حراك سياسي جٌمد بمجزرة
يوسف عزيزي: كاد ان يحصل عصيان في قوات البحرية خلال احداث المحمرة
(مهدي هاشمي يحاور عزيزي حول وفد الشعب العربي، احداث المحمرة، مواقف القوى السياسية الايرانية ومؤتمر مهاباد المقترح عام 1979)
موقع بادماز: في الذكرى السنوية للمجزرة المحمرة اجرى الناشط السياسي مهدي هاشمي حوارا مع الكاتب والمناضل العربستاني يوسف عزيزي حوارا مفصلا حول الحراك السياسي للشعب العربي في الاحواز(عربستان) خلال الاشهر الاولى بعد قيام الثورة الايرانية عام 1979. سينشر هذا الحوار في قسمين.
القسم الاول:
مظاهرات عربية في المحمرة
هل يمكن ان تشرح لنا حضورك ودورك عشية قيام ثورة فبراير 1979 وبداية الحرك السياسي والثقافي العربي بعد الثورة؟ هل كنت عضو في تنظيم خاص؟
– ماجذبني الى المحمرة هو ماسمعناه نحن في الاهواز حول المظاهرات التي تمت باللغة العربية ضد الشاه في المحمرة، حيث كانت الشعارات التي تتردد في المظاهرات عادة باللغة الفارسية. هذا الامر كان جديد بالنسبة لنا. ذهبت مع رفاقي الى المحمرة واطلعنا على المظاهرات العربية وعلى دور الشيخ محمد طاهر الشبير الخاقاني. اول مرة سمعت اسم الشيخ حوالي ثلاثة او اربعة اشهر قبل قيام الثورة. انا كنت كثير التردد الى المحمرة وعبادان، وقد القيت محاضرة باللغة الفارسية في كلية النفط بعبادان كان عناونها “درباره خلق عرب خوزستان” (حول الشعب العربي في اقليم عربستان) وهي اول محاضرة باللغة الفارسية حول شعبنا في ايران. انتشرت هذه المحاضرة في عشرة الاف نسخة في فبراير 1979 في طهران وبشكل واسع في الاقليم وكل مناطق ايران. في هذه المحاضرة حضر الكثير من العرب بحيث لاول مرة ارى نساء عربيات بزي عربي(العباية) يشاركن في مثل هكذا اجتماع. ولاول مرة نرى الحضور العربي في زمن الشاه حول قضية العرب وهذه ظاهرة غيرمعهودة في زمن الشاه بسبب المقع الشديد الموجه للعرب في عربستان.
انا لم اكن عضوا في تنظيم خاص، وكنت اعمل مع عدة اشخاص كان لديهم توجه قومي تقدمي. وقد شكلنا مجموعة “الكفاح” فيما بعد. نحن نشرنا اول صحيفة عربية – فارسية باسم “الكفاح” في صيف 1979 (58 ش) بشكل شبه سري. كان نشر الصحف العربية في الاقليم ممنوع آنئذ. اي ان القيادة الدينية الجديدة لم تسمح بنشر صحف عربية في اقليم عربستان. هذه الصحيفة كانت تحمل شعار “الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لعربستان”. صدر منها حوالي عشرة اعداد وانتشرت بشكل واسع بين الناس. كما كنا نصدر عبرها بعض البيانات. ومن هنا ارجو من الذين يحتفظون بنسخ منها – في الداخل والخارج – ان يتصلوا بي لنشرها كاول صحيفة في الداخل ابان الثورة. اليسار الايراني الذي كان قويا أنذاك بادر بنشر صحيفة “النضال” من اجل منافسة “الكفاح”. “النضال” ايضا كانت صحيفة عربية فارسية وتصدر في مدينة المحمرة، فيما كانت “الكفاح” تصدر من الاهواز. نحن نعرف ان منظمة فدائي الشعب كانت وراء صحيفة “النضال”. اثنان من مؤيدي منظمة فدائي الشعب وهما حسين علوي وعمه على علوي كانا الركنين الاساسيين لإصدار صحيفة “النضال”. فقد توفي الناشطان حسين وعلي علوي قبل سنوات وقد كانا من مؤيدي منظمة فدائي الشعب قبل قيام ثورة فبراير 79، وقد ذكرت في دراسة لي ان أي عربي لم يكن عضوا في هذه المنظمة الايرانية قبل الثورة. لكن بعد الثورة تمكنت هي ومنظمات يسارية اخرى من استقطاب بعض شباب العرب في اقليم عربستان، تم سجن واعدام العديد منهم مثل مهدي افشار(صالح اهل اليرف) وجميلة خاصري. كان معظم الشباب العرب قبل الثورة ينتمي الى جبهة تحرير عربستان ومن ثم الجبهة الشعبية التي كانت في الخارج. وباعتقادي ان صحيفة “الكفاح” كانت صوت مستقل للشعب العربي، لكن “النضال” كانت تابعة لمنظمة فدائيي الشعب وتعاني من قيود التنظيم الذي تتبعه. ونرى هذا التمايز بوضوح في نصوص وكتابات الصحيفتين. وقد صدرت “الكفاح” بعد رجوع الوفد العربي من طهران الى مدينة الاهواز اي في اواخر مايو 1979 واستمرت حتى اغسطس/آب 1980.
