متابعة الخطط الاستعمارية التي قام بها النظام الايراني خلال العقود الثمانية المنصرمة، واحصاء تاثيراتها على المجتمع الاحوازي تظهر تغييرا كبيرا في حجم هذه المخططات ووسعتها، كما تظهر نقله نوعية في سرعة تنفيذها.
بعد نهاية الحرب الايرانية العراقية بنت الدولة الايرانية اكثر من مائة سد على انهار كردستان و البختياري والاحواز وجففت شرق العراق ومعاه الاحواز تجفيف واسع بحيث اخذت العواصف الرملية تفتك بابناء الاحواز وتقتل منهم مايقل عن ثلاثة الاف شخص سنويا. عدد الاحوازيين الذين يموتون جراء التسمم بالملوثات الجوية والمائية والبيئية الاخرى، يفوق الخمسة الاف شخص سنويا.
يمكن تقسيم التاريخ الاحتلالي والاستعماري الايراني في الاحواز الى فترتين على اساس وسعة المخططات ونتائجها الكارثية. الفترة الاولي تبداء من يوم الاحتلال الى اواسط الحرب الايرانية العراقية سنة 1984 والفترة الثانية هي سنة 1984 ميلادي الى يومنا هذا.
احد اهم اسباب هذا التقسيم هو ان بناء السدود العملاقة وبناء عشرات السدود الاخرى قد تكاثر بعد سنة 1984 ميلادي، كما تم البدء في بناء عدد جديد من الانفاق التي تحرف مياه انهار الاحواز نحو بلاد فارس. كما تم تنفيذ المشروع الاستعماري الكبير وهو انشاء سبعة شركات قصب السكر على مساحة تساوي 200 الف هكتار من الاراضي الزراعية.
واخيرا قد ظهر للعلن اكبر مشروع في التاريخ الاستعماري الايراني ولربما العالمي وهو مشروع خامنئي لاعطاء ثمانمائة الف هكتار من اراضي الاحواز الزراعية للوافدين من غيرالعرب. كما تمتاز المرحلة الثانية وهي المرحلة الراهنة، من هذا التقسيم بنسبة عالية لتدمير البيئة ونسبة عالية في تهجير القرويين وافراغ القرى من سكانها و كما نسبة عالية من ضحايا الامراض والتلوث.
كل هذه المؤشرات تدل على اننا قد دخلنا مرحلة جديدة في تاريخ وطننا المحتل من قبل الدولة الايرانية. يمكن وصف هذه المرحلة بمرحلة التدمير النهائي للوجود العربي في الاحواز عبر تدمير الحاضنة البيئية و تجفيف الانهار و تدمير القرى عبر سلب الاراضي وبالنهاية قتل الانسان العربي عبر الامراض والتلوث وتهديد الحياة وسلامة الاجيال الاحوازية القادمة وهي في ارحام امهاتها.
المرحلة الاولي تخلو شبه تام من هذه المخاطرات والتهديدات الواقعية وكانت قد انحصرت على الجانب الثقافي والمعيشي الاقتصادي والتعليمي. لم يلحظ أي تدمير للبيئة الاحوازية و لا أي ازدياد ملحوظ للامراض، و رغم سلب مساحات كبيرة من اراضي المزارعين العرب لكن تهجير وسلب الاراضي في المرحلة الاولى يقل بكثير مما سلب في المرحلة الثانية.
المرحلة الاولى امتازت بالحراك الثقافي الفارسي لمحو الهوية العربية و السعى لتكثيف الهجرة غيرالعربية الى الاحواز، قد تكللت هذه السياسة بالنجاح النسبي في مدينة عبادان.
المرحلة الثانية تمتاز باستخدام السدود و الانهار والاراضي الزراعية وانتهت بتدمير شامل للبئية الاحوازية. الهجرة مازالت هي الهاجس الاساسي للمحتل الايراني لكن حصل تغييرا بكيفية تطبيقها وهي في المرحلة الثانية المحتل الايراني يحاول زرع المستوطنين الجدد كمزارعين في اراضي الاحواز الوسيعة لضمان عدم رجوعهم بسبب سوء الاحوال الجوية. في المقابل استخدم المحتل الصناعة و المصانع والادرات لجلب غيرالعرب للاحواز في المرحلة الاولي.
يبدو ان النظام الايراني قد وصل الى طريق مسدود باستخدام اساليب المرحلة الاولى لتدمير الهوية العربية لهذا قد قرر استخدام اساليب استراتيجية و ذات فاعلية مادية وطبيعية وحتمية بدل الاتكال على الاساليب الثقافية ونتائجها غيرالمضمونة.
اذن هنالك مرحلتين في التاريخ الاحتلالي الايراني في الاحواز. منذ عام 1984 ميلادي نحن كنا قد دخلنا في المرحلة التي نعيشها الان وهي المرحلة الثانية من التاريخ الاحتلالي لارضنا. ما يجب مناقشته هو اسلوب الاحوازيين في الداخل وفي المهجر في التعامل مع مرحلتين مختلفتين من التاريخ الاستعماري الاحتلالي الايراني في الاحواز.
هل نحن على وعي بما حدث من تغيير على سياسات النظام الاحتلالي و هل نحن جاهزون لمواكبة هذا التغيير النوعي؟