في الذكرى السنوية لوفاة القيادي في التيار الوطني الديمقراطي في الاحواز، يعاد نشر المادة التالية و هي بقلم احد اعضاء التيار الوطني.
مر عام على رحيل محمد شريف نواصري . لكن بالنسبة لي هذا الشخص لن يمت ابدا وبقي في بالي طيلة الايام والساعات التي عشتها خلال العام المنصرم. لا اريد ان ادخل مدخل الاحاسيس والرثاء،لكنني احس بمسئولية على عاتقي فقررت الكتابة من اجل احياء ذكرى وفاة اخي وعزيزي واستاذي محمد شريف الناصري.
عرفت محمد شريف،اباوائل،منذ سنين وكل ما مرت الايام ازادت معرفتي به وتعلمت منه المزيد. الان وبعد مرور سنة من وفاته كلما افكر به اتذكر مواقفه الشريفة والشجاعة. اباوائل قبل كل شي،كان انسانا وقدوة في الاخلاق والشهامة والشجاعة. بعدما استشهد والده وابان الحرب الايرانية ـ العراقية ذاقت اسرة الشهيد في تلك الايام مرارة الحياة وواجهت قسوتها بباسلة. في تلك الايام العصيبة تشرد محمد مع عائلته وعاش ظروف قاسية بعدما فقد اباه. الظروف المعيشية الصعبة منعته من الاستمرار بدراسته فاتجه للعمل في سن مبكر.
كبر محمد وهو يحمل في قلبه الم فقدان الاب وكان كلما يتذكر والده يضيق صدره ويتنهد الماً. دخل محمد النضال من بابه السري وهو في ربيعه العاشر. فاصبح عضوا في احدى الحركات السرية في الاحواز. كبر محمد وانتبه لضرورة التنوع في اساليب النضال،فكان من اوائل المنضالين في الساحة الفكرية والعلمية. فراجع كتبه وراح يدرس ليل نهار حتي نجح في اختبار الكنكور ودخل جامعة “علامة طباطبايي” في طهران وبدء دراساته في فرع علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية في طهران. تصادفت هذه الفترة مع وصول الاصلاحيين لسدة الحكم في ايران. كان محمد يجاهد في سبيل الوطن من جهة ويتابع دراسته ويعمل من اجل اعالة عائلته من جهة اخرى. كان الشهيد المناضل يحثنا دائماً على القراءة وكلما التقيت به وجدته يبحث موضوعاً جديداً والاراء اكتشفها من ثنايا الكتب الحديثة والقديمة.
لن انسي ابدا كيف تمكن هذا المناضل من الوصول الى عقر دار الفرس وكيف حصل على مصادرهم الفكرية والفلسفية التي تبيح لهم الاستهتار بشعبنا وإغتصاب حقوقه. راح الشهيد ابا وائل يتابع مسلسل مؤمرات الفرس ضد شعبنا وارضه الاحواز حتي وصل بها الى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي. لن انسي ذلك اليوم الذي التقيت به ليروي لي قصة كتاب حصل عليه في مكتبة في شارع انقلاب في طهران وهو كتاب لم يجدد نشره والنسخة التي حصل عليها كانت نسخة فريدة. فروى محمد قصة مؤامرة احد وزراء الدولة القاجارية من اجل توطين مجوس الهند،بقايا الايرانين القدماء الذين هربوا من ايران بعد سقوطها على يد المسلمين العرب،على ضفاف كارون وتهجير العرب من تلك الاراضي من اجل محو هوية الارض وهوية اهلها.واصل محمد دراساته ونشاطه وكان له الدور البارز في تأسيس الحركة السياسية العلنية في الاحواز ومنها تأسيس لجنة الوفاق الاسلامي،وتأسيس بيت العرب في طهران وتأسيس التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز.
