في عزّ الحرب الباردة، كان الانبهار بالاتحاد السوفياتي عظيماً. كان الانبهار هذا، لصعود السوفيات الى الفضاء، ونصرتهم “للشعوب المقهورة”، ومواجهتهم اليومية مع الامبريالية، حتى وصل عدد الحروب التي اشتعلت في نصف قرن حوالى مئة حرب. طبعاً كان الانتصار العظيم الذي حققه الشعب الفيتنامي منارة لكل الشعوب في مواجهة الولايات المتحدة.
هذا الانبهار حجب الرؤية عن معرفة وضع السوفيات ومعيشتهم وطموحاتهم وآمالهم بحياة أفضل، بحيث لا يصعدون الى الفضاء وهم يحلمون بالحرية والكرامة وما يمكن من الحاجات اليومية وأقلّ بكثير مما كان عندهم كماليات ولدى الدول الامبريالية ضروريات يومية تخفّف عن المواطن التعب والحاجة. لذلك كله عندما اكتشف السوفيات “البريستوريكا”، جاء الاكتشاف متأخراً، فانهار الاتحاد السوفياتي وتفكك وأصبحت الشيوعية من فعل الماضي. وجاءت الصدمة خصوصاً في العالم الثالث والدول النامية ضخمة جداً بحيث إن الخلل الذي وقع أدى الى انتاج صعود صاروخي للأصولية والقوميات، فتفككت عوالم باليسر أو بالعسر وبالتفاهم أو الحروب كما حصل ليوغسلافيا.
اليوم، تعيش الجمهورية الاسلامية في ايران حالة شبيهة بالاتحاد السوفياتي في عهد ليونيد بريجنيف. كل يوم تجربة مميزة لصاروخ جديد أو طائرة حديثة أو غواصة، هذا دون التجارب السرية وافتتاح المفاعلات والمراكز لانتاج الوقود النووي المخصّب. الى ذلك، يضاف اتساع رقعة الحروب بالواسطة، التي تؤكد على وجود إيران الاسلامية في كل مكان، وقدرتها على التفاوض من موقع قوة.
الجمهورية الاسلامية في ايران وهي في العقد الثالث من حكم آية الله علي خامنئي، تغزو الفضاء، وتطالب الاعتراف بحقوقها ونفوذها ضمن “الحدود الفارسية الاسلامية التي تمتد من الصين الى أفغانستان فإلى الضفة الشرقية للبحر المتوسط”.
“الاتحاد الايراني السوفياتي”، يخوض اليوم حروباً باردة وساخنة على مساحة المنطقة من اليمن (الحوثيون) الى سوريا مروراً بالعراق ولبنان، زائد بعض التطلعات وحتى التحركات العلنية في منطقة الخليج العربية. طبعاً من حق الايرانيين أن يكون لهم مشروعهم الخاص. وأن يعملوا على إنجاحه بعد أن تراجع العرب وتقدم الأتراك وإسرائيل. لكن ما معنى أن يربح النظام الفضاء والنفوذ الاقليمي ويخسر ايران والايرانيين؟
اسقاط المرشد آية الله علي خامنئي لرفيق دربه هاشمي رفسنجاني، تأكيداً لسلطته في صناعة الأقوياء في الجمهورية وثأراً منه لثلاثين سنة من الاشارات والتصريحات بأنه صعد الى ولاية الفقيه لأنه اختاره وأيّده ودعمه بشهادة منقولة عن الامام الخميني، لا يعرف أحد حقيقتها إلا رفسنجاني.
الزلزال وقع بعد أن رمى رفسنجاني “كرة النار” في أحضان “النظام الخامنئي” كله، ودعا الايرانيين في الوقت نفسه الى عدم التظاهر لأنه يخاف من انفجار واسع، يلجأ خلاله النظام الى تنفيذ سياسة قمعية يبدو وكل ما حدث في “الانتفاضة الخضراء” عام 2009 مجرد مناورة ميدانية، سابقة على المواجهة الكبرى، بحيث تسقط إيران في “السورنة”.
كرة النار” التي قذفها رفسنجاني اقتصادية. أرقامها مذهلة ومن الصعب جداً القول بأنها غير صحيحة أو حتى غير دقيقة”.
ما قاله رفسنجاني، يؤشر الى أن ايران دولة تكاد تعلن إفلاسها إذا استمرت السياسة الحالية القائمة على المواجهة مع الخارج وتكرار ان سياسة العقوبات قد فشلت. رفسنجاني رسم صورة سوداء لإيران، بدايتها في “جبل المشاكل المتراكم” الذي تواجهه بحيث وصل الى درجة ترحّم فيها على “أيام العز في زمن الشاه”. قال رفسنجاني:
“كيف يمكن ادارة البلاد بميزانية فاقدة المصادر”. باختصار يصرخ “شيخ” الثورة والدولة معاً لم يبقَ معنا مال”. في وقت “يجب منح الموظفين زيادة 25 في المئة لمواجهة التضخم وانخفاض سعر التومان من 990 الى 3500 بالنسبة للدولار
إن السيولة النقدية قد تبخرت”، أما سببها فيعود الى “نقل الاموال الى العملة الصينية يوان ومبادلتها بمواد صناعية صينية تحددها الصين، ومن ذلك أن المبيدات الزراعية التي صدّرتها الصين للبلاد أتلفت الزراعة، كذلك فإن الهند التي أخذت نفطنا بسعر زهيد كما لا تدفع لنا ثمنه حتى بالروبية” ويسند رفسنجاني هذا الوضع الكارثي للاقتصاد الايراني بشهادة وزير التجارة وحاكم المصرف المركزي أمام “مجلس تشخيص مصلحة النظام” الذي يشغل المرشح للرئاسة محسن رضائي منصب السكرتير العام فيه.
ان المديونية العامة للدولة الى المصارف وشركات المقاولات تبلغ 200 مليار دولار. ان ايران تعاني من تفكك اجتماعي مما يعني أن البلاد تعيش فوق بركان انفجار الصراعات الاجتماعية.
ان تقسيم ايران ليس مجرد جزء من سيناريو خيالي. يوجد كما يقول “الشيخ” خطة معروضة أمام الكونغرس الأميركي لفصل بلوشستان وأذربيجان”. “تغاضى الشيخ” عن الجزء الآخر من المشاريع المطروحة حول كردستان وحتى الأحواز. من المعروف أن مشروع إقامة بلوشستان الكبرى وأذربيجان الكبرى قديم.
ربح المرشد آية الله علي خامنئي معركة ضد رفيقه آية الله هاشمي رفسنجاني، لكنه خسر الحرب، لأنه عندما يصطدم أي نظام بجبل جليد من حجم الأرقام المعلنة وإمكانية أن يكون الجزء غير المرئي أضخم بكثير، قد يتولى أحمدي نجاد الكشف عنه، تكون ترجمة ذلك فوراً أن النظام وصل الى المرحلة “البريجينيفية” حيث كل مركز قوة يبحث عن موقع له، وفي مقدمة كل هؤلاء “الحرس الثوري”.