الأحواز، بلد عربي وشعب عربي احتلّت أرضه واضطهد شعبه، من قبل دولة فارس المجاورة للعرب. ولازالت هذه الدولة الصفوية توسّع من عدوانها على بقية الدول العربية، ضمن شعار يبدو في ظاهره نصرة للقضية العربية وفي باطنه مخططا لبث الفتنة والفرقة بين أبناء المجتمعات العربية المجاورة لها.
تمارس السلطات الإيرانية تعتيما كبيرا على ما يجري داخل الأراضي الإرانية الممتدة على مساحة 1648 ألف كم². وقد جعلتها هذه السياسة من بين أكثر دول العالم تجاهلا للأقليات وقمعا لحريات الفئات غير الفارسية، حيث تسلّط عليهم يد الحرس الثوري الطولى أينما وجدوا من شمال البلاد، حيث الحدود الإيرانية مع تركمانستان وأذربيجان، إلى الغرب المضطرب مع العراق وتركيا، فالشرق حيث تطل على أفغانستان وباكستان.
هذا الموقع الجغرافي جعل إيران محاطة بمنطقة تكثر فيها الأقليات العرقية والهويات المتداخلة، وإيران، وكبعض جيرانها على غرار العراق وتركيا، تضم العديد من الأقليات التي تمارس ضدّهم ضغوطات كثيرة ويواجهون مخطّطات تستهدف هويّاتهم.
من هذه الفئات القلقة، في بلاد الفرس، يصعد صوت عرب إقليم الأحواز (عربستان)، متحدّيا الدولة الصفوية الإيرانية مطالبا بعودة استقلاله عنها. وقد تصاعدت هذه الأصوات، اليوم أكثر فأكثرن في ظل ما تشهده المنطقة عموما من عودة للحركات التحررية المطالبة بالانفصال والحكم الذاتي، على غرار الأقاليم الكردية.
القضية الأحوازية، باتت اليوم تشكّل تهديدا كبيرا لإيران، باعتبارها قنبلة موقوتة، سيؤدّي انفجارها إلى فقدان طهران منجم ذهب لا يقدّر بثمن. فإقليم الأحواز يحده من الغرب العراق ومن الجنوب الخليج العربي وبحر عمان من الشرق ومن الشمال إيران بحدود جبال زاغروس.
تزخر هذه الأرض بمواد خام وبالمياه، وتتميز بموقع جغرافي يزيد من صعوبة القضية وتعقيدها. فالأحواز تشكّل من الناحية الاستراتيجية مفتاح الضعف والقوة بالنسبة إلى إيران، وهي في نفس الوقت تشكّل بالنسبة إلى العراق والخليج العربي السدّ المنيع في وجه الأطماع الإيرانية.
جزء من الوطن العربي
قضية “الأحواز”.. الأرض العربية المحتلّة”، تحدّث عنها بالتفصيل الباحث خالد المسالمة في دراسة مطوّلة صدرت عن مركز الدراسات العربية-الألمانية. تناول هذا البحث، وفق ما جاء في تقديمه: “إقليم الأحواز العربي المحتل من قبل إيران منذ عدة عقود. وسلط الأضواء على جزء من الوطن العربي وشعب من شعوب الأمة العربية، جار عليه الزمان وكاد يغيب عن وعي واهتمامات ذوي القربى في بقية الوطن العربي”.
يقول خالد المسالمة في دراسته: “تعرف مناطق الساحل الشرقي والشمالي للخليج العربي والجزر التابعة لها بإقليم “الأحواز″ المحتل. والأحواز جمع حوزة، هكذا يدعو السكّان العرب وطنهم. وكان الفرس يطلقون على هذا الإقليم منذ القرن السادس عشر اسم “عربستان”، والذي يعني بالفارسية “بلاد العرب’”.
ويضيف الباحث: أقدمت إيران بعد الحرب العالمية الأولى على الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية على الساحل الشرقي للخليج العربي، وهي جزيرة أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، في غفلة من الزمن، وظروف سياسية عربية ودولية، كانت فيها معظم بلاد العرب تحت احتلال وهيمنة قوى أجنبية غربية، وفي زمن كان المواطن والمسؤول العربي فاقدا للحرية السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى تفشي الفقر والجهل في أوساط المجتمعات العربية آنذاك.
عادت قضية الأحواز العربي المحتل، بعد مشاركة إيران الفعالة القوات الغربية في احتلال العراق، إلى واجهة الأحداث السياسية والإعلامية. وارتبط اسم الأحواز من جديد بالاحتلال الإيراني للأرض العربية.لتعود القضية الأحوازية إلى الواجهة من جديد وتكون دليلا على دور إيران في المنطقة وتهديدها لأمن الخليج العربي والأمن القومي العربي.
