كانت قد استبشرت الشعوب في (إيران) الخير من ثورة عام 1979 وتفاءلت بها كثيرا. ظنا من هذه الشعوب بانها إسلامية تؤمن بالحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية. وبغض النظر عن السلوك الإجرامي والدموي لهذه الثورة بحق الشعب العربي الأحوازي والشعوب غير الفارسية الأخرى. ومازال الأمل يراود شريحة من الطبقة الواعية في الأحواز بالمشاركة في الحراك السياسي والثقافي.
وهذه المشاركة السياسية يمكن مناقشتهامن خلال وجهتي نظر مختلفتين وجهة نظر مبدئية، تعتبر المشاركة السياسية في الأحواز لاتتم في ظل الاحتلال إلا من خلال الإذعان لهو لمؤسساته ثم الدخول في العملية السياسية تحت اشرافه، كالمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجالس البلدية ومجالس الشورى في المدن والقرى.
وعندها يُعد الدخول في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات اعترافا بالسيادة الفارسية على الأراضي الأحوازية المحتلة واعترافا بقانون دولة الاحتلال. وبالتالي إعطاء شرعية وغطاء سياسي للنظام الفارسي في الأحواز وفي نفس الوقت يضفي المشروعية المفقودة على تصرفات وأفعال الاحتلالفي الأحواز. والوجود الفارسي في الأحواز ما أحوجه منذ بداية الاحتلال، لأخذ هذه الشرعية التي بقي متحسرا عليها بفعل المقاومة ورفض الشعب الأحوازي للسيطرة الفارسية على الأحواز ومقدراتها.
ومازالت تنقصه الشرعية والغطاء السياسي لتبرير افعاله وحكمه في الأحواز للشعب الأحوازي أو اثناء تعاطيه الدبلوماسي والسياسي مع الدول الأخرى. وإن بدأ لعامة الناس إن النظام الفارسي لا يحتاج إلى شرعية وغطاء سياسي من الشعب الأحوازي، حتى يحثه على المشاركة في الحياة السياسية. ولكن الواقع عكس ذلك تماما.
فالنظام يفتقد للشرعية والغطاء السياسي لأنه نظام احتلال فيحتاج الى دمج الشعب العربي الأحوازي في الحياة السياسية المزيفة وصهره في بوتقة الثقافة الفارسية والهاء الشعب في هذا الحراك الزائف وثنيه عن المطالبة بحقوقه وتحقيق أهدافه المشروعة. ايضامن خلال هذه المشاركة، يعطي النظام الفارسي انطباعا للعالم الحر بوجود تأييد ودعم شعبي له. مما يمكنه أن يضفي الكثير من المشروعية على سياساته الإجرامية في الأحواز.
كما أن المشاركة السياسية حتى وإنبدأت للشعب انه يستطيع من خلالها جني بعض المكاسب الضئيلة فيما يخص الحقوق المدنية والسياسية،فإنها خطيرة على المدى الاستراتيجي باعتبارها تغطي على المشاريع الضخمة – مشاريع الاستيطان وتغيير الديموغرافية وحرف مجرى الأنهر.
وتؤسس لروح تقبل الحكم الفارسي والتعاطي معه. لذلك دخول العملية مرفوض لأنها لا تغير من الواقع السياسي والاقتصادي في الأحواز مادام الاحتلال جاثما على صدور الشعب ومستمرا في نهب ثرواته.
ولكن في المقابل إن الرؤية الذرائعية (البراغماتية) ترى عكس ذلك تماما حيث انها لا ترى حاجة للنظام الفارسي لأخذ شرعيته من الشعب الأحوازي ولا حاجة لغطاء سياسي او اعتراف بسيادته على أرض الأحواز، حيث الوجود الفارسي بات واقعا في الأحواز وأيضا الدول الأخرى تتعامل مع الدولة الفارسية باعتبار الأحواز جزءا منها.لذلك طالما عن طريق مقاطعة الحياة السياسية والانتخابات لا يستطيع الشعب الأحوازي أن يحقق ما يرنو إليه، من الحكمة أن يشارك الشعب وعلى رأسه الطبقة الواعية في الحراك السياسي الحاصل من أجل تحقيق بعض المكاسب حتى وإن لم ترتق الى مستوى طموح الشعب وحقوقه الجوهرية التي يتوق اليها وينتظرها منذ بداياتالاحتلال. وفترة رئاسة محمد خاتمي (الإصلاحي) تعتبر دليلا ساطعا على النجاح الذي حققته الطبقة الواعية والمكاسب التي جنتها حتى وإن عاد النظام مرة أخرى وقضى على هذه المكاسب وشخوصها ولكن هذا لا ينفي الحقائق على أرض الواقع آنذاك ونتائجها.
حتى يستطيع الإنسان الأحوازي أن يحسم أمره من العملية السياسية، ويتخذ المكان الصحيح ويأخذ الاتجاه الصائب. يجب عليه أن يجيب على سؤال جوهري يطرح وباستمرار في الساحة. هل الشعب الأحوازي وفي مقدمته الطبقة الواعية، يعتبر نفسه في مرحلة نضالية حتى يتبنى خيار المقاطعة ورفض المشاركة وفي نفس الوقت الدعوة الى النضال ضد الاحتلال من أجل تحقيق مطالب الشعب وأهدافه الجوهرية وعلى رأسها تحرير الأحواز وتشكيل الدولة الأحوازية. أم إن الشعبرضخ لأمر الواقع وتقبل الحكم الفارسي واعتبر نفسه جزءا من نسيج الدولة الإيرانية،فيدخل في العملية السياسية الشكلية كالشرائح الأخرى من المجتمع الايراني من أجل تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية لفتراتمؤقتة نسبيا.
الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدد هل المشاركة في الحياة السياسية مجدية للإنسان الأحوازي ومفيدة أمانها غير مجدية ومضرة ويجب مقاطعتها وانتهاج طرق أخرى غيرها.وبشكل عام ونتيجة للتجارب التي حصل عليها الشعب العربي الأحوازي من خلال تعاطيه المستمر واحتكاكه بالفرس وسياساتهم يبدو أنه أصبح ينتهج المقاطعة شيئا فشيئا كخيار للرفض والمجابهة لابد منه.