يا جماهير شعبنا العربي الأحوازي الأبي،
يا أبناء المجد والصبر والإباء،
يا من صمدتم في وجه أعتى أشكال القمع والاضطهاد،
في مثل هذه الأيام من شهر نيسان، قبل عشرين عاماً، خرجت جماهير الأحواز في انتفاضة عارمة، عمّت المدن والقرى، وامتدّ صداها من حي الثورة وكوت عبدالله والزّوية في الأحواز العاصمة إلى أزقة المحمرة والخفاجية والسوس ومعشور والفلاحية وغيرها من المدن الصامدة. خرجت الجماهير في 15 نيسان 2005 لتقول كلمتها الواضحة: “كفى ظلماً، كفى اضطهاداً، كفى محاولات طمس لهويتنا وسرقة أرضنا وتاريخنا”. كانت الشرارة خطاباً سرياً مسرّباً من مكتب نائب رئيس الجمهورية آنذاك، يكشف عن نوايا مبيتة لتغيير التركيبة السكانية للأحواز، عبر تهجير العرب واستقدام غير العرب، لكن الجذوة لم تكن وليدة لحظة، بل نتاج تراكمات من الظلم، وتاريخ طويل من الإقصاء.
لقد شكّلت انتفاضة الخامس عشر من نيسان منعطفاً تاريخياً بالغ الأهمية في مسيرة النضال الأحوازي، ومحطةً فارقة ساهمت في إعادة الاعتبار للقضية الأحوازية، وفرضها على أجندة الفعل الوطني والإقليمي والدولي. ففي تلك الانتفاضة، تجلى الوعي القومي الأحوازي في أبهى صوره، واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، من الشباب إلى الشيوخ، من الطلاب إلى العمال، من الرجال إلى النساء. وسقط فيها شهداء من مختلف الطبقات والمناطق، في ملحمة وطنية لم تكن عابرة، بل كانت تأسيساً لمرحلة جديدة من الكفاح.
وعلى ضوء التحليل العلمي لنظرية الحركات الاجتماعية، يمكن فهم انتفاضة 15 نيسان كنتاج لتحولات بنيوية عميقة في وعي الجماهير، حيث تزايد الإحساس بالحرمان والتهميش، وارتفعت الكلفة الأخلاقية للصمت، ووجد الناس أنفسهم أمام فرصة للتعبير عن مظلوميتهم، مدفوعين بشبكات اجتماعية محلية لعبت دوراً في نشر الوعي والتحشيد، ما وفّر بيئة خصبة لانفجار شعبي عفوي، لكنه واعٍ ومنظم في آن واحد.
ومن قلب هذا الحدث، انبثقت قوى جديدة، وتجدّد الفعل السياسي الأحوازي في الداخل والخارج، وكان لـ “التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز” دورٌ أساسي في صوغ هذا الوعي الجديد. فقد شكّلت انتفاضة 15 نيسان لحظة انطلاق فعلية لمرحلتنا التنظيمية والسياسية، حيث بات واضحاً أن شعبنا بحاجة إلى إطار وطني شامل، يؤمن بالكفاح السلمي والعصيان المدني، ويعمل على توحيد الطاقات في مشروع تحرري ديمقراطي جامع. فبدأ التيار الوطني العربي الديمقراطي بإعادة بناء أدواته، وتوسيع قاعدته الشعبية، والانفتاح على شرائح المجتمع المختلفة، بما في ذلك الطلبة والنقابات ومثقفي الداخل، واضعاً نصب عينيه هدفاً استراتيجياً واحداً: حق الشعب العربي الأحوازي في تقرير مصيره وفقاً للمواثيق الدولية.
