نظرة عامة على يوميات المرأة الاحوازية و اسلوب حياتها تكشف لنا و بوضوح هامشية المرأة و دونيتها في البيت والمجتمع. ففي هذا المجتمع، المرأة لا تعيش الحياة مباشرة و إنما الرجل دائما يتوسط و يحول بينها و بين الحياة، بين إرادة المرأة و جسدها، بين رغباتها البسيطة و تصرفاتها العادية.
و كأنما الحياة و كل ما يتعلق فيها مثل الأعراف، الدين ، السياسة، البحر، الشارع، السفر، الليل ،المغامرة، الاجتماع …الخ، تكون ضمن ممتلكات الرجل و من تخصصه و لهذا يلزم على المرأة أخد الإذن من الرجل قبل خوضها لتلك الامور.
فهذه الثقافة غير المنصفة التي تتجلى في كل زوايا الحياة، تكون في الأصل وليدة أعرافنا و ثقافتنا و تقاليدنا الذكورية. وكثير من عاداتنا الثقافية و أعرافنا و بما فيها آداب الكلام و أصول الجلوس و رسوم الزفاف و رقصاتنا الشعبية و عادات الأكل و الشرب و…الخ قائمة بشكل مباشر على تجاهل المرأة و تحقيرها.
فعلى رغم أن المرأة تمثل نصف المجتمع وبعبارة اُخرى أن لها 50% من الحصة في كل شئ لكن الواقع يقول إن نصيب المرأة في كثير من الأمور، العامة و الخاصة، و حتى أحيانا في الأكل و الشرب و الجلوس (و التدخين بالنسبة للمدمنين) يتكون مما هو فضالة للرجل! ليومنا هذا و في كثير من الأعراس و المناسبات و الفواتح لا یتم تقدیم الغذاء إلى النساء إلا بعدما يحصل الموزع على كلمة النعم لسئوال”كفوا الزلم؟(انتهت طلبات الرجال!) الرجال تلعب وسط الساحة و تجلس في خير مكان و تناقش أهم أمور القبيلة والمجتمع(كالمظاهرات و الانتخابات) و كذلك امور المرأة (كموضوع زواجها) ،بينما النساء ترافق الأطفال و تعتكف على الحريم باحثة عن نافذة لرؤية و سماع ما يحدث عند الرجال!
بعبارة واحدة ؛ من المهد إلي اللحد تكون المرأة في الهامش و في الخلف. فحتى في مراسم الدفن كذلك تم ممانعة المرأة من حضور مراسم الدفن و إلغاء مناسكها التراثية! لتكون المراسم ذكورية فحسب! و لكي تراقب و تناقش ذكور المضائف أمور البيارق و الإحسان بهدوء أكثر بعيدا عن صرخات المراة الناطقة و الرافضة (للتمييز و الاضطهاد) احيانا!
و من ابرز المعالم الذكورية في المجتمع الاحوازي ؛ خضوع المرأة لكلمة الرجل و قبول رأيه كفصل للخطاب .فمازالت كثير من اُسرنا تعيش حسب اصل هيبة الرجل في البيت! طبعا اذا المقصود من الهيبة يكون الاحترام المتقابل فهذا الشئ مطلوب لكلي الطرفين لكن اذا المقصود منه خضوع المرأة لسلطة الرجل و قبول كلمته كفصل الخطاب فهذا الشئ غير منطقي و مرفوض انسانياً. فليس من الصحيح ان تخضع المرأة و العائلة بأكملها لكلمة الرجل كونه رجلا و كاننا نربي سادة و عبيدا في اسرنا!
فهذا التجاهل و التهميش الشامل و المستمر يكشف جلياً مدى ذكورية الحياة في مجتمعنا و بالتالي مدى تأخرنا عن العالم المتحضر. و هذا التأخر طبيعي جدا لان المرجعية ذكورية ، و هي مرجعية غير عادلة و ناقصة. فزمام الأسرة و الدين و الحكومة و القبيلة كلها بيد الذكور. و إن كانت نظرة هذه المؤسسات حول المرأة ليست دونية كما يزعم أصحابها لأصبحت المرأة (مثل الرجل)تخطب في المساجد و المضائف و تعيش بسلام و احترام في المنزل.
فبسبب هذه المؤسسات الذكورية المتداخلة الداعمة لبعضها البعض الآخر، حتى المرأة كذلك أصبحت تملك ذاتا ذكورية احيانا دون أن تعي. و هذا اللاوعي الذكوري المُسيطر على كثير منا، نساءا و رجالا، يمنعنا من استخدام كل حواسنا لفهم مجريات الأمور و الحياة و إنما بالعكس هذه الذات السجينة تغش صاحبها و تشوش على عقليته حول المرأة و تجعله في حالة استرخاء ،و مستوى دوني من الانتباه و الإدراك، و انه يتعامل مع كلمة المرأة أم يستمع إلي تفاصيل اضطهادها!
اذن نتسائل لماذا يا تري تم تذكير(التحيز للرجل) كل شي و حتى( ذات) المرأة في هذا المجتمع؟ أهذا الشئ نابع من مشكلة ذاتية مع حضور المرأة ! ام يرجع الامر الى ضعف النضال النسوي ؟ ام ماذا؟ و لماذا فئات غيرقليلة من الرجال و النساء و حتى النخب تكون جاهزة تماما و في حالة طاعة لاي عرف ام قانون يقلص من حضور المرأة في الحياة العامة و يسبب في تهميشها و تحجيمها! هل السبب ؛ لان الرجل التقليدي يخسر كل شي و في مقدمتها هيبته المزيفة و لغته السلطوية اذا ما حضرت المرأة في الساحة؟!
