كنّا نسمع، وعلى سبيل المثال، أن هناك حدث انقلاب عسكري أو حدث تدخل سياسي من قبل إحدى الدول العظمى في شؤون دولة كانت مناوئة للغرب، والإطاحة بنظامها، كما نتهيب من انعكاسات هكذا أحداث على حياتنا السياسية والاقتصادية والأمنية. نرى أن بعد قرابة قرن من وصول علبة غربية تحتوي على مفهوم ”الدولة الأمة” إلى العالم الثالث، نشاهد اليوم تتهاوى بعض الأنظمة، حيث سقطت بعضها نتيجة عدم تمكينها لمفهوم ”الأمة” والاكتفاء بتحجيم مفهوم ”الدولة”، الأمر الذي أوصل بالشعوب إلى أن تشق مصيرها مستخدمة ”المعلومة” كسلاح فتاك ضد الديكتاتوريات في العصر الحديث. منذ بداية الألفية الثالثة حتى يومنا سقطت حكومات ثمان دول وهم أفغانستان والعراق وجورجيا وأوكراينا وقرغيزيا ومصر وتونس وليبيا وجميع تلك الدول تصنف ضمن العالم الثالث، كما نرى أن دولاً أخرى تتهاوى ومرشحة للتغيير الجذري كاليمن وسوريا. عام 2001 انتهت دويلة طالبان،
وعلى شاكلة سقوط طالبان انتهت سلطة البعث في العراق في عام ,2003 ”الأمر الذي أوصل بإقليم كردستان إلى عتبة الاستقلال”. في العام 2003 تغير النظام الحاكم في تبليسي وجاء نظام جديد على ركام الماضي في جورجيا، وفي عام 2004 شاهدنا الشعب الأوكراني يرفع أعلاماً باللون البرتقالي ويرتدي أزياء بنفس اللون كي يعبر عن غضبه الذي انتهى بسقوط نظام كييف، وفي عام 2005 تم القضاء شعبياً على الحكم في قرغيزيا، وفي 2011 سقط كل من بن علي ومبارك والقذافي، ونرى اليوم أن نظام بشار في دمشق أصبح يتهاوى. سقط كل من نظامي طالبان والبعث في أفغانستان والعراق على شاكلة التدخل العسكري وتحديداً من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل وخارج البلدين، بينما تغيرت أنظمة جورجيا وأوكراينا وقرغيزيا بثورات عرفت بـ”الثورات الملونة” نتيجة استخدام المتظاهرين ألوان ترمز لمعارضة السلطة وذلك دون أي دعم عسكري أو لوجستي من قبل جهات أجنبية وطبيعة الثورات السلمية. كما تغيرت حكومتا مصر وتونس نتيجة إرادة الشعبين كليهما أي الشعب المصري والشعب التونسي، ونرى اليوم أن القذافي ونظامه انتهى نتيجة الضغط الدبلوماسي والدعم العسكري واللوجستي والحراك الداخلي المتمثل بالعسكرة الشاملة في البلاد. بين كل هؤلاء يخوض الشعب السوري على أرضه معركة شرسة ضد التواجد الإيراني في البلاد ونظام بشار الأسد.
خلافاً لكل ما حدثت من تغييرات جذرية في المنطقة نرى أن المتظاهرين السوريين اليوم يتصرفون وبحكمة، وهم حريصون على عدم عسكرة البلاد، حيث إن العسكرة قد تتيح لبشار وحلفائه كإيران بإلقاء التهم -كما هو الحال الآن- ضد الثوريين بأنهم ينفذون أجندة غربية وفي هذا النقطة تحديداً أي نوع مساعدة خارجية للثوار سوف يستخدمها بشار وأعوانه بأنها مستهدفة سوريا وليس النظام ”الفارسي الأسدي”. (لنسمي هذا النظام من الآن فصاعداً خلال المقال بالنظام الفاسدي وبإدماج المفردتين الفارسي والأسدي كلتيهما نتيجة الدمج السياسي في المفاهيم التوسعية الفارسية وعلاقتها بنظام بشار الأسد). هنا سوف تبدأ المجازر على أشكال قد لا يتخيلها المرء، وقد ننسى مجزرة المحمرة التي ارتكبها الفرس ضد العرب الأهوازيين في عام ,1979 ومجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها الصهاينة، ومجزرة حماه التي ارتكبها نظام الأسد الأب في الثمانينيات من القرن المنصرم، إلا أن تحسب كل صغيرة وكبيرة في نوع الدعم المفترض من قبل أي جهة عربية كانت أو غربية قد تقدم لثوار الشام. يبدو أن الشعب السوري يحذو اليوم حذو الشعب التونسي والشعب المصري للخلاص من النظام الفاسدي (الفارسي الأسدي) الحاكم في دمشق.