لقد جاءت الانتفاضات اللاحقة، في أعوام 2011، و2017، و2018، و2019، ثم انتفاضة العطش في صيف 2021، لتؤكد أن الخامس عشر من نيسان لم يكن لحظة معزولة، بل كان بداية مرحلة نضالية جديدة تعتمد على الكفاح السلمي، والمقاومة المدنية، والإيمان بقدرة الجماهير على إحداث التغيير. وها نحن اليوم، نحيي الذكرى العشرين لانتفاضة نيسان، في وقت نعيش فيه أيضاً الذكرى المئوية الأولى لاحتلال الأحواز، وكأن الزمن ذاته يعيد طرح السؤال المصيري: متى ينكسر هذا الاحتلال؟ والجواب جاء ولا يزال يجيء من شعبنا: عندما يقرّر شعبنا أن يكسر قيوده، ويفرض إرادته، ويصنع مصيره.
نعم، إننا نعيش مرحلة حساسة، فالعالم يتغير من حولنا، والمتغيرات الإقليمية والدولية ترسم ملامح نظام عالمي جديد، لكن قضيتنا لا تزال تقبع في زاوية التجاهل، رغم عدالتها. ومع ذلك، فإن تراكم النضال الشعبي، وازدياد وعي أبناء شعبنا، وتنامي التواصل بين مكونات الشعوب غير الفارسية في ما يُعرف بجغرافيا إيران السياسية، كلها مؤشرات على أن فجر الحرية قد اقترب.
إن انتفاضة نيسان علمتنا دروساً كثيرة، لعل أهمها أن الاحتلال، مهما اشتدّ قمعه، لا يمكنه إسكات صوت الحق، وأن الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى في معركة التحرر، وأن بناء خطاب عقلاني، ديمقراطي، ومتماسك، هو مفتاح كسب الدعم الإقليمي والدولي. علمتنا أن العمل السياسي لا يُختزل في ردات الفعل، بل يُبنى على تراكم الرؤية، والتخطيط، والالتزام بالمصلحة الوطنية العليا.
إنّنا، في التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز، نجدد في هذه الذكرى العظيمة عهدنا مع شهداء انتفاضة نيسان، ومع كافة شهداء الثورة الأحوازية، على أن نبقى أوفياء للدماء الزكية التي سالت من أجل الكرامة، وأن نواصل النضال إلى أن تتحرر الأحواز من الاحتلال الفارسي البغيض. كما نوجّه رسالتنا إلى المجتمع الدولي، بأن تجاهل القضية الأحوازية ليس فقط ظلماً لشعبنا، بل هو تقاعس عن دعم قوى السلام والعدالة في منطقة تعاني من أزمات مركبة.
إن النظام الإيراني أثبت، على مدى أكثر من أربعة عقود، أنه أكبر مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، من خلال تدخله السافر في شؤون دول الجوار، ودعمه للمليشيات، وتسخيره لثروات الشعوب الواقعة تحت احتلاله لبناء ترسانته العسكرية وبرامجه النووية المهددة للسلم الإقليمي والدولي. وفي مقدمة هذه الثروات، ثروات الأحواز من نفط وغاز ومياه وأراضٍ زراعية، والتي تُنهب يومياً لتغذية آلة القمع داخلياً، ومشاريع التوسع خارجياً.
لقد بات من الواضح أن الشعوب غير الفارسية، وفي مقدمتها شعبنا العربي الأحوازي، هي القوى الحقيقية المؤهلة لتكون بديلاً لهذا النظام، إذا ما لقيت الدعم الدولي المناسب، وتُرك لها المجال لتقرير مصيرها، في إطار تحولات شاملة تُنهي قرناً من القهر والاحتلال. لذلك، نحذر من المضي في مفاوضات عقيمة مع هذا النظام الدموي، الذي لا يفي بعهود ولا يحترم المواثيق، ونؤكد أن أي تسوية لا تأخذ في الاعتبار حقوق الشعوب المحتلة، ستكون استمراراً للظلم، ولن تصنع سلاماً عادلاً أو استقراراً حقيقياً.
ختاماً، إننا نؤمن بأن ساعة الحرية آتية، وأن شعبنا قادر على مواصلة المسير، مهما طال الطريق. سنظل أوفياء لذكرى نيسان المجيد، مستلهمين من تلك الانتفاضة المجيدة روح التضحية والصمود، ومصمّمين على تحويلها من ذكرى إلى مشروع تحرر وطني لا رجعة عنه.