لا صوت فوق صوت القوة. ولا يتعامل العالم إلا مع الأقوياء. البقاء على الأرض للأقوياء ولا مكان الضعفاء في عالمنا هذا. العالم يتحالف مع القوي ولا يعترف بالضعيف ولا بحقوقه. وإن كانت تلك الحقوق واضحة كالشمس في ظهر الصيف. وعندما تكون قوي سيأتي العالم لك بحثا عن مصالحه التي لا يحققها إلا الأقوياء. هذه الحقائق في عالمنا اليوم وفي كل الأزمنة.
أنتهج الأحوازيون سياسية المظلومية منذ عشرات السنين محاولين التركيز على تعريف قضيتهم ومظلوميتها عسى وأن يظهر المنجي لهم أو يتأثر العالم بصريخنا وبكائنا على أطلال ماضينا العتيد! لكي يصحو ضمير العالم ويدحر الباطل المتمادي على الشعب العربي الأحوازي المسكين المتمسكن الذي لا حول له ولا قوة غير البكاء والعتب على الضمير العالمي الميت والمدفون في المحيط الأطلسي منذ آلاف السنين.
لم يكف الاحوازيين الإستغاثة بنخوة العروبة المدفونة في البحر الميت وهم جربوا القومي واليبرالي والرأسمالي والإسلامي والشيوعي منهم منذ تسعين عاما ولم يقتنعوا بعد بإن “لا حياة لمن تنادي”!.
لم يتحرر شعب في العالم وهو يستجدي التحرير حيث لم يحرر سجّان سجينه. العدو الفارسي يعدم شبابنا، ومستمر في سياساته الإجرامية في الإستيطان وتفريس الهوية والأرض والتاريخ. ونهب وسيبقى ينهب ويدمر إلى الأبد كل ما في الأرض وما تحتها. وينكر حقوقنا لا وحتى وجودنا ونحن ننتظر العالم بما فيهم العرب أن يصحى ضميرهم ويهبوا ليس لنصرتنا فحسب، بل لأخذ الثأر وإسترجاع حقوقنا التاريخية نيابة عنا، لأن شغلنا الشاغل هو العتب والتنظير فقط! وإن مهمتنا على ما يبدو كبيرة جدا وهي إحياء الضمير العالمي بغية حثه على القيام بواجبه الإنساني والقانوني نيابة عنا وعن الشعوب الرازحة للإحتلال الأجنبي.
نقترب من القرن الكامل على إحتلال الأحواز وماكنة العدو الفارسي الإيراني تعمل على أرض في كل القضايا لفرض الأمر الواقع على مدى هذا القرن بأكمله وتقدمت علينا في عدة ميادين في معركتنا التي أصبحت معركة وجود. لأنها تعمل بكل ما أوتت من قوة وعلى جميع الأصعدة لكسب المعركة، ونحن الأحوازيون مازلنا في مرحلة ما قبل التخطيط الإستراتيجي الحقيقي. ويقتصر تخطيطنا إن وجد في كل مرحلة على نخبة معينة أو على تنظيم بعينه مما جعله تخطيطا تأكتيكيا لمرحلة ما أو لجهة ما ولم نستطع من تعميمه على كل المراحل النضالية وعلى أكثر شرائح المجتمع الأحوازي.
وألادهى من كل ذلك أصبح نضالنا ردود فعل على الأفعال الإجرامية الإيرانية ويا ليتها ردود فعل على كل الجرائم لأنها عديدة جدا وواسعة. نخرج بمظاهرات صغيرة ومحدودة جدا حينما تنفذ سلطات الإحتلال جريمة إعدام بحق المناضلين – الناشطين الأحوازيين. أو نذهب لمؤسسة أو منظمة ما نشكي همومنا ونقدم وثائق وأوراق التي تثبت جرائم الإحتلال ونرجع لبيوتنا كالمنتصرين لإننا أوصلنا “رسالة المظلومية” لمؤسسة ما هنا أو هناك.
رغم كل تضحياتنا الجسام وإنتفاضاتنا العديدة وجميع الشواهد طيلة العقود التسع الماضية مازلنا لم نعتمد بعد على قدراتنا الذاتية بخلق إمكانيات إقتصادية وعسكرية وجماهيرية متكاملة وهادفة نحو التحرير. الإتكالية على الغير مازلت سمة الأكثرية فينا على الصعيد الفردي والجماعي. الشعب العربي في الأحواز يحلم بإن أبناءه في المناف سيأتون بالنصر المبين لهم من الخارج بتحريك جيوش العالم. والأحوازيون في المناف ينامون بأمل ان الشعب في الداخل سيفجر الساحات والشوارع بوجه المحتلين ويطرد الغزاة حتى يعود من المنفى بعد الفراغ الطويل. ناهيك عن إتكاليتنا على الغير العربي أو الأجنبي بالقيام بواجبه نيابة عنا أو إلى جانبنا على أقل التقدير.
ناضلنا طيلة التسعة عقود من الزمن وقدمنا قوافل من الشهداء، لكن لم نحقق مكاسب على أرض الواقع لاننا لم ننتقل بعد من الردود الفعل المحدودة على جرائم الإحتلال إلى العمل الممنهج المبادر والشامل على كل الأصعدة بإخلاص وتضحية. لم نتخلص بعد من التشتت والولاءات الجانبية القبلية أو التنظيمة في عملنا ونهجنا اليومي. لم نتطبق بعد شعاراتنا التنظيمية والوطنية وبقت حبر على الورق أو شخابيط على الشبكة العنكبوتية إذا صح التعبير. لم نؤمن بعد بقدراتنا الذاتية للتخلص من الواقع المرير.
مازلنا ضعفاء ولا مكان لنا في هذا العالم ولم نصبح بعد لا رقم صعب ولا سهل حتى، لا في المعادلات الإيرانية والإقليمية ولا الدولية، لطالما ندور في حلقة فارغة من الإنتكالية ورمي اللوم على الآخر في فشل عملنا على كثير من الأصعدة. الإعتراف بواقعنا المرير لم يعجب الكثير خاصة أصحاب الإنجازات الوهمية والرؤى التخديرية, لكن هذا الواقع اذا لم نعترف به كما هو لن نتمكن من القيام باي عمل جدي ومفيد قادر على تغيير الواقع المهين.
رغم مرور ما يقارب التسعة عقود نحن اليوم بحاجة ماسة الى أن نبني إستراتيجية حقيقية تعتمد على الذات وتشارك فيها كل التنظيمات الأحوازية والشخصيات الفاعلة وأصحاب الرؤى الوطنية. وإن طالت مرحلة البناء هذه عشرة أعوام أخرى من أجل النهوض بالمجتمع نحو التحرير والكرامة. نحن بحاجة الى رؤية أخرى، نهج جديد، يبدى من جلد الذات على كل مافات.
هل نحن نريد حقا تحرير الأحواز والخروج بها من قعر الذلة والعار نحو العزة والكرامة والحرية؟ أكيد من يقرأ هذه السطور سيجب في داخله بنعم. إذن على كل فرد منا أن يقوم بتغيير ذاته وينهض بنفسه قبل غيره نحو العمل الصحيح والجاد حتى يتمكن من تغيير ماحوله. لإن واقعنا على الصعيد الفردي والإجتماعي ليس كفيلا ولا جديرا ولا أهلا بتغيير المعادلة، لإننا ضعفاء ولا مكان للضعيف في أي معادلة.