دولة مستقلة
عن الاختلاف الجغرافي الطبيعي بين الأحواز وفارس يقول الرحّالة السير أرنولد ويلسن في كتابه “جنوب غرب فارس“: “إن الأحواز تختلف عن إيران اختلاف ألمانيا عن أسبانيا، إذ أن إيران عبارة عن هضبة تحيط بها حافات من السلاسل الجبلية الضخمة وتفصلها عن الخارج من جميع جهاتها تقريبا ولا سيما الجهة المحاذية للأحواز الذي يتكون من عدد من السلاسل المتصلة شاهقة الارتفاع التي ليس فيها ممرات سهلة الاجتياز بل تتخللها وديان ضيقة تنحدر بشدة نحو سفوحها”.
في ذات السياق يوضّح الرحالة كريستين نيبور، الذي زار الأحواز في عام 1772: “أن العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي ويستحيل تحديد الوقت الذي أنشأ فيه العرب موطنهم على الساحل”.
صراع عرقي وإثني
يعكس تحول الكثير من أهالي الأحواز، ذات الغالبية الشيعية، إلى الطائفة السنية، نكاية بالسلطات الإيرانية، حدّة الموقف وتأزمه بين الطرفين. ويعتبر تعدّد الأعراق عاملا مؤثرا على استقرار النظام الإيراني مثلما حصل إبان انهيار نظام الشاه في العام 1979.
ويؤكّد مراقبون أن أشدّ ما يقض مضاجع حكّام إيران هو نشوب صراع عرقي وإثني، أو المزيد من الهجمات مثل التفجيرات التي وقعت في 18 أكتوبر 2013 في محافظة سيستان ببلوشستان النائية والتي قتلت 42 شخصا، بما فيهم خمسة من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني.
ويتوقّع كثير من الخبراء والمراقبين أن يزداد الوضع توتّرا في المناطق التي تسكنها الأقليات في البلاد الإيرانية، خصوصا إقليم الأحواز، وكانت قضية الأحواز أدرجت في جدول أعمال مؤتمر القمة العربية الأول المنعقد في القاهرة في عام 1964. ومن بين القرارات التي خرجت بها القمّة إدراج قضية الشعب الأحوازي العربي في المناهج المدرسية العربية وفي برامج الإعلام. وذلك لتسليط الضوء على الاضطهاد الذي يتعرّض له العرب – سنّة وشيعة- في هذه المنطقة، حيث يمنعون منعا باتّا من التحدّث باللغة العربية أو التعامل بها في المدارس والمؤسسات، واللغة الفارسية هي اللغة الرسمية المتداولة.
يتحدّث الأحوازيون، داخل بيوتهم، وفي الخفاء، اللغة العربية، باللهجة السائدة في العراق وأيضا اللهجة الخليجية السائدة في سلطنة عمان والساحل الغربي للخليج العربي، وفق ما جاء في دراسة خالد المسالمة.
ينقسم عرب الأحواز إلى شيعة وسنّة. أما الشيعة، فيتركّزون بالأساس في الشمال، ويعتنقون المذهب الشيعي الجعفري، وهم يشتركون مع الفرس في هذه الرابطة الدينية، لكن ذلك لم يشفع لهم ولم تحميهم الرابطة المذهبية من الاضطهاد.
ويختلف شيعة الأحواز عن شيعة إيران في بعض التفاصيل المذهبية، حيث لا يعترفون مثلا بزواج المــتعة الذي تجــيزه الحوزات العــلمية الصفوية في طهــران.
ويرجع الباحث خالد المسالمة ذلك إلى أن أعراف وتقاليد المجتمع الأحوازي، هي أعراف وتقاليد عربية شأنها شأن المجتمعات العربية ترفض مثل هذه الممارسات الاجتماعية. أيضا لا يحتفل الأحوازيون بعيد النيروز الزاردشتي، الذي يعدّ عيدا قوميّا في إيران. وفي جنوب الإقليم يتركّز العرب السنّة، الذين يتّبعون بالخصوص المذهب الشافعي. السُّنة في الأحواز كانوا الأغلبية حتى بدأت الحملات العسكرية الصفوية من قبل شاه إسماعيل الصفوي، قبل خمسة قرون، بعد أن كانت مركزا ومدارس للمذهب السُني في العالم كعبّادان وتستر. وكان من السُّنة علماء في التأريخ العربي الإسلامي وذلك في مجالات عدة في علوم الحديث والفقه والصرف والنحو وغيره.
قمع واضطهاد
يسلّط كتاب للباحث الفرنسي، ثيري كوفيل، حمل عنوان “إيران: الثورة الخفية” الضوء على ممارسات الاحتلال في الأحواز وبلوشستان ومناطق الأكراد السنة، ودعّم الباحث دراسته بإحصاءات ووثائق تكشف التناقضات والتراجع الأخلاقي والاقتصادي والديني في إيران اليوم في ظل نظام ولاية الفقيه.
