تأسست هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية في عام 1966؛ وهي منظمة حكومية تضم حالياً أكثر من 25 ألف موظف، وبعد مرور السنين والإطاحة بالنظام الملكي في إيران سنة 1979 توسعت دائرة العمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون وازدادت ميزانية هذه المؤسسة آخذة على عاتقها هذه المرة مهمة جديدة تحمل عنوان ”تصدير الثورة”.
يتم تعيين رؤساء هذه المؤسسة الكبيرة من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، إذ ترأسها شخصيات ذات نفوذ وتوجه شوفيني فارسي وطائفي في آن واحد، والفرق الوحيد بين هؤلاء ومن سبقهم في عهد الشاه أنهم ملتحون. من أبرز الشخصيات التي ترأست الهيئة بعد الثورة؛ صادق قطب زاده الذي اختلف مع قيادات الثورة وكان مصيره الإعدام، ومحمد موسوي خوئيني وهو أحد أبرز القياديين الإصلاحيين، ومحمد هاشمي رفسنجاني الأخ الأصغر للرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وعلي لاريجاني العضو المؤسس في الحرس الثوري والرئيس الحالي لمجلس الشورى الإسلامي، وأخيراً عزة الله ضرغامي مساعد وزير الدفاع سابقاً. تشير العديد من الدراسات إلى أن القنوات المرئية تتصدر وسائل الاتصال الجماهيري، فهي الأبرز والأكثر تأثيراً و إقناعاً، لتمتعها بجودة الصوت والصورة. فهذه الفضائيات تلعب دوراً رئيسياً في صياغة وإعادة تشكيل الآراء والمفاهيم في ذهن المشاهد العربي، فالإعلام في العالم العربي إن لم يكن قد تجاوز بعد دور الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية والدينية، فهو في حالة تنافسية معها، وهنا تكمن خطورة دور المنظومة الإعلامية الإيرانية الموجهة نحو العالم العربي. لقد تبنت المؤسسة الإعلامية الإيرانية بعد قيام الجمهورية الإسلامية مهمة ”تصدير الثورة” التي نجحت فيها إلى حد ما، مستخدمة الخطاب العاطفي والحماسي والشعارات الرنانة، وتعددت الفضائيات ذات الطابع الفارسي والنكهة العربية كـقنوات ”العالم” و”الكوثر” و”الفرات” و”خبر” و”كربلاء” وأخيرا قناة ”النور” التي سيبدأ بثها باللغتين الإسبانية والعربية في الأرجنتين وهي موجهة للجالية العربية الكبيرة في أمريكا اللاتينية. أضف لهذا العدد قناة ”إي فيلم” للدراما الإيرانية التي تبث من لبنان أفلاماً ومسلسلات إيرانية مدبلجة إلى العربية وقنوات متناغمة مع النهج والمواقف الإيرانية كـ ”المنار” التابعة لحزب الله و”أن بي أن” التابعة لحركة أمل وقنوات أخرى تروج لمشروع الإسلام السياسي الذي يلتقي مع نهج الجمهورية الإسلامية، إضافة لقنوات تبشيرية أخرى كـ ”الزهراء” و”المهدي” و”الغدير” و”الثقلين” و”الأنوار” وقناة ”النور” الأرضية بمحافظة النجف العراقية. أما الإذاعات فنستطيع أن نحصي منها راديو ”قرآن” و”راديو طهران” و”راديو الجمهورية الإسلامية” و”راديو التجارة” و”إذاعة النور” في لبنان و”راديو فلسطين”. وفي الصحافة المطبوعة يمكن ذكر جريدة ”الوفاق”؛ حيث تنشر في طهران وتوزع في بعض العواصم العربية، وستنشر في بيروت وبغداد والدوحة ومسقط ودبي والمنامة وعواصم عربية أخرى خلال الأشهر المقبلة حسب ما ورد على لسان رئيس تحريرها في مقابلة صحافية مع صحيفة العرب القطرية، إلا أن انتشار الصحيفة في المنامة سيواجه مشاكل بعد أحداث البحرين واتهام المملكة إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية. تليها صحيفة ”كيهان العربي” وعدد آخر من المجلات التي توزع على الطلاب الوافدين من بلدان عربية مختلفة في المدارس الدينية في قم ومدن إيرانية أخرى، وصحيفة ”خبر” الرياضية التي توزع في عدد من دول الخليج العربي ونشرة ”العهد” في لبنان. فيما يخص نشاط الإيرانيين على فضاء شبكة الإنترنت فهو لا يحصى، وأشير هنا إلى بعض مواقع الوكالات الإخبارية والصحف الإلكترونية الأكثر استخداماً التي تنشر موادها الإخبارية باللغة العربية والفارسية ولغات أخرى؛ كمواقع ”أرنا”، ”إيسنا”، ”فارس”، ”مهر”،”تابناك”، ”خبر أون لاين”، ”عصر إيران”، ”تبيان”، ”إيلنا” وموقع ”العالم” الإخباري التابع لقناة العالم وموقع ”خليج فارس” الذي ينطلق من لندن بإدارة السيد علي رضا نوري زاده وبدعم من جهات إيرانية مختلفة في توجهاتها السياسية، ويذكر أن السيد نوري زاده -الصورة الحاضرة دائماً على الفضائيات العربية- تلقى ومازال دعماً كبيراً من قبل بعض المؤسسات في دول الخليج العربي. أضف لهذا أعداداً كبيرة من المواقع التبشيرية المنطلقة من المدارس المذهبية في أرجاء إيران. وتعتمد القراءة الصحيحة للمادة الإعلامية الإيرانية تجاه العالم العربي على اعتبارين؛ الأول ثوابت الاستراتيجية الإيرانية في العالم العربي، والثاني المتغيرات السياسية التي تحكم طهران في واقعها المحلي والإقليمي والدولي. لهذا يصعب الخروج بنتيجة واضحة حول طبيعة الدور الإعلامي الإيراني في المنطقة دون الأخذ في الاعتبار الثوابت الاستراتيجية والمتغيرات المرحلية لسياسة الجمهورية الإسلامية، وهذا حديث آخر لا يتسع ذكره الآن. في المقابل؛ ما هو موجود في الساحة الإعلامية العربية كإعلام موجه لإيران لا يستحق الذكر؛ باستثناء نشرة فارسية في موقع قناة العربية على الإنترنت لا تتعدى صفحة واحدة، ولا أعتقد بوسع هذا الصفحة التعريف بالمصالح العربية أو أن تكون همزة وصل لتلطيف الأجواء السياسية أو منبر إعلامي للرد على التيار المتشدد والخطاب القومي والطائفي في دوائر صنع القرار الإيراني. أرى أن الإعلام الإيراني حالياً يتشابه تماماً والإعلام النازي في عهد الرايخ الثالث في ألمانيا، كان آنذاك الدكتور جوزيف غوبلز صاحب المقولة الشهيرة ”اكذب ثم اكذب حتى تصبح الكذبة حقيقة” وزيراً للدعاية السياسية في حكومة هتلر، وعبر توظيف (البروباغاندا) الإعلامية عمل على تسخير عقول الناس. الهدف الرئيس من تسخير العقل الجماعي بألمانيا في عهد هتلر هو التأثير على الثقافة الجماهيرية وصنع الرأي العام المؤيد لخطاب الحزب الحاكم وبالتالي تجييش العواطف والتعبئة الجماهيرية متبنية النازية فكراً وتطبيقاً، أما على الصعيد الخارجي فقد عمل الألمان على تحقير الشعوب الأخرى وتعالي العرق…. وإلـخ. في نموذج الإعلام الإيراني، كمثيله النازي وأنظمة شمولية أخرى، استخدمت إيران الأدوات الإعلامية الحديثة بسيكولوجية ذكية مدروسة، فعلى صعيد الإعلام الداخلي استخدمت طهران خطابا قوميًا شوفينيًا يؤكد على العرق والعنصر الفارسي والمذهب الشيعي، أما على الصعيد الخارجي فخطابها يتمثل في دعم الفكر الطائفي ودغدغة مشاعر الجماهير العربية مستخدمين بعض العناصر ممن تنطلي عليهم الدعاية السياسية والإعلامية الفارسية، كإسلامية إيران ودعمها للقضية الفلسطينية ومعاداتها لأمريكا وإسرائيل! فهؤلاء الموالون منحوا النظام الإيراني فرصة كبيرة، لتمرير أجندته في العالم العربي والإسلامي، أضف إلى ذلك أولئك المندفعين وراء مصالحهم ومآربهم الخاصة والفئوية والطائفية. أتذكر حين كنت طفلاً في عهد الشاه في إيران كنت استمع لـ ”إذاعة النفط الوطنية ” التي كانت تبث أغاني عربية من مدينة عبادان، وتحديداً في وقت الإفطار في شهر رمضان بصوت المطرب العراقي شهيد كريم، وهو يردد متغنياً بملك الفرس ”شاهنشاه يا محبوب للأمجاد تضوي دروب”، حينها كنت لا أشعر بما يشعر به الآخرون من أبناء جلدتي في الوطن العربي، لا أفقه شيئًا في الجغرافيا السياسية وصراعاتها القديمة المتجددة بتنوع أدواتها في الحرب ومن ضمنها الحرب الإعلامية. لقد غنى شهيد كريم بالأمس أغنيته المعروفة بتمجيد ملك الفرس ”شاهنشاه يا محبوب” على مستوى إذاعة محلية كانت تبث في إقليم الأحواز في عهد الشاه، لكن اليوم يغني المطربون الجدد مستخدمين أدوات إعلامية حديثة ومحاطين بعدد كبير من الطبالين ممن لا يقيمون وزنًا لأي مبدأ كان إنساني أو ديني أو وطني أو قومي ويغنون جميعًا ”خامنئي يا محبوب للتفريس تضوي دروب”.