وقد سافر وفد الشعب العربي الى طهران في اواخر ابريل 1979 وانا اتذكر مشاركة البعض منا في احتفال عيد العمال في اول مايو سنة 1979 في طهران. المبادرة كانت من الشيخ محمد طاهر الشبير الخاقاني. هذه الرجل كان الزعيم الروحي للشعب العربي ابان الثورة وبعدها. كان له دورا اساسيا في المحمرة بل في الاقليم ولم يماثله في هذا الدور اي من رجال الدين العرب الاخرين. حتى الشيخ محمد الكرمي ايضا لم يكن له الدور النضالي الذي كان للشيخ الخاقاني. محمد الكرمي – خلافا للشيخ الخاقاني – لم يكن معارضا لنظام الشاه و كانت له قصائد في مدح الشاه، تم نشرها في اوائل الثورة. شقيق الشيخ محمد الكرمي، عبدالهادي الكرمي كان معارضا للشاه لكن بعد الثورة اصبح ضد طموحات الشعب العربي. وكان للشيخ محمد الكرمي مقلدين بين العرب.
اواخر فبراير1979، اتصلوا بي بعض الاصدقاء واخبروني بان الشيخ محمد طاهر الشبير الخاقاني ينوي ارسال وفد الى طهران. ذهبنا الى بيت الشيخ الذي يقع جنب مسجد امام الصادق في المحمرة. كنا نذهب – انا وبعض الاصدقاء – اسبوعيا وبشكل مستمر من الاهواز الى المحمرة وكانت لنا اجتماعات في بيته. هو قلما كان يحضر، لكن الشيخ محمد كاظم وعمه المرحوم المحامي مهدي الشبيري كانا يحضران معظم اجتماعاتنا. بعد كل النقاشات، تكون الوفد من ثلاثين شخصا وكذلك ثلاثة اشخاص من قبل الشيخ لادارة امور السفر. هذا الوفد كان يضم اشخاص من شرائح مختلفة من المجتمع العربي كالمثقفين والنشطاء ورجال الاعمال و شيوخ القبائل وفئات اخرى. الوفد لم يكن يمثل تنظيمات بل كان يمثل الشرائح المختلفة لمجتمعنا العربي.
ماهي التوجهات المختلفة في مناقشة الرسالة والمطالب التي قدمت للحكومة المؤقتة الايرانية؟
– نحن نقاشنا الاراء كلها، في المحمرة أنذاك اي قبل الذهاب الى طهران. في هذه النقاشات شاركت المنظمة السياسية و العديد من العائدين من سوريا وكان يمثلهم في الاجتماعات الاخوة سعيد عباسي وجابر احمد واخرون، وهم كانوا يعتقدون بالفدرالية ومتوصلين الى هذه النتيجة، وقد تجاوزوا في المهجر، موقف الاستقلال الذي كانت قد طرحته جبهة تحرير عربستان وتبنوا الحل الفدرالي للقضية. المنظمة السياسية ايضا بسبب قربها من الشيخ الخاقاني كانت مع الحكم الذاتي انذاك. انا لم اتذكر حضور للحركة الجماهيرية في النقاشات التي دارت في بيت الشيخ محمد طاهر، ولم تكن معروفة أنذاك، وقد تعرفت على ادبياتها عبر بياناتها. ويبدو انها اخذت تنشط فيما بعد في الاهواز وسمعت عن وجود مكتب شبه سري لها هناك. لم يطالب احد في اجتماعات بيت الشيخ بالاستقلال، حتى المنظمة السياسية. وكان نشاط المركز الثقافي للشعب العربي، ثقافي والناشطين به كانوا يصرون على العمل الثقافي بسبب الجفاف الفكري والسياسي والمنع البات والقمع الدموي الذي كان يمارسه الشاه ضد العرب في عربستان. طبعا في تلك الفترة التاريخية، كل شي كان مسيس. والنشاط كان يدور حول الثقافة والموسيقى ونقاشات وحوارات سياسية وثقافية في المركز الثقافي في المحمرة وسائر المدن مثل الاهواز والفلاحية وعبادان والخفاجية. فلم يشارك المركز بشخصيته التنظيمية في الوفد. وكان للمركز الثقافي في المحمرة علاقات مع التنظيمات اليسارية الايرانية، بحيث عندما تمت مهاجمة المركز الثقافي من قبل المركز الثقافي – العسكري (كانون فرهنگي – نظامي خرمشهر) والقوات التابعة للاميرال مدني، معظم اليسار الايراني دافع عن العرب ووقف الى جانبهم، منهم منظمة فدائي الشعب ومنظمات راديكالية يسارية اخرى. لكن الجبهة الوطنية (جبهه ملي) التي ينتمي لها الجزار مدني و حزب تودة وشخصيات مثل اية الله طالقاني دعموا مدني مع الاسف. لكن كانت أنذاك جبهة اخرى في طهران وهي الجبهة الديمقراطية الوطنية (جبهه دموكراتيك ملي) وكان امين عامها هدايت الله متين دفتري وفيها عضو محوري هو شكرالله باك نجاد (الذي اعدم في العام 1983). اذ انتقدت هذه الجبهة، ماقام به الجنرال مدني والسلطة ضد العرب في المحمرة.
الخميني وعد الشيخ الخاقاني باعطاء حقوق عرب الاحواز لكنه لم يفي بعهده