محمد الذي عاش فترات الخناق وعاصر احداث كمسيرة سنة 1364 شمسي (التي عرفت فيما بعد بمسيرة الغجر على حد زعم الفرس وبتصريحاتهم الحاقدة تلك انتفض شعبنا ضد التخرصات الفارسية لمدة 3 ايام، وكان ذلك في العام 1985م)، فتفهم أبا وائل الوضع السياسي في ايران جيدا وعندما رأى بصيصاً من الانفتاح في الساحة السياسية في ايران،اصر على استثمار هذا الانفتاح وتوظيفه من اجل طرح حقوق شعبنا المغتصبة فكان من اوائل الذين شاركوا في بناء وترسيخ الاسس الفكرية والمعرفية من اجل فسح المجال للشعب العربي الاحوازي للمطالبة بحقوقه. هذه المرحلة كانت مرحلة مصيرية ونوعية وتمكن المناضلين الاحوازيين في الوطن من تأسيس اطار جديد للمطالبة بحقوق الشعب العربي الاحوازي. راح محمد ينشر افكاره مستفيدا من اجواء الانفتاح النسبية في فترة حكومة خاتمي، فاستغل الفرصة وراح ينشر افكاره العروبية في اواسط الشباب والطلبة العرب الاحوازيين.
دراسة محمد في جامعة علامة في طهران عرّفته على القوى الوطنية الاحوازية هناك وساهم في تأسيس مرحلة جديدة من نشاط الاحوازيين في العاصمة طهران. خلال هذه الفترة حضر محمد جلسات نقاش متعددة في الجامعات ومقرات الاحزاب والتكل السياسية الرسمية وغير الرسمية والسرية وكان على اتصال مباشر مع المفكرين من ابناء الشعوب الاخرى من الاكراد والاتراك والتركمن والبلوش.
ساهم محمد في كتابة دراسات عدة حول ما يواجهه الشعب العربي الاحوازي من سياسات عنصرية،فجمع المصادر من الكتب والمقالات والوثائق السرية من اجل كشف وفضح سياسات السلطة العنصرية الفاشية ضد شعبنا. بعد ما عرّى سياسات النظام الايراني أخذ على عاتقه مسئولية متابعة هذه السياسات وراح يرصدها عن كثب فكلما سلبت ارض ونهبت ثروات او هُجِّرت جماعات من ابناء شعبنا العربي أحصاها محمد وكتب عنها وطالب النظام بالتخلي عما يرتكبه بحق شعبنا الاعزل. محمد كان اول من رصد المشاريع الاستثمارية العملاقة كمشروع قصب السكر،ذات الغاية الاستعمارية،وراح يبحث عنها وكشف اهداف النظام من اقامة هكذا مشاريع وقام بدراسات حول الاحياء الهامشية التي تشكلت حول مدينة الاحواز نتيجة لتهجير اصحاب الاراضي اثر سلب اراضيهم من قبل السلطات لصالح مشروع قصب السكر وتدمير قراهم.
محمد اعتقل مرات وبقي ايام عديدة في الزنزانة الانفرادية. حينما كان ابا وائل في السجون لم يسكت عن المطالبة بحقوق شعبه وكشف سياسات النظام اللانسانية لسجانيه والمحققين معه وشرح لهم اسباب وقوف امثاله من الشباب مع شعبهم.
كانت اتصالاته بجميع القوى الوطنية في الداخل والخارج تلعب دورا هاماً في بلوغه لتلك الرؤية الشاملة تجاه القضية الاحوازية. ففي نفس الوقت الذي كان يعمل على الساحة السياسية المكشوفة في ايران كان على اتصال بالحركات السرية وكان يعطيهم التحليل الصائب ويوجه نضالهم في كل فترة من فترات حياته النظالية.