ما حققه الشعب السوري خلال الأشهر الماضية يستحق التحسين ولكن بعد مرور هذا الزمن على عمر الثورة نرى أن المتضرر الكبير لحد الآن ما هو إلا الشعب السوري مقارنة بما حققه على أرض الواقع، حيث الطرف الآخر أي النظام الفاسدي محصن بقوة عسكرية ويطارد المتظاهرين ليلاً ونهاراً بغية إنقاذ المشروع الفاسدي في بلاد الشام. في الوقت نفسه نرى أن هناك نوايا غربية باستخدام قوات حلف الشمال الأطلسي”النيتو” ضد نظام الفاسدي على شاكلة ما عملت هذه القوات في ليبيا وحضور تركي ملحوظ متمثلاً بإقامة مؤتمرات المعارضة السورية في تركيا واستضافة اللاجئين السوريين وتحركات دبلوماسية مكثفة كما ترتسم لنا ملامح خطة حضور عربي للتفاعل وما يحدث في سوريا. فبالتالي نحن سعداء عن تحرك العرب وإن جاء متأخراً ولكن ما هو يترتب على العرب الآن ما هو إلا التسريع بدفع عجلة الشعب السوري للخلاص من النظام الفاسدي الحاكم. استضافة المعارضة السورية في الدول العربية ودعمها بشكل منتظم وباستمرار حتى إطاحة الديكتاتور ورسم ملامح سوريا المستقبلية والمساهمة المباشرة والفاعلة ببناء سوريا ما بعد نظام الفاسدي من واجب العرب للحفاظ على ضرورة بقاء سوريا وشعبها في منظومة الأمة، وإن حدث غير ذلك سوف تعيد الحسرات نفسها لحاضنة الأمة كما هو الحال خلال الـ3 عقود الماضية من العرس الفاسدي حيث الأتراك والغربيون سيصبحون بديل الفرس في بلاد الشام. فأكرر نحن سعداء أيها السادة! نعم سعداء أن نعيش لحظات لم يعشها أجدادنا وقد لا تعيشها الأجيال القادمة.. نحن شاهدنا خلال 10 سنوات سقطت ثمان حكومات ديكتاتورية وسعداء أن منذ بداية عام 2011 ليومنا تغيرت أنظمة كل من تونس ومصر وليبيا، كما ندعوكم أيها السادة أن نكمل المشوار بسعادة الشعب السوري والشعب اليمني.
نحن نعيش لحظات نسمع فيها أصوات تكسير جناحي الطائر الإيراني في كل من بلاد الشام واليمن وترتسم أمامنا مشاهد تلمح بمجيء أنظمة تعددية همها المواطن والوطن في البلدين. كما إن لو وقع هذا الطائر الفارسي مكسور الجناحين سوف تبدأ ”اللعبة الكبيرة” في المنطقة ولن يستطيع أن يردعها أحد والمقصود هنا إن ولد من العراق إقليم واحد باسم كردستان فسوف تلد من بطن إيران أٌقاليم عدة منها الأهواز وأذربايجان وكردستان والتركمان وبلوشستان وربّما لورستان، حيث هناك قد تتاح لنا فرصة الجلوس والطرف الفارسي حول طاولة واحدة لحل الخلافات ووضع حد لتجاوزات الدويلة الفارسية على حساب الأمة.