من أهم ما أبدعه الفكر العربي الأحوازي بعد الهجرة النبوية هو الفكر المشعشعي الذي يعود أساسا إلى سلالة المشعشعيين العربية التي حكمت مملكة عربستان لعدة قرون. ونحن نعلم أن الحركة الفكرية في منطقتنا، بل وفي العالم خلال القرون الوسطى كانت حركة دينية أو متأثرة بالدين حتى لو كانت تتسم بالهرطقة أو المادية، أي أنها لم تتحرر تماما من الفكر الديني إلا خلال عصر الأنوار وما بعده.
قبل التطرق إلى المؤسسين للفكر المشعشعي يجب الإشارة إلى أن الأرض العربية التي نشأت وترعرعت عليها هذه الفكرة هي مملكة عربستان، ثم تحول فيما بعد الفكر الثوري المشعشعي إلى عقيدة دينية يعتنقها حاليا الملايين من البشر.
تأسست مملكة عربستان عام 1436 (840 هجرية) على يد محمد بن فلاح المعروف بالمشعشع واستمرت في ذريته. ويُعد هو ونجله علي بن محمد من المؤسسين والمنظرين للفكرة المشعشعية القائمة على “المهدوية” ومن ثم “الألوهية” والتي تختلف مع الشيعة الإثني عشرية. غير أن ابنه الآخر الملك محسن الذي حكم بعد أخيه علي، قام بتغييرات في الفكرة المشعشعية الأولية ومنحها منحىً شيعيا إثني عشريا.
وقد بلغت مملكة عربستان في عهد الملكين علي ومحسن أعظم ما وصلت إليه من وسعة واقتدار، وقد توفي الملك محسن عام 905 هجري في عاصمته “الحويزة” بعد خمسين سنة من السلطنة. ويقول محسن الأمين في كتاب “أعيان الشيعة” حول الملك محسن المشعشعي: “ولّي بعد أبيه ولقب بالملك المحسن وامتد ملكه بحيث لم يمتد لأحد مثله من ذريته وكان أوصاه والده بتجنب ما ارتكبه أخوه.
تملك الجزائر وما وراءها إلى حدود سور بغداد من جهاته الأربع وأحسن السيرة مع سكان العتبات العالية وخدام الروضات المشرفة، ثم ملك البصرة وشط بني تميم وعبادان إلى الحسا والقطيف، ثم الدورق والسواحل إلى بندر عباس وجميع البنادر إلى حدود فارس، ثم كوه قيلويه ودهدشت ورامهرمز، ثم شوشتر والبختيارية وأكراد لرستان الفيلية وبيات والباجلذانية وبشت كوه وكرمنشاه وسميرا وبهبهان”.
وبعد هجوم الشاه اسماعيل الصفوي على مملكة عربستان المستقلة عام 1509 ميلادي، تراوح وضعها وحتى أوائل القرن العشرين بين الاستقلال والحكم الذاتي الواسع.
ويُعد كتاب “كلام المهدي” لمؤلفه محمد بن فلاح المشعشعي من أهم المصادر العقائدية والفكرية والسياسية للمشعشعيين، وقد كتب هذا الكتاب بعد أن تحول من صفته كنائب للإمام المهدي إلى الإمام المهدي نفسه. ورغم الشوائب النحوية التي يعاني منها النص غير أنه يعتبر نصا هجوميا ناقدا للمذهب السائد ومتعصبا للمذهب الجديد وشارحا لأسباب توجهه للمهدوية.
ويمكن مقارنة كتاب “كلام المهدي” في عصره بالكتاب “الأحمر” للقائد الصيني ماو تسه تونغ في القرن العشرين وذلك من حيث التحريك والتحريض والتهييج، غير أن كتاب “كلام المهدي” لم يُنشر في إيران لأسباب أهمها التعصب العقائدي والعرقي. كما لم يُنشر في الخارج لأنه لا توجد منه إلا نسختان مخطوطتان، واحدة في مكتبة آية الله المرعشي في قم وأخرى في مكتبة مجلس الشورى الإيراني في طهران.