فيجب الاعتراف بان مشكلة قسم غير قليل من التقليديين من الرجال مع قضية حرية المرأة و مساواتها ينبع من خوفهم على انفسهم و على قاموسهم و خطابهم! فانهم متشبثون بهذا الخطاب (في السر و العلن) لانه الرأسمال لسلطتهم و مصالحهم! لكن بالتأكيد الامر ليس كذلك للمرأة.
فالمرأة الأحوازية خسرت و تأخرت و تألمت كثيرا بسبب هذه الثقافة المتحايلة و من واجبها ان تثور ضد هذه الثقافة غيرالعادلة. الثقافة الذكورية التي خلقت من ابسط الفوارق الجسدية اصعب التابوات و حطمت انسانية المرأة و كرامتها و جرّدت المرأة من سلطة جسدها بهذا المنطق، الخفي ام الجلي، بان المرأة غير مؤهّلة لتصبح المسئولة عن جسدها! فهذه العقلية تظلم المرأة مرتين! مرة حينما تتهمها بان ما تبحث عنه من وراء التحرير هو التعري و الاباحية و مرة اخري حينما تسلب من المراة هويتها المستقلة و تتخذ من جسدها رمزا للهوية الدينية و القومية! و تسجن المرأة في دايرة ضيقة و تحملها اعباءا ثقيلة بحيث يصبح جسد المراة معيارا لمفاهيم كبري ( كالشرف القبلي و الاسري) بينما لا يحق لعقلها التفكير او التحليق بعيدا عن حدود جسدها او القيام باعمالٍ تضع شرفها في موقع خطر!
و اكثر من هذا إن الذكورية المتسلحة (بالعنف )خدعت حتى المراة نفسها في ما يخص مفهوم الانثي .فالعقلية الذكورية فسّرت و رسمت صورة المرأة واحاسيسها و افكارها مثلما تريدها الذكور و فرضت عليها تعريفا ذكوريا من نفسها بحيث كلما ارادت المرأة ان تعبّر عن نفسها و عن طموحاتها و ان تدافع عن حقوقها الانسانية و حريتها كلما لجأ البعض الى التعاريف و القيم و المقدسات الذكورية لقمع هذه المطالبات.
فماعادتْ هذه الخطابات غيرالمنصفة تغش المرأة، و إن مطرتْ السماء كتباً تاييدا لهذا الخطاب ، لن تخضع المراة الحرة و العاقلة مرة اخري لهذه الهيمنة و انما ستحاول ان تفهم مشكلة السماء و اسباب ذكوريته. و هذا ليس شعارا و انما العالم المتطور اصبح هكذا مكّن الانسان من السفر البعيد و فهم بعض الاشكاليات الصارخة. فلو امعنا النظر للحظة في الانجازات العلمية لهذا العصر، و من ضمنها و أقربها شبكة الواي فاي لآمنا باعجازها العلمي و سقطنا على الارض خاشعين امام اكتشافات العقل الحر ومنجزاته! و لخففنا عنا ثقل التابوات الرخيصة. و لاطلقنا سراح الانسان فينا و حررناه من العبودية وحررناه من حدود جسده. ومن ثم حررنا الحياة و المجتمع و المرأة و الرجل معاً من جسد المرأة!
لكن المشكلة هي اننا فقدنا البصيرة منذ زمن بعيد. فهدرنا كل طاقاتنا و حواسنا في مراقبة بعضنا البعض و تقييم الانسان مع معايير عصر الحجر. المعايير التي لابد لنا من تصحيحها و تعديلها او تغييرها اذا ما لزم الامر.
ففي ظل هذه المعايير دُمرت بيوتٌ كثيرة و أصبحت المرأة تعيش كالعبيد و الخدم في المجتمع. وبالتأكيد يكون من المطلوب جدا ان تخرج المرأة الاحوازية عن هذه الأصول و الأعراف حيثما وجدتها غير عادلة و غير منصفة . فالأعراف و الأصول التي تضطهد المرأة و تضعها في مرتبة ادني من الرجل هي غير جديرة بالاحترام و من حق المرأة أن تخرج عليها.
وفي مجتمعنا الاحوازي بالتحديد، غيّر الرجل و لصالحه كثيرا من الأعراف و الأمور…ترك زيه العربي(اكتفي بارتداه في البيت و الجلسات العربية)…تحرر نسبيا من سلطة الشيخ و السيد….غيّر معتقداته المذهبية و الكثير و الكثير…إذن لا يحق لهذه الشريحة التي كانت سبّاقة في العدول عن العادات و التقاليد أن تعارض تحرير المرأة ! أو تقف في وجه صحوتها و رغبتها في التحرير و الخلاص من الوصاية!
فطالما هنالك من رقابة موجودة ، يعني هناك إشكالية و خطر موجود و بالتأكيد أنّ الحل الأفضل في هذه الحالات لم ولن يكون تشديد الرقابة أو حماية الأنثى! فإلى متى يريد الرجل أن يحمي المرأة و يهديها؟ و ماذا جنينا نحن العرب من وراء هذه المرجعية الذكورية سوى التخلف و الإحباط و الانحطاط؟
فلنتنازل عن جسد المرأة و عن الرؤية الجسدية لها ، احتراما لإنسانيتها و وتقديرا لقواها و عقلها ، ولنساعدها على النهوض لكي تكون قوية و فاعلة و موثرة في بناء المجتمعات و الأوطان. فإنها شريكة الرجل في الحياة و ليست مُلكا أو تبعاً له ابدا..
بقلم: شهلا الكعبي
المصدر: الحوار المتمدن، مع تصحيح الاسم من الاهواز الى الاحواز