انتشر على نطاق واسع، يوم السبت 5 شباط (فبراير) 2022 مقطعا بشعا لرجل يمشي في الشارع وماسكا بيده رأس زوجته التي ذبحها، وقد كان يتبجح بفعلته، ظنا منه وحسب منظومته القيمية أنه قام بفعل بطولي وغسل عاره كي لا يستطيع أحد من احتقاره لاحقا. وللأسف تتكرر جرائم الشرف بين الحين والآخر في مجتمعنا كما هي الحالة في المجتمعات الأخرى، ومن جانب آخر حصلت تعليقات وردود أفعال متباينة من مختلف شرائح المجتمع، غير أن معظم هذه التعليقات هي سطحية وعاجزة عن فهم الأسباب الحقيقية المؤدية للعنف المجتمعي، فبعض التحليلات كانت تنسب هذا العنف للنزعات القبلية وأخرى تنسبها للعرب بشكل عام وبعضها تنسبها للمنطقة التي يسكنها القاتل والضحية وبعض التحاليل الغريبة الأخرى، غير أنهم يتناسون أن كلا الطرفين هما ضحايا لسياسات موحدة، مورست على الشعب منذ عقود طويلة.
أعجبتني مقولة جميلة لألبرت اينشتاين يقول فيها:”المثقفون يأتون لحل المشاكل بعد وقوعها والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ”. علينا أن نعي ونفهم جيدا كل ما يحدث من إجرام واعتداءات على حقوق الآخرين وكل الإنحرافات السلوكية والنزاعات الدامية هي نتائج متوقعة وبديهية لسياسات غير إنسانية فرضها المحتل على شعبنا. علينا أن لا نغير مكان العلة والمعلول.
قد تعرض المجتمع الأحوازي منذ قرن وكما هو الحال، لأبشع صور القهر والحرمان الشديد وقد مارست إيران، ضده سياسات ممنهجة لتجويعه وتجهيله وتهجيره وإبادته وتطهيره العرقي، كما فرضت عليه حصارا اقتصاديا وثقافيا ومعرفيا شاملا كي يبقى متخلفا متناحرا فيما بينه.
لقد مر الشعب الأحوازي بمآسي وشدائد كثيرة واستهدفت هذه الممارسات البنية النفسية والإجتماعية للفرد الأحوازي وتركت آثارا سلبية كثيرة وواسعة النطاق على المجتمع.
إن هذا الاستلاب والاضطهاد تبلور على نحو مشكلات مجتمعية عديدة مثل الفقر والتخلف والنزاعات العشوائية وهيمنة الذعر واليأس وتفشي المخدرات وازدياد نسب الإنتحار والعنف وارتكاب الجنوح و… وكلف المجتمع أثمانا باهظة في مختلف مجالات الحياة.
إذن المجتمع الأحوازي الحالي بات يعيش حالة مأزقية وانسداد في آفاق الإصلاح كما بدأ يشعر بالإحباط ويعاني من الحيرة والمحنة تجاه الراهن المؤلم والمستقبل الضبابي، لأن الآخر المتسلط، أي النظام الإيراني، الذي سيطر على كل مقاليده لن يسمح له بالقيام بأي خطة ايجابية لرقي المجتمع وبث الوعي فيه كما يعتبر ذلك تهديدا مباشرا له، إذ أن من أهم شروط بقاءه وديمومة سلطته وتحكمه بمصير الشعب هو مرهون بخطتين مصيرتين وهما “التجويع والتجهيل”.
إذن على اولئك الذين يقومون بجلد الذات ويلقون باللوم على عاتق الشعب ويروجون بأن العرب معنفين وسفاكي دماء، عليهم أن ينظروا جيدا لأولئك العرب الذين ترعرعوا في بيئات سليمة ومتحضرة كيف أصبحوا الآن بعدما تلقوا التعليم الجيد وحصلوا على تنشئة صحيحة مع أن معظم المجتمعات العربية تنحدر من جذور قبلية وهناك قواسم مشتركة بيننا وبينهم، إذن المشكلة الحقيقية هي تكمن في انعدام التعليم وعرقلة مسار التنمية والسياسات الخبيثة الرامية لبقاء الأحوازي أميا ومتخلفا يعيش في دوامة الجهل، فضلا عن مواجهة النشطاء وقمع المثقفين الذين يريدون توعية الشعب والرقي به ووضعه في طريق النهضة الفكرية والقيمية، بالإضافة إلى سياسات التجويع والتهميش وضرب القيم الدينية ومواجهة الصحوة الدينية التي تريد التحرر من سيطرة ولي الفقيه، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت من الفرد كائنا جاهلا وعشوائيا ذو قيم متدنية وغير حضارية.
إذن على الأحوازيين المهتمين بشؤون مجتمعهم أن يفكروا بإمعان بالبحث عن بدائل جديدة للنهوض بشعبهم وتغذيته، تغذية فكرية ومعرفية ليتحدى الحصار التعليمي والتثقيفي والتربوي كي يحافظ على استقراره وأمنه، قبل أن يعيث العدو به دمارا وفسادا أكثر من هذا.