وكتب الباحث الفرنسي، يقول: إن السنة في إيران غير قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. كما أنه لا توجد مساجد لهم. وفي مناطقهم لا تدرس إلا الدروس الدينية الشيعية جبرا، كما لا يمكن للسنة تولي المناصب السياسية والقيادية في إيــران. وينص الدستور الإيراني على أن وظيفة المرشد – أعلى سلطة دينية وتنفيــذية وسياسية في إيران- لا يتبوؤها إلا شيعي. أيضا يندر وجود عربي في المؤسسات الحكومية وفي المناصب والمواقع القيادية، وقد تراجع ذلك خصوصا في عهد الثورة الإسلامية مقارنة بعهد الشاه محمد رضا بهلوي.
والحكام المعينون في المناطق السنية في كردستان والأحواز وبلوشستان هم من الشيعة، ويؤكد الكاتب أن الكثير من القرى تم تدميرها في هذه المناطق، ووقع فيها الكثير من الضحايا بسبب النزاع المسلح بين المقاومة الأحوازية والسلطات الإيرانية.
وقد أقدم الإيرانيون في عام 2006 على حرق وإغلاق الجامع الوحيد المتبقي لأهل السُّنة والجماعة في الأحواز وهو مسجد الإمام الشافعي في “القصبة”، كما تم إعدام عدد من مشايخ أهل السنة والجماعة في السنوات القليلة الماضية.
وقبل أيام قليلة نشرت منظمة العفو الدولية بيانا تدين فيه الإعدامات التي نفذتها السلطات الإيرانية في الأحواز. وجاء في هذه الإدانة، التي نشرت على الموقع الرسمي للمنظمة الدولية، أن السلطات الإيرانية أعدمت اثنين من الأحوازيين ولا يزال هناك ثلاثة حياتهم في خطر.
وأضافت أن السلطات الإيرانية أعدمت كلا من هاشم شعباني وهادي راشدي سرا وبعد عدة أيام نقلت إلى ذويهما أنها نفذت حكم الاعدام فيهما ولم تخبرهم عن مكان دفنهما كما لم تسمح لعوائلهما بإقامة عزاء لهم.
وأضافت منظمة العفو الدولية أنه من الممكن أن يكونا قد دفنا في إحدى ثلاث مقابر تتواجد في الأحواز والتي تطلق عليها السلطات الإيرانية اسم “لعنة اباد”، وهي مخصصة للسياسيين الأحوازيين.
بسبب التمييز الثقافي والاقتصادي والديني ضدّ أقليات “العرب والبلوش والأكراد”- وهي سنّية في أغلبها- توسّعت التوترات الإثنية في إيران.
وقد دأب السُّنة في الأحواز على الخروج في مظاهرات حاشدة، خصوصا خلال فترات الأعياد الدينية، رغم حملات القمع الإيرانية التي تستبق عيدي الفطر والأضحى بعشرة أيام من كل عام وتستمر حتى عقب انتهاء فترتيهما الزمنيتين.
وقد دعا هذا كله الساسة والرموز الدينية الإيرانية إلى التهديد والوعيد والتحذير مرارا، منذ أن بدأ عمل المنظمة الأحوازية، من أن التسنن في الأحواز هو العدو الأول، ويجب اجتثاثه. وتعيش على أرض الأحواز، إلى جانب المسلمين العرب، أقليات أخرى على غرار الصابئة المندائيين.
كما نجد من الأقليات التي تشكّل حوالي 15 بالمئة من سكّان الأحواز أقليات جاءت من كردستان وبلوشستان وأذربيجان، وهناك أيضا التركمان والأفشار -من القبائل التركية- وغيرهم من الأقليات التي تعتبر أكثرية مقارنة بالفرس، الذين لا يشكّلون سوى 35 بالمئة من مجموع سكّان إيران البالغ حوالي 67 مليون نسمة (إحصائيات 2012).
وتصاعد الاضطرابات العرقية المسجلة في إيران، رغم التعتيم الإعلامي عنها، ضد عرب الأحواز والأكراد والتركمان والبلوش والأذريين، يوحي بأن إيران تعيش فعلا أزمة كبرى مع أقلياتها المختلفة.
لم يقدّم الحكّام في طهران أية بادرة حسن نيّة تجاه العرب، بل عملوا دائما، ضدّ الأقطار العربية مدفوعين بأوهام وأطماع تاريخية. وقد سعوا، من خلال اللعب على “الوحدة” الدينية بين الفرس والعرب، إلى محاولة نشر الفوضى وبث سموم الطائفية المدمرة في المجتمعات العربية، التي تتشارك في العديد من المظاهر الثقافية والاجتماعية والتاريخية مع عرب الأحواز، التي تشكل الرئة الاقتصادية (النفطية) لإيران.
الصورة المرفقة: أحوازيات يشاركن في وقفة احتجاجية ضد مساعي طهران تحويل مياه نهر كارون الحيوي لإقليم الأحواز إلى أصفهان ومناطق أخرى وسط البلاد.