هل يعيد التاريخ نفسه وتتكرر تجربة المحمّرة بكل فصولها الدموية؟
نطرح هذا التساؤل بهدف ربط مرحلة دموية ماضية/قاسية لها وقعها المؤلم عند كل الأحوازيين ، من حيث المجزرة الدامية التي قامت بها السلطات الفارسية وأجهزتها العسكرية في أواسط العام 1979م التي راح ضحيتها المئات من الشبان الوطنيين حيث مازالت الذاكرة الشعبية الأحوازية تختزن ذكرى مؤلمة حزينة إثرْ تلك المواجهات التي طبقتها هذه السلطات التي تتخذ من الرؤية القومية الفارسية مرتكزاً اساسياً لها لبناء سلطتها وهيكلتها التنظيمية.
وهي ـ أي المنظومة الفكرية الفارسية ـ كانت ايضا الأساس الذي بنيت عليها مقومات الدولة التي سميت بالدولة القطرية الإيرانية كذباً وتضليلاً ، وذلك في العام 1925م.
وبين المرحلة الحالية الجديدة التي تنبيء بأجواء مشابهة لنفس تلك المرحلة الدامية التي شهدتها مدينة المحمّرة وغيرها من المدن العربية التي جوبهت بالآلة القامعة الفارسية ،فهذه المرحلة المعاشة اليوم فيها الكثير من الإيحاءات والاِرهاصات السلبية المتراكمة التي مرت وتمر بها قضيتنا العربية عبر مسيرتها النضالية المتعرجة ، خصوصاً وأننا بدأنا كأحوازيين نعيش ونتلمس المعطيات الدامية التي تحملها هذه المرحلة من خلال المعطيات الجديدة المترسخة على الأرض الأحوازية وصولاً الى إنتفاضة 15 نيسان وتداعياتها المتفاعلة لغاية اليوم،ونقول :”ما أشبه اليوم بالبارحة”.
ولو أردنا أن نتقرب أكثر من الصورة لنجعلها واقعية واضحة من حيث إبراز خطورتها فإننا نشير للنقاط المهمة التالية بين المرحلتين : أحداث المحمّرة ، وأحداث اليوم .
لذلك سنقسم هذا التحليل على صعيدين:
الأول :
الشخصيات الفارسية،أي اللاعبين الأساسيين في دفع الأمور الى مرحلة المواجهات.
الثاني :
المنظار القومي الفارسي الذي كان يحكم ـ وما يزال ـ رؤية صانع القرار السياسي في الدولة الإيرانية.
1) بعضاً من الشخصيات الفارسية التي كانت وماتزال لهم الأدوار الرئيسية في الأحداث المرتبطة بالأحواز:
مصطفى بور محمدي كان أحد القضاة والمسؤولين الأساسيين في محكمة الثورة (دادكاه انقلاب) ـ والذي أصدر بالتنسيق مع أحمد جنتي أحكاماً بالإعدام على الكثير من المناضلين الأحوازيين الذين سقطوا شهداء على أيدي هؤلاء الطغمة المجرمة.
وأما اليوم فإن بور محمدي يشغل منصب وزير الداخلية في حكومة أحمدي نجاد المعروفة بتزمتها الديني… (راقبوا الدور المخاتل لهذه الشخصية : ماضياً وحاضراً).
أحمد جنتي كان مسؤول المحاكم الثورية في عموم الإقليم في تلك الفترة ، وهو اليوم يتقلد رئاسة مجلس صيانة الدستور الإيراني،وهو من أهم الشخصيات التي تؤدي دوراً بارزاً في صنع القرار الفارسي في الدولة الإيرانية بالرغم من الإدعاءات الواضحة في خطابه الديني المتزمت،وهو يعتبر الأب الروحي للتيار اليميني الحاكم في ايران،وبالتالي فأن المؤسسة الشاملة التي تتكون منها هيكيلية النظام والسلطة تمر عبر أوامر هذه الشخصية الرئيسية ذات التوجهات اليمينية والعنصرية،التي لطالما إنتصرت الإرادة القومية الفارسية على التوجهات الدينية الشكلية عنده في كل ممارساته السياسية .
2) المنظار القومي الفارسي المتلازم مع الرؤية الأمنية :
كان ولا يزال المنظار الذي ينطلق منه صانع القرار في ايران منطلقاً أمنياً ـ عنصرياً بحتاً في تعامله مع قضية الشعوب أو القوميات في ايران،وهذا يشمل كل الأطياف المتحالفة والمشاركة بالسلطة في هذا النظام ، إبتداءً من اليمين وليس إنتهاءً بـ((اليسار الفارسي)) .
