انها حرب ايران الاخيرة، او ما قبل الاخيرة. هكذا تبدو من طهران الحرب السورية الطاحنة التي تخوضها القيادة الايرانية بكامل قواها العسكرية والامنية والسياسية والمالية، وبحماسة غريبة تفوق حماستها لحروب افغانستان او العراق او الخليج التي كانت ولا تزال تدور على حدودها المباشرة او حتى داخل اراضيها.
والاغرب هو ان وجود ايران المباشر على خطوط الجبهات السورية لم يثر حتى الان اي نقاش داخلي بين الايرانيين على اختلاف تياراتهم المحافظة او الاصلاحية او القومية، حول هذا التورط الباهظ الثمن ماليا وسياسيا، لا سيما وان الناخب الايراني الذي يستعد للتوجه الى صناديق الاقتراع الرئاسي الشهر المقبل، يطرح جميع الاسئلة الحرجة باستثناء السؤال السوري الذي يغيب بشكل لافت، ما خلا بعض المقالات العابرة التي نشرت في الصحافة الايرانية في فترات سابقة وتطرقت من بعيد الى كلفة هذه الحرب.
قبل اربع سنوات فتحت ايران، او بتعبير ادق فتح الاصلاحيون الايرانيون ومرشحهم السابق للرئاسة مير حسين موسوي الخاضع للاقامة الجبرية،مثل هذا النقاش علنا خلال حملتهم الانتخابية، التي كان احد شعاراتها الرئيسية هو ” ايران اولا” وجرت ترجمته بالدعوة العلنية الى وقف المساعدات السخية التي تقدمها الدولة الايرانية الى لبنان وغزة، وتخصيص هذه الاموال من اجل خفض معدلات الفقر المرتفعة في ايران، ومن اجل اطلاق مشاريع للتنمية في الارياف الايرانية، واشار عدد من قادة التيار الاصلاحي الى ان الدول العربية الغنية يجب ان تتحمل مسؤولية رئيسية في دعم الشعبين اللبناني والفلسطيني.
الان، وفي حرب سوريا التي يفترض انها اقل قداسة من الصراع اللبناني او الفلسطيني مع العدو الاسرائيلي، يسود طهران صمت مطبق لا يمكن ان ينسب الى تفكك التيار الاصلاحي او القومي المعارض او الى افتقاره للتنظيم والبرنامج والرمز بل والمرشح المناسب للالتفاف حوله في معركة الانتخابات الرئاسية، التي تحتل فيها الازمة الاقتصادية مكانة متقدمة يمكن ان تكون مدخلا على الاقل لطرح السؤال عما انفقته ايران على الجبهة السورية وعما تخصصه من موارد وجهود وجنود ايضا من اجل منع سقوط نظام الرئيس بشار الاسد. والارقام المتداولة تتحدث عما يزيد عن 12 مليار دولار صرفت من الميزانية الايرانية خلال العامين الماضيين من اجل دعم المجهود الحربي السوري ما بين مساعدات نقدية ومشتريات تسليحية ونفطية.
ما يأتي من طهران هذه الايام يقتصر على ذلك الخطاب الرسمي الذي يفيد بان حرب سوريا هي معركة حياة او موت بالنسبة الى النظام الايراني نفسه، الذي يشعر، حتى اكثر مما شعر في خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006، بانه مستهدف بشكل مباشر، من قبل الذين لن يكتفوا بحرمانه من احدى اهم مناطق نفوذه الاقليمي بل سينقلون المواجهة الى الداخل الايراني تحديدا بعد التخلص من بشار.. هكذا يجري تبرير القرار المتخذ مباشرة من المرشد آية الله علي خامنئي بتعبئة الدولة الايرانية ومؤسساتها كافة من اجل القتال مع النظام السوري ومن اجل منع سقوطه باي ثمن.
لم يصدر حتى الان اي اعتراض على هذا القرار الذي بني على حسابات وتقديرات تشبه الى حد بعيد تلك التي بني عليها القرار بالمضي قدما في البرنامج النووي الايراني الذي يتسبب بواحدة من اسوأ الازمات الاقتصادية التي تواجهها ايران منذ الثورة الخمينية. وهو بالمناسبة ما يثير جدلا خافتا حتى داخل القيادة الايرانية وفي محيطها المباشر، اكثر من الجدل الذي يثيره التورط العميق في الحرب السورية.
ثمة من يزعم ان الصمت ازاء هذا الخيار ناجم اساسا عن سلوك باطني ايراني تقليدي، يدرك جيدا ان الحرب السورية ليست باهظة التكاليف فقط لكنها ايضا خاسرة مهما كان شكل نهايتها لكن ايران لم يعد بامكانها الخروج منها. والقيادة الايرانية تتوزع بين شخصيات لا تستطيع فعلا ان تعارض المرشد لانها تسلم تماما بمرجعيته وزعامته السياسية والروحية، او بين رموز لا ترغب في معارضته لانها تترقب ان يكون التورط الحالي في الحرب السورية خاتمة تلك الزعامة، وربما ايضا القاعدة التي سترسى عليها مسألة الخلافة، وتاليا السياسة الخارجية الجديدة لايران.. التي تخضع لاختبار مصيري الان في سوريا.
لذلك يقال ان الحرب السورية هي الاخيرة التي ستخوضها ايران خارج حدودها، دفاعا عن آخر معاقل نفوذها العربي، بعدما خسرت نفوذها الفلسطيني، وفقدت بعد العام 2006 الكثير من نفوذها واستثمارها اللبناني.. مع ان ثمة تقديرا بان العراق سيكون ساحة المواجهة المقبلة، والختامية التي تمهد لتغيير جذري في سلوك النظام الايراني، او ربما في طبيعته.