كانت منطقة عبادان وما تبعتها من مدن وقرى في اقليم الأحواز ومنذ بداية العصر الزراعي من المناطق الأولى عالميا التي تعرف بالمناطق الزراعية ومن ثم الحضرية. وذلك على أثر تطور الزراعة بكافة اشكالها وزراعة النخيل بشكل خاص، ودورها في تطور حياة سكان المنطقة وما جاورها. وعلى مر العصوركان يتغنى سكان عبادان والمحمرة والفلاحية بجمال مدنهم ويكتبون الشعر ويعزفون موسيقى الحب، بزلال ماء كارون، وجمال نخيل بلادهم، ولذة ثمرات أنواع التمور، ودفيء كوانين بيوتهم التي لا تخلى عن زينة النخيل وكرمه.
ويصف العالم الشهير ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” منطقة تدعى بـ “منطقة السواد” على أنها منطقة شاسعة تبدأ من عبادان وتمتد نحو الشمال الغربي حتى تصل الى مدينة حديثة في الموصل، وعرضها من القادسية حتى حلوان.
وفي جغرافيا الأحواز في العصر الحديث واليوم، تشمل منطقة السواد مدن ومناطق كبيرة في الأحواز مثل المحمرة وعبادان والفلاحية وغيرها وأجزاء واسعة من العراق. وعن تسمية المنطقة بمنطقة السواد، يقول الحموي؛ سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنه حين تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت: ما ذلك السواد؟ وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر.
وتصدر مدن عبادان والمحمرة والفلاحية أنواع التمور إلى كافة مدن إيران وكذلك الى بلدان أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة، وروسيا، وأستراليا، والتشيك، وطاجيكستان، وسنغافورة، وبولندا، وكازاخستان، وتركيا، ورومانيا، وكندا.
ولكن يبدو أن سياسات دولة إيران مستهدفة النخيل حتى تقلع أصحاب النخيل من أرضهم. وتحدث حرائق في مزارع النخيل بين حين وأخر، ويؤكد ذلك عباس بابي زادة عضو لجنة الزراعة في البرلمان الايراني حيث قال ان 70 بالمائة من الحرائق تحدث سهوا، بمعنى أخر أن 30 بالمائة من الحرائق تحدث عمدا، وبتدبير مسبق كما يحدث الان في منطقة هور العظيم حيث يحترق قصب الهور ليل نهار دون أي اهتمام من قبل دولة ايران وتسببت حرائق الهوار بنزوح السكان من العرب في مدن الخفاجية والحويزة والبسيتين والحميدية وغيرها من قرى!
كما يقول مسعود لطيفيان رئيس مركز بحوث النخيل وثمراتها ان دخول مياه البزل الناتج من مزارع قصب السكر في نهر كارون وتلويث الماء الزراعي بمواد كيماوية يقلل من كيفية الثمر أي التمور، ويعلل ذلك الى بناء السدود وانحراف المياه ودخول مياه الخليج العربي في نهر كارون، ويردف أن اذا استمر الوضع على هذه الوتيرة لن تبقى نخلة واحدة خلال عشر سنوات القادمة. والمعنى الأخر لهذا الكلام أن الوجود العربي التاريخي في هذه المنطقة بات مهددا أكثر من سبق.
من جهته صرح محمد سعيد نصاري مندوب عبادان في البرلمان الايراني ان 2 مليون نخلة ماتت خلال الحرب الايرانية العراقية، ومليونين أخريين ايضا ماتوا على اثر شحة المياه وكثرة تلوث المياه بالملح.
وحسب قاسمي نجاد أحد مسؤولي دائرة الزراعة في الاقليم ان 43 الف هكتار من بساتين لنخيل تعيش الموت البطيء.
ويكشف عن الشأن المتخبيء في سياسة اعدام النخيل، مسعود اسدي امين عام “نقابة بيت الفلاح”، حيث يقول وخلال لقاء صحفي ان هناك نوايا غير معلنة فيما يتعلق بتغيير زراعة الإقليم ومحاولات لحذف النخيل من بساتين الاقليم واستبدالها بزراعة قصب السكر. ويؤكد أسدي ان 80 بالمائة من مشكلات النخيل ترجع الى عدم توفير المياه الصالحة للزراعة. ويستطرد ان اذا خيرنا بين زراعة قصب السكر والنخيل، على العقلاء ان ينتخبوا الافضل، في اشارة مبطنة لإنتخاب الفلاحين النخيل، حيث النخيل لا يخلف مواد مضرة للبيئة ولا يصرف مياه كثيرة كما الحال في مصارف قصب السكر، وأن النخيل بمثابة الحياة وإستمرار بيئي واقتصادي وجمال حضارة العرب المستهدفة من قبل الكيان الفارسي في الأحواز.
يبدو أن سياسات النظام الحاكم في إيران لا يروق لها كل ذلك التاريخ العامر لسكان المنطقة ودورهم في بناء الحضارة البشرية، وتعمل طهران ومنذ إحتلالها لهذه المنطقة في الربع الأول من القرن الماضي، تعمل على تغيير هذا الواقع الجغرافي والاجتماعي بطريقة هجومية همجية وأحد أبر مشاريعها الهجومية ألا وهو مشروع زراعة قصب السكر على أرض العرب المغتصبة.
وتطورت الحملات حيث أخذت منحى خطيرا، وهو تغيير هوية المنطقة على البعد الزراعي، تطمح طهران بذلك فك الرابط الترابي والبيئي والزراعي والبشري وقطع الارتباط السايكولوجي، بين سكان المنطقة الأصليين أي العرب الأحوازيين والدول العربية المجاورة، وعلى وجه الخصوص يتم فصل هذا الإرتباط المناخي والزراعي الطبيعي مع العراق، حتى تتكون هوية جديدة في منطقة الأحواز لا تعرف ولا تعترف بالماضي والتاريخ الحضاري للمنطقة، حيث الهوية المنشودة حسب وجهة نظر المنظرين الفرس يجب أن تكون هوية فارسية بإمتياز، تطرب لزراعة قصب السكر بدلا عن النخيل، وتحتفل بتاريخ نزول الفرس في المنطقة، وتساهم في طمس ما قبل ذلك من حضارات وتاريخ منير، عاشه سكان المنطقة قبيل نزول الفرس.
بات معلن أن الهدف الرئيسي من عملية إعدام النخيل وزراعة قصب السكر ما هو إلا جزء من عملية تغيير هوية المنطقة لصالح الوافدين من اقاليم فارسية، وفي إطار ترجمة وتكوين مفهوم “أمة الفرس” على أنقاض حضارة العرب في الأحواز.
يا لها من عملية دموية حيث أخذت عملية تكوين “أمة الفرس” منذ القرن الماضي لحد اليوم أخذت الملايين من القتلى من بين الأحوازيين والشعوب غير الفارسية في ايرن، ومن الشعوب العربية في العراق وسورية واليمن ولبنان وغيرها من بقاع الأرض، وتسببت بجفاف مناطق زراعية وشردت الألاف من مدنهم، وهجرت قرى وطمست ثقافات وألسن ولهجات. واليوم تريد أن تقضي على ما تبقى من ألسن وهويات غير فارسية متحدية القوانين الدولية وساحقة للأخلاق السياسي، وغير مكترثة لكرامة الإنسان.