعظ والخطب وأدوية القوانين غير الفاعلة وغير المجدية. فقد ثبت فعلاً فشلها أي هذه القوانين، وعدم فاعليتها. ألا يكفي أن يكون تكرار مثل هذه الحالات الخطيرة بمثابة إجراء فحص مختبري لهذه الأدوية والمعالجات الفاشلة؟!
أقولها بكل صراحة بأنّه ليس ثمّة من يشمت بِنَا أكثر من غرورنا ولا أحد يتربّص بِنَا الدوائر أشدّ من هذا الجهل المركب الذي نعيشه ونمارسه. كلّنا متورطون بالتخلّف وبالإنتماء الوجودي إلى القبليّة بمختلف أشكالها وتمثلاتها، نمارس التخلّف الفكري والعقدي والثقافي والأدبي والذوقي والجسدي واللغوي والجنسي، لم نتحرّر بعد مِن جاهليّتنا المقنّعة الآثمة باسم الدين حيناً والتقاليد أحياناً وهي منّا ومن ممارساتنا براء، فالدين السمح يأبى ذلك كما أن العروبة تأبى ذلك أيضاً. التفكير الذكوري متغلغل في كافة مناحي حياتنا الإجتماعية بل جاثم على عقليتنا بكل أشكاله البشعة والعنيفة في هيئة القيم العليا للكرم والمروءة والشجاعة والغيرة والرجولة و …. وهذه هي المأساة.
إن الخطأ الجسيم هو أن نتبنى لمعالجة هذه الأمراض وحلّ هذه الإشكالية، بهذا الحجم الكارثي وهذا التعقيد، مشاريع العودة إلى ما كان عليه السلف، أي الإقتفاء الأعمى والناقص والمشوّه دون اكتراث للواقع المتغير والمستجد، أو أن نحاول تقليد ما يكون عليه الآخر دون وعي بالشروط الذاتية، أي الإستلاب والتماهي في ثقافة الآخر. هذا ما يجعلنا نراوح الأزمة بل ويسقطنا في هاوية الذلّ والهوان.
ليس أمامنا إذن إلّا أن نقوم بعقلانية ومنهجية وشجاعة في نقد الذات وليس جلد الذات، وأن نعترف بالتعدد والتنوع ونحترمهما وأن يتصدّى الخبراء والمعنيّون بحزم وجرأة ودراية لمهمّة أنسنة القوانين، لأن ذلك فقط يمكنه أن يؤدي إلى المساواة والعدالة وبالتالي إلى الأمن والرقيّ.
عبدالكريم الأهوازي
المصدر: شبكات التواصل الاجتماعي
*في اطار بث الوعي ونقل مختلف الآراء في المجتمع يقوم موقع التيار الوطني بنشر مقالات من مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية وهذا لا يعني تأييداً لها