محمد ومن خلال بحثه المستمر عثر على وثيقية تكشف اخطر ما كشفه من سياسات عنصرية تجاه شعبنا. فقرر ان لايصمت وأن يبوح بجميع الاسرار لشعب بات اليوم اقرب اليه واكثر ادراكا لما يقوله. نشر الرسالة بمساندة جميع القوى الوطنية، فاندلعت الانتفاضة النيسانية. خلال الانتفاضة وقد لعب محمد جميع الادوار. فتارة ينظـِّر ويعطي التحليل وحث الجميع على الانتفاضة السلمية وشرح من خلال بيانات التيار الوطني العربي الديمقراطي سياسات النظام العنصرية واقترح الانتفاضة السلمية على جميع القوى المساهمة في الانتفاضة. تارة اخرى لعب دور الصحفي الراصد للمعلومات والتطورات المستجدة على الأرض والسلوك الإجرامي الذي كان ينتهجه النظام الفارسي العنصري مع المنتفضين الأحوازيين وسعى جاهدا من اجل ايصال صوت الانتفاضة النيسانية للعالم باسره.فاجرى مقابلات عديدة مع الاذاعات والفضائيات وفضح الممارسات العنصرية للنظام وسياساته اللانسانية.
إبان الانتفاضة كان يؤكد دائما على سلمية الانتفاضة وكان يحث المثقفين الى عدم ترك الشعب لحاله في مثل هذه الظروف الصعبة، فكتب مقاله المعروف ” الازمة البنيوية والمنهجية للنخب والانتيليجنسيا الاحوازية في انتفاضة نيسان”. حاول محمد نقد المثقفين خاصة الذين تركوا الشعب وحيدا ابان الانتفاضة وكما قال الشهيد:” حتي انتقدت نفسي في هذا المقال”. هاجم محمد بشدة المتخاذلين في الداخل والمتاجرين في الخارج ولم يترك نفسه دون النقد. كتب اباوائل هذا المقال وهو منتقلا في احياء طهران هارباً من قبضة المخابرات الايرانية.
بعد فترة أجبر محمد على الخروج من الوطن والاتجاه نحو منفاه الإضطراري بعد مواجهته المضايقات العديدة من قبل النظام الايراني،فغادر الوطن وعيناه منتصبتان نحوه. لا أنسي ابدا مساء اليوم الاخير لمحمد عندما التقيت به لتوديعه فكان حزينا جدا،وكان بعيدا كل البعد عن ذاك محمد الذي تعودنا على رؤيته ضاحكا مبتسماً في كل الظروف حتى العصيبة منها، قلت له: “انشالله توصل بنجاح وتتابع حياتك ونضالك ونحن معاك في كل الظروف ولن نتركك لوحدك وانك لست بعيدا عنا”. تنهد وقال “ما اتحمل بُعد الوطن” تنهد مرة اخرى وبعدما تمنى الرجوع للوطن يوما ما ودعني وراح. راح محمد وكانت تلك المرة الاخيرة التي رأيته فيها.
اليوم وبعد مرور عاما على رحيلك ايها المناضل المثقف الكاتب المثابر،الذي لايعرف التعب وخيبة الامل،نعاهدك على الاستمرار في الطريق الذي رسمه والدك والشهداء الاخرين واكملته انت واوصيتنا بالسير فيه. طريقك هو النضال في جميع المجالات،طريقك هو كسب العلم والفكر والمعرفة لمواكبة عالم متغيير من اجل تسيير قضيتنا.
اباوائل انت علمتنا ان النضال ليس فقط المواجهة مع الاعداء ومحاربتهم بل كنت توضح دوما بأن النضال له اوجه متعددة والنضال يستوجب سبر جميع الافاق وان يكون المناضل هو الرائد في جميع المجالات العلمية والفكرية والمعرفية.
اباوائل … سيستمر الطريق الذي رسمته بقلمك وضحيت بحياتك ووجودك من اجله. نعاهدك نحن اخوتك في التيار الوطني العربي الديمقراطي باننا باقون على العهد واننا سوف نكمل الطريق الذي وضعت اسسه بيدك.