عرف بعض فقهاء القانون الدولي حق تقرير المصير بأنه:” حق أي شعب في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله والسيادة التي يريد الانتماء إليها”، وضمن القانون الدولي هذا الحق للشعوب على أساس المساواة بين الناس ، لذلك كان هذا المفهوم مترابطا مع مفاهيم أخرى لها ذات الهدف مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ، حيث أن تقرير المصير لا يكون حقا في ظل هيمنة غاشمة أو عند تواطأ الدول بحسب مصالحها على طمس آليات الشعوب المسلوبة الحق وأدوات وجودها .
وأطلقت الثورة الفرنسية مبدأ تقرير المصير في أوربا من اجل الأفراد والشعوب والأمم التي من حقها أن تقاوم ألاضطهاد و تتمتع بالحرية ثم تحدد أوضاعها الداخلية والدولية بما يناسب إرادتها، فكانت فكرة الاقتراع العام ، ولاحقا وبسبب مطامع القوى الاستعمارية وتعمدها الضبابية والتمييز في تفسير هذا الحق لا سيما في شأن منح الشعوب غير المستقلة استقلالها ، كان أن ضعف لحد الإنكار لوجوده قانونيا ، مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة الطلب من لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 421 الصادر عام 1950 وضع توصياتها حول الطرق والوسائل التي تضمن حق تقرير المصير للشعوب ، كما نصت في قرارها رقم 545 الصادر عام 1952 على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مادة خاصة تكفل حق الشعوب في تقرير المصير فكانت المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد حق تقرير المصير للشعوب ، ونصت المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن “لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير ولها استنادا إلى هذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وان تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
وفي العلوم السياسية فان تعريف مصطلح حق تقرير المصير يشير إلى ” حق كل مجتمع له هوية جماعية متميزة مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرها في تحديد طموحاته السياسية ومن ثم بناء النظام السياسي المفضل من اجل تحقيق هذه الطموحات بدون تدخل خارجي أو قهر من قبل دول أو منظمات أجنبية”. وفي تعريف آخر هو ” حق كل شعب في حكم نفسه بنفسه واختيار نظامه السياسي ومستقبله اختيارا حرا علي أن يكون هذا الشعب مقيم في ارضه بصورة مستمرة”.
ومن النماذج الدولية عن تطبيقات حق تقرير المصير نموذج أستقلال إرتيريا عن أثيوبيا 1993م ، واستقلال تيمور الشرقية عن اندونيسيا عام 1999م ، وكوسوفو عن يوغسلافيا 2008م
وأخيرا أقليم شبه جزيرة القرم الذي صوت شعبه في السادس عشر من مارس 2014م على حق تقرير المصير غير آبه بتهديدات الولايات المتحدة والغرب والدولة المهيمنة على استقلاله (أوكرانيا) ، وإلى حالة القرم تحديدا يجب أن تنظر شعوب الأرض (المحتلة) وهي في القرن الواحد والعشرين بعين ثاقبة متأملة لمجريات الأمور التي منحت هذا الشعب القدرة على أتخاذ قراره في تقرير المصير في ظل كل هذه الظروف الدولية المعقدة وصولا لتهيئة شعبنا العربي في الأحواز العربية لإتخاذ الوسائل والسبل القانونية لبلوغ حقه في تقرير المصير وفقا لما يعنيه تاريخه الحديث من أستقلال وإرادة ليحكم نفسه .
نعم فالشعب العربي الأحوازي ذو العشرة ملايين مواطناً وأكثر ، له الحق قانونيا وسياسيا وإنسانيا ، في إعمال مبدأ حق تقرير المصير ، بعد احتلال إيراني ممتد منذ عام 1925م. إن مقارنة بين واقع شبه جزيرة القرم والأحواز يجعل من إستحقاقات المبادئ الدولية لحقوق الإنسان ، أكثر واقعية وإستحقاقا للحالة الأحوازية منها إلى حيثيات تاريخ الحالة في القرم ، فالأحواز كانت إمارة عربية مستقلة بمساحة بلغت 350 ألف كيلومتر مربع، متمتعة بالأمن والسلم والاستقلال السياسي المدعوم بعلاقات داخلية وخارجية بزعامة الأمير خزعل الكعبي الذي أمتد حكمه للإقليم منذ 1896، حتى 1925م ، كما كانت ذات سطوة على مناطق واسعة رأس الخليج العربي من جانبيه بالإضافة إلى حضورها وتداخلها الإنساني والأجتماعي والسياسي الخاص مع العراق ، حتى أن أميرها الشيخ خزعل الكعبي ، كان أحد أقوى المرشحين لملك العراق عام 1920 لولا المصالح الأستعمارية الفرنسية البريطانية آنذاك ومحاولة الأنجليز معالجة رفض الفرنسيين لحكم فيصل بن الحسين لسوريا فكان أن عالجوا هذا الأمر بتســــــــــــييره لملك العراق .
الأحواز إذن ، كانت إمارة قوية وغنية ومهيوبة الجانب في الأقليم ، ولم تكن لها مشاكل مع أي طرف من أطراف النزاع في المنطقة في تلك الحقبة ، فالانكليز كانوا يقدرون إلى درجة كبيرة قوة وهيبة أميرهم ، كما كانت دول الخليج غير موجودة على الخارطة السياسية ، أما العراق ، فقد كان يمثل أمتدادا للأحواز بقدر ما يمثل لها صمام أمان وإنتماء وولاء عربي ذو كيان متحضر ،أما إيران فكانت تنظر تاريخيا لهذه المنطقة نظرة المتربص بفريسته ، وكانت تتحين الفرص للحصول على هذه اللقمة الغنية بكل مفردات هذه الكلمة من معنى ، لذا كانت علاقتها بالإمارة العربستانية تأخذ فيه جانبا كبيرا من الحذر والمكر بآن واحد مع سمة عدوانية غالبة عبر التاريخ.
إن الفرصة التاريخية التي غيرّت وجه المنطقة ، بل وغيرّت بوصلة التوجهات الأوروبية في المنطقة العربية ، وفي العالم ، هو ظهور المارد الشيوعي عبر الثورة البلشفية في روسيا وتأثير المد الأحمر على عموم العالم الغربي ، وكانت هنا الحاجة لإيران ولتقوية النظام الحاكم فيها وكسب ولاءه من أجل أن تقف حاجزا أمام المد الشيوعي تجاه الخليج العربي والشرق الأوسط ، ولم يفوت شاه إيران الفرصة حينما توجهت بريطانيا العظمى له بطلب مشاركة العالم الرأسمالي التصدي للمارد الروسي الخطير عقائديا علىالعالم كله (بحسب المنطق البريطاني حينها ) ، لقد طرح على رأس مطالبه ، إمارة عربستان ثمنا للتحالف مع الغرب وبناء السياج العازل للشيوعية القادمة بقوة من شمال بلاده فكان له ذلك بعد أن رتبت له مكيدة خسيسة بأمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي فاحتلت عربستان في خرق فاضح للقانون الدولي ولمعاهدات عصبة الامم .