فلم يكتف الابن أي علي بن محمد بن فلاح بالمهدوية بل ادعى خلال فترة حكمه على مملكة عربستان، بالألوهية. لذا يُصنف هؤلاء الإثنان ب”غلاة الشيعة” في التاريخ الإسلامي. وقد انتقلت هذه الأفكار إلى شمال المملكة أي إقليم كرمانشاه، الواقع حاليا في غرب إيران وانتشرت بين الأكراد القاطنين هناك.
كما أنها انتشرت فيما بعد بین الأتراك في إقليم أذربيجان. كما يتواجد البعض من المعتقدين بالعقيدة المشعشعية في مازندران وطهران أيضا. والأنكى في الأمر أن فكرة وعقيدة المشعشعيين ورغم ظهورها في عربستان لم يبق لها حاليا أي أثر في أرض العرب، لا في عربستان ولاجنوب العراق.
ويوصف هؤلاء، أي المؤمنون بألوهية الإمام علي بن أبي طالب في إيران ب”أهل الحق” و” يارسان” و”علي اللهي”، كما يوصفون أحيانا ب”عبدة الشيطان” والدراويش. ولهم تكايا ومراكز عبادة توصف ب”خانقاه” ومعبد رئيسي في مدينة “صحنة” في إقليم كرمانشاه الإيراني.
ويقرب عددهم من مليونيْ شخص في إيران معظمهم ينتمون للفرقة المشعشعية ويوصفون بـ”المشعشعيين” أو “آتش بيكي مشعشعي”. ويبدو أن قسما من علويي تركيا وأفغانستان ينتمون أيضا إلى “المشعشعية”.
ويرى التابعون لهذه الفرقة الدينية المغالية أن الإمام المهدي تجسد في شخصية محمد بن فلاح “المشعشع” وأن علي بن أبي طالب هو الرب الذي تجسد في شخصية نجله علي بن محمد المشعشعي في القرن الخامس عشر ميلادي.
لم يتعرض التابعون لمذهب “أهل الحق” للأذى قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران، لكن بعد أن اتخذت الجمهورية الإسلامية من العقيدة الشيعية الإثني عشرية إيديولوجيا سياسية مرشدة للدولة، تغير الوضع وأصبحوا يتعرضون لشتى الضغوط. إذ تم تهديم العديد من معابدهم واُعتقل الناشطون منهم، بل وشملت الاعتقالات المحامين الذين تولوا الدفاع عن سجناء “أهل الحق”، مما أدى إلى احتجاج منظمات حقوق الإنسان العالمية على انتهاك حقوقهم الدينية. وقد اشتدت الضغوط عليهم في السنوات الأخيرة حيث يرزح حاليا العشرات منهم في السجون الإيرانية.
واحتفاظ الرجال بالشوارب الكثة يعتبر أمرا مقدسا لديهم، وقد أثار تحليق شوارب “كيومرث” أحد المؤمنين بعقيدة “أهل الحق” عنوة في سجن مدينة همدان في أيار/مايو 2013، أثار الاحتجاجات في هذه المدينة الواقعة غرب إيران. إذ قام “حسن رضوي” أحد المؤمنين بحرق نفسه في همدان، وتوفي متأثرا بجراحه.
وقد تكرر الأمر مع شخص آخر منهم يدعى “نيكمرد طاهري” الذي انتحر محترقا في الرابع من يونيو/ حزيران المنصرم. كما تحدث موقع بي بي سي فارسي عن شاب مشعشعي انتحر محترقا يوم 27 من نفس الشهر في ميدان بهارستان أمام البرلمان الإيراني، حيث شهد هذا الميدان وقفة احتجاجية لعدد من هؤلاء حملوا شعارات تندد بقمع المنتمين لأهل الحق منها “لا إكراه في الدين”.