ومن خلال هذا المنظار تـُرسمْ السياسات الإيرانية للتعامل مع المطالبات المتراكمة للشعوب الساكنة في ايران بشكل عام ، ومع الشعب العربي الأحوازي ، بصورة خاصة .
ومن أجل أن نفصل في هذا القول نذكر التالي ، لو أخذنا بدايات مرحلة أحداث المحمّرة على سبيل المثال بعين الإعتبار لوجدنا بأن التعامل مع مطالب الشعب العربي في تلك الآونة التي كانت قد وصلت الى الحد الأقصى من حيث الإضطهاد القومي العنصري الممارس عليهم لعقود طويلة ،من جهة، ومن حيث الإيمان بضرورة الحصول على كامل الحقوق القومية،من جهة أخرى،سنجدها قد تبلورت بضرورة الإلتفاف حول شعار(الحكم الذاتي) والتي أدّت هذه المطالب القائمة على أساس ذلك الشعار للأسف الشديد فيما بعد وفي سياقات معينة، الى المواجهة العسكرية التي كان يعد لها صانع القرار في دهاليز السلطة الفارسية بطهران، لأن المنظومة الأمنية كانت واضحة لديه وهو يملك المشروع الذي يدير بها الأحداث ويدير الصراع بكل مفاصله ، وهو المقياس الذي تنطلق على ضوئها هذه السلطات ، ولكن بالمقابل كان الشعب العربي ينظر للسلطة بمنظار مختلف عما يكمن في أذهان الرؤية الفارسية التي ترتكز على أساس أنها ستتعامل معه ـ أي السلطة المركزية ـ على أنه ـ أي الشعب العربي الأهوازي ـ أحد المكونات الأساسية للدولة.. وبالتالي توسّعَ هذا التناقض في الرؤيتين وحصلت المجرزة، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإن إستراتيجية هذه السلطات هي ربط المطالبات القومية التي تتوجس منها ـ دائماً وأبداً ـ بالجهات الأجنبية في سبيل إفراغها من محتوى مطالبها العادلة بغية الاِنقضاض على الأطراف الفاعلة والنشطة من الوطنيين الأهوازيين وتصفيتهم، وبالتالي إرجاع قضية المطالب القومية لهذه القوميات الى المربع الأول، وهكذا دواليك.
وتأتي تصريحات القاضي سعيد مرتضوي الراهنة بُعيدَ التفجيرات الأولى التي حصلت في مدينة الأهواز في يوم السبت الموافق 12/6/2005 في إطار تلك الرؤية الفارسية وذلك بإطلاق صفة (المحاربة) على منفذي تلك التفجيرات ، وما تعنيه هذه الصفة في النظام الجزائي الإيراني من مفاهيم ((قانونية)) تصل العقوبة فيها حد الإعدام .
كما جاءت تصريحات شريعتي ـ المساعد السياسي لمحافظ إقليم الأحوازـ في يوم الإثنين الموافق 24/10/2005 في إطار توجيهات أمنية حول هذه الأحداث الناشبة في عموم الإقليم ، في نفس السياق الذي تفوّه به القاضي مرتضوي ، وهذا يدل على أن هنالك إجماع عند صناع القرار في المطبخ الإيراني من أجل دفع كفة الأمور نحو الصدام والمواجهات سيما وخلق أجواء بوليسية تسهل عملية الإنقضاض على النشطاء السياسيين وبالتالي تهيئة الأجواء والرأي العام لأخذ ((الشرعية القانونية)) للقيام بالتصفيات الجسدية للمناضلين الأحوازيين ، رغم اِتهامها للبريطانيين بالتسبب في تلك التفجيرات .
ونظرة سريعة بين هاتين المرحلتين ووجوه التشابه في الممارسات والتطبيقات والإستنتاجات سنجد أنَّ تصريحات المسؤولين في العاصمة طهران في تلك الآونة وتصريحات المسؤولين في الإقليم اليوم تتشابه تشابهاً كبيراً من حيث المضمون والإستراتيجية في التطبيق ، كونهما يعبران عن ذات التوجه العنصري في السابق أو الحاضر.
وعلى نفس الصعيد فإننا نلحظ أن تعاملها الإعلامي وبالتالي السياسي جاء في سياق واحد متكامل مبني على أن النشطاء الأحوازيين ومثيري الشغب (وهو مصطلح تستخدمه السلطة تجاه المناضلين الأحوازيين) لهم ـ أي الأحوازيون ـ إرتباطات مباشرة وإمتدادات بالبعث العراقي ، وكانت هذه الحجج ومازالت هي التي على ضوئها يتصرفون من أجل الإنقضاض على هذه المطالب القومية الحقة.
ونجد ـ كذلك ـ بأن نفس هذه الحجج/التهم تطبق اليوم في الإقليم ، حيث أنها اِستبدلت الاِتهام القديم بالاِتهام الجديد ، بحق الشعب العربي الأحوازي وبوصم نضالاته وإنتفاضاته على أنها مرتبطة بالجهات الأجنبية (البعثية)، لنجدها قد تغيرت منها الى (البريطانية) اليوم.
وهذا ما نلاحظه من خلال صراخاتهم وتصريحاتهم واِدعاءاتهم المتداولة والمتفق عليها سلفاً وأبداً.
الإستنتاج:
ومن أجل الوصول الى إستنتاج موضوعي وواقعي من خلال هذا التحليل نجد بأنه من المهم أن نذكر هنا وليس الحصر: الرسالة/الصرخة التي أطلقها أهالي السجناء السياسيين بالأمس في (رسالة موجهة من أهالي المعتقلين السياسيين الأحوازيين الى السيد كوفي عنان ، تم نشرها على موقعنا يوم أمس) ما هي إلا نتيجة لتراكمات عينية قد تجذرت في الذاكرة السياسية الوطنية الأحوازية بناءً على وقائع قد تكررت في مراتٍ عديدة وأن أحداث مجزرة المحمّرة التي سميت بمجزرة يوم ((الأربعاء السوداء)) والإعدامات العشوائية المتواصلة مع هذا الشعب وصولاً بالإنتفاضة النيسانية الخالدة التي إنطلقت في يوم الجمعة الموافق 15/نيسان ابريل الماضي . . . كل هذه التراكمات النضالية وتداعياتها ما تزال ماثلة أمام عيون هذه الأسر المناضلة، وأن هذه الأسر مازالت تتذكر جيداً ما حدث مع أبنائها المناضلين الأوائلْ في المحمّرة وغيرها من المدن العربية الثائرة حينما تمكنت الأجهزة الأمنية الفارسية من إلقاء القبض على هؤلاء المناضلين الوطنيين وبالتالي عرضتهم على شاشات التلفاز للإحياء بمسؤوليتهم عن تلك الأحداث والتفجيرات لاسيما وأخذ الاِعترافات غير الحقيقية من هؤلاء تحت سياط التعذيب الجسدي العنيف والضرب المبرح ومختلف صنوف التعذيب ـ الجسدي والنفسي ـ الأخرى ، وهي كانت وما تزال تتفنن به هذه السلطات الفارسية التي ورثت هذا السلوك الإجرامي من جهاز الساواك لتطبقه بأكثر بشاعة وقساوة ضد المناضلين المعتقلين الأحوازيين، هذا ما جعل هذه الأسر المكافحة تتنبأ ببوادر تكرار ذلك السيناريو الإجرامي مرة ثانية على أبنائهم ، وعليه فإنهم أرسلوا صرخاتهم الصادقة المستعجلة الى الجهات الدولية وعلى رأسها السيد كوفي عنان للحيلولة دون تكرار تلك المجزرة المتوقعة من خلال اِستدلال مبنى على قراءة وقائع أحداث الماضي بشكل علمي .
ولذلك ـ كذلك ـ فإنني أجد بأنه من الضروري حشد الطاقات الوطنية عند المجموع الوطني الأحوازي وكافة الفعاليات السياسية والأطر التنظيمية وكل الوطنيين المنتمين الى المؤسسات النقابية والإتحادات المهنية في الوطن العزيز وفي المنفى،على أن تتظافر الجهود الأحوازية بغية ايصال أصوات وصرخات هؤلاء الأهالي الى الجهات الدولية والمعنية بحقوق الإنسان بهدف فضح وكشف خطط النظام الإجرامية تجاه شعبنا ،من جهة، ومن أجل ردع هذا الغول الفارسي المتغطرس وصده عن تماديه بحقده العنصري، وذلك يحتاج بالتأكيد الى تظافر جهود كل الوطنيين الأحوازيين وبدون اِستثناء، بعيداً عن النظرة الحزبية والفئوية والجهوية والشخصية الضيقة.