شاب لم يبلغ الثلاثين من عمره بعد، يقول ” أنني أعمل كعامل بسيط في شركة غذائية”، ويضحك، ويضحك معه مقدم برنامج منصة وطن ” مصطفى الهليچي” ، لا شك أنهما كانا يعلمان أن السجن سيجمعها في مستقبل ليس ببعيد، فهنا في الأحواز كل شاعر، وكاتب، ملتزم بإصلاح مجتمعه، وبيان ما يمر به من تمييز، وظلم، وتنكيل، لن يكون مصيره سوى التهديد، والتعذيب، والإقصاء. فيبدأ جهاز الأمن الإيراني بأصناف التهديدات، والإنذارات، ومن ثم یستمر بالزج بالسجن، ومن بعد ذلك يصل الدور الى الاغتيالات.
فالماضي القريب خير شاهد على ما يعانيه الشاعر، وصاحب القلم، في الأحواز، ويونس الذي يقبع الآن في السجن ليقضي سنوات محكوميته الخمس، هو شاهد للعيان، يحكي لسان حاله تهمة الزور التي وجهت اليه ظلما، ويتحدث عن السنوات التي سيقضيها في السجن بتهمة محاولة زعزعة الأمن الوطني، ويتساءل منذ متى أصبحت معالجة الآفات المجتمعية، والدعوة الى المساوات، والحياة المسالمة جريمة تستجوب كرات عديدة من الإعتقال، و مضي سنوات طويلة في غياهب السجون؟
يرى يونس نفسه مدينا للشعر، ويقول ” إنه خدمني، وارتقى في حتى جعلني محط أنظار شعبي وناسي، فعلي أن أرد هذا الجميل، وذلك بالأخذ منه وسيلة لإصلاح ما ينبغي إصلاحه في مجتمعي، وجعله سلاحا أذود به عن أمتي، فالشعر وسيلتي الذهبية، وليست غايتي”.
خاض يونس كل أصناف الشعر، من غزل، وحماس، ووجدانيات، إلا أن محور شعره والذي جعله لامعا في سماء الشعر الأحوازي هو الجانب الاجتماعي. حيث أن أشهر قصيدته، والذي ما كاد يقال أي أحوازي يخلو منها، هي قصة طفل فقير يفقد أباه بسبب عجز العائلة المالي عن عاجله، فيخاطب الطفل الفقير شعبه و يلقي باللوم عليه، إذ لو كان التكاتف الاجتماعي بالقدر المطلوب لما أصبح يتيما بسبب الفقر، كما لم يفت يونس أن يكتب عن آفة الإدمان، والمناحرات المجتمعية، و عن كل ما يمت لشعبه بصله.
بدأ يونس الشعر منذ صغره، حيث أنه لم يبلغ الحادیة عشرة من عمره حتى كتب أول قصيدته تحت عنوان ” القبيلة”، و كأنه أراد أن يسمو بشعبه من ضيق القبيلة، وشر تشرذمها، إلى رحابة سماء الإنسانية، والألفة والمحبة، وقبل أن يبلغ العشرين تم اعتقاله لأول مرة (2013) ومنذ ذلك الحين ويونس يتنقل بين الزنازين الإنفرادية لجهاز الإستخبارات الإيرانية، وبين منصات الشعر التي تجدها منصوبة في كل حفل زواج، او مأتم، أو عيد، فالشعر أجمل الفنون عند العرب، وأقربها إلى قلوبهم.
مسيرة يونس التي بدأت مبكرا، مرت بمحطات كثيرة، حتى نضج و تألق، فاصبح لسان قومه، “فكل من ملا فاضل السكراني، ومحبس الهليچي، وعبود الحي سلطان، و أبو امجد الحيدري، كانوا بمثابة أساتذة تغذى منهم الجيل الجديد من شعراء الأحواز” هذا ما رآه يونس، والذي لم يستثني نفسه من التعلم عند هؤلاء الكبار، ويقول إنني ” تعلمت منهم كتابة الشعر، وكيفية جعل الشعر أداة لخدمة الفضيلة، والمبادئ الإنسانية”.
ذهب يونس الصرخي للسجن، لكن قبل ذلك، وفي آخر تصوير له تنبا بمستقبل زاهر للشعر في الأحواز، ورأى أن الأحواز مليئة بكنوز أدبية كبيرة، غير أنها تحتاج إلى إعلام يدعمها، و يبرز بدائعها.
ما نظمه يونس الصرخي من شعر حفر في ذاكرة الكثير في الشباب، إذ أنه يتلى على منصات الشعرتارة، وتارة تصدح به حناجر الفنانين.