المرأة الأحوازية و النضال من أجل الوطن
بقلم: ياسمين فارس الاحوازي
تواجه المرأة الأحوازية في تاريخها النضالي نحو الحرية تحديات لم يشاهد لها التاريخ مثيلاً. انها تحاول كسر حاجز الخوف أمام الطغاة في عدة معارك: نظام الاحتلال الإيراني، والمجتمع الذكوري ، و العادات القبيلة البائدة، والقيود المفروضة من قبل الأهل والأقارب.
هذه العوائق بالإضافة الى الكثير من العوائق الأخرى تقع في طريق المرأة الأحوازية لحجزها وحرمانها من الفرص لتأدية واجبها وتحقيق آمالها وكفاحها ضد الظلم الجاري عليها على مر التاريخ الى يومن هذا.
تعيش المناضلات الأحوازيات الأحوازية ا بين سندانة التمييز العنصري من جهة ومطرقة الاتهامات الباطلة والافتراءات الجائرة بحقها مثل تهمة الانتماء الى التنظيمات الإرهابية كداعش وماشابه ذلك من الافتراءات التي تسهل اصدار أحكام تعسفيها بحقهن وتنفيذها تصل بعضها الى اصدار حكم الإعدام. ان هذه الاتهامات الباطلة بموازات الظلم الذي تعانيه الناشطة الأحوازية من النظام الإرهابي الفارسي لم يتم التركيز عليه من قبل الاعلام العالمي ولا حتى من قبل منظمات حقوق الانسان.
جرائم الاحتلال الفارسي والعنصرية السياسية الممنهجة والمدروسة تحت عباءة ما يسمى بالدستور الذي يُمهد للحكم الديكتاتوري وللظلم والجور، والقوانين القضائية الظالمة مثل المادة 500 من ما تسمى قوانين العقوبات الإسلامية التي تسهل اصدار أحكام جائرة بحق الناشطات الأحوازيات وكل المواطنين بتهم تعسفية كالإرهاب أو التعاون مع الجهات المعارضة والمناوئة للنظام (حسب زعمهم)
هناك العديد من المناضلات الأحوازيات اللواتي يقبعن في سجون الاحتلال الفارسي. خرجت اسماء بعضهن الى الاعلام ولكن هناك أسماء الكثيرات اللواتي لم يعرف عنهن أحد.
نذكر هنا اثنين من المناضلات الاحوازيات كنموذج لما تعانيه المرأة الأحوازية في مجال النضال نحو الحرية:
الأسيرة الماجدة صهبا زيدان حمادي ( عبيات) عنوان الصمود في سماء الوطن . من أهالي مدينة الخفاجية، من مواليد 1998 ، و طالبة في هندسة الزراعية.
اعتقلت صهباء من قبل سلطات الاحتلال الإيراني عام 2018 بعد ما تطرقت من خلال كتاباتها للأوضاع الاقتصادية للشعب العربي الأحوازي وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين العرب، وكذلك ذكرها الممارسات العنصرية و التمييز العنصري ضد أبناء شعبنا.
تعرضت المناضلة صهباء الى انواع التعذيب الجسدي والنفسي وتم تهديدها بقتل زوجها حسين جلداوي الذي تم اعتقاله هو أيضا بعد فترة قصيرة من اعتقالها. بعد تعذيبها لمدة ستة أشهر في معتقلات الاستخبارات الإيرانية في الاحواز تم نقلها الى طهران حيث بقيت فترة في سجون طهران ثم تم استردادها الى سجن سبيدار في الاحواز العاصمة. واستمر تعذيبها في سجن الاحواز بهدف اخذ الاعترافات القسرية منها ولإرغامها على الظهور أمام الكاميرات والاعتراف. وفي مايو/ يونيو عام 2019 تم صدور حكم الإعدام الإجرامي بحقها لكن بعدها ألغى حكم الإعدام في نوفمبر 2019 وتم استبداله ب 15 سنة سجن بتهمة التحريض ضد أمن النظام كما مذكور في ملفها.
وبعد المتابعة المستمرة من قبل عائلتها استطاعت الحصول على موافقة بالإفراج الموقت المشروطة لمدة عام مقابل وثيقة باهظة الثمن تعادل 40 ميليار ريال إيراني. وبوقفة و نخوة شعبية استطاعت عائلتها من جمع المال المطلوب لشراء الوثيقة و تقديم بعض الوثائق لإفراجها بعد المناشدة التي قام بها والد المعتقلة و التبرعات من قبل أبناء شعبنا. واطلقت سلطات الاحتلال سراحها في يوم الاثنين 27 ابريل عام 2020 بعد أكثر من عام و نصف من المعاناة و الالام في زنزانات الاحتلال الإيراني حيث مورست عليها شتى أنواع التعذيب النفسي و الجسدي.
حسب التصريح الذي أدلى به أحد أقاربها؛ ان من أنواع التعذيب الذي شاهدته صهبا كان التعذيب بالجهاز الكهربائي ما أدى الى حرائق جلدية في جسمها و يديها و رجليها.
ولكن معاناة الأسيرة صهبا لم تنتهي في هذا الحد حيث بعد شهور من خروجها من سجون الاحتلال الفارسي و في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر عام 2020 أصدرت المحكمة حكمها الإجرامي ضد صهباء بسبعة سنوات سجن و سحب الوثيقة الباهظة الثمن و رجوعها الى السجن حسب المصادر من داخل الاحواز المحتلة. و بهذا دخلت الأسيرة صهباء حمادي الى سجون الاحتلال العنصري الفارسي حتى ترسم بطولة أخرى في سجل نضال النساء الأحوازيات.
قد تكون صهبا تمكنت من الصمود أمام التعذيب الى الآن ولكن قصة الشهيدة مكية نيسي اختلفت في نهاية المشهد.
ان حياة الشهيدة مكية نيسي و ما حدث لها في سجن الاحتلال تعتبر جريمة كبرى ضد الإنسانية والتي تكشف حقائق إجرام النظام الفارسي ضد المعتقلات العربيات الأحوازيات.
الشهيدة مكية نيسي 35 عام، متزوجة، و أم لثلاثة اطفال: قصى 8 سنوات، فاطمة 7 سنوات، و حلا 5 سنوات.
اعتقلت مكية في 22 سبتمبر عام 2018 في الأحواز العاصمة برفقة شقيقها و أفراد من عائلة زوجها. تعرضت الشهيدة لأبشع أنواع التعذيب الجسدي و النفسي محاولة لنزع اعترافات قسرية تحت التعذيب ما أدى الى تدهور حالتها الصحية في سجن سبيدار سيئ الصيت في العاصمة الأحواز. طلبت مكية مراراً و تكراراً نقلها الى مركز صحي لتلقي العلاج ولكن اهمال مسؤولي السجن و رفضهم أدى الى فقدان حياتها في صباح يوم الثلاثاء 16ديسمبر عام 2020 في ظل صمت منظمات حقوق الإنسان الدولية.
احد المعاناة التي تواجهها المعتقلات الأحوازيات هو الإهمال المتسلط على حياتهن ولربما يرجع جذوره الى ما تعانيه المرأة الأحوازية بشكل عام قبل أن تكون سجينة ومعتقلة بيد النظام الإيراني الاجرامي. لربما يمكن دراسة التجاهل بحق المعتقلات الاحوازيات من عدة جهات:
انهن ضحايا جرائم النظام الفارسي العنصري في الدرجة الأولى، وكذلك ضحايا العادات والتقاليد البائدة المهيمنة على المجتمع. وبالإضافة الى كونهن ضحايا الإهمال و التجاهل من قبل المطالبين بحقوق الشعب الاحوازي. ولعل من الضروري الإشارة الى الإهمال الدولي الذي ترجع أسبابه الى مصالح الدول في تجاهل القضية الاحوازية ما يتسبب في تجاهل المعتقلات العربيات الأحوازيات أكثر من كل الضحايا الآخرين.
هنا لابد من ذكر موضوع هام للأخوة العرب من سائر البلدان الذين تم اغفالهم بشعارات النظام الإيراني الكاذبة التي يروج لها في إعلامه. الشعارات التي نسمعها من النظام الفارسي بدفاعه عن حق الشعوب المغتصبة مثل: سوريا و اليمن والعراق و… تتعارض تماماً و واقع النظام الحقيقي. وخير دليل هو ما يعانيه شعبنا العربي الأحوازي من ظلم واضطهاد وتمييز وحرمان. ليعلم المغفلين من سائر الشعوب ان السياسات الاجرامية لهذا النظام الإرهابي تختلف تماماً عن ادعاءاته المزيفة.
ومن جهة أخرى ما نشاهده من اهمال من قبل المعارضة الإيرانية في إعلامهم وأنشطتهم على التواصل الاجتماعي كذلك يصب في صالح النظام الإيراني، حيث ان هذا الاعلام يتجاهل ما يعانيه الشعب العربي الأحوازي بشكل عام من سياسات إيرانية لطمس هويته العربية والسياسات العنصرية المستمرة ضد شعبنا، و في هذا السياق يأتي تجاهل معاناة السجناء الأحوازيين من قبل اعلام المعارضة الإيرانية في اطار الكراهية للعرب من قبل الفرس. حيث نلاحظ ان هذا الاعلام يقوم ببث أمور تافهة وغير مهمة ويتحاشى نشر معاناة السجناء الأحوازيين.
على الرغم من كل الصعاب التي تواجهها المرأة الأحوازية المناضلة، فأنها ماضية في كفاحها ضد الاحتلال والتخلف لاثبات وجودها والحصول على المكانة التي تليق بها في معركة الوجود ولا يستطيع شیئ ثنيها عن الهدف الطريق الذي سلكته. فتبقى المرأة الأحوازية المناضلة مدرسة للنضال والكفاح ضد كل ما هو اجرام باسم الاحتلال الفارسي. وسترسم أسطورة في النضال تبقى ساطعة في سماء الوطن تتفاخر الأجيال بكفاحها وتضحياتها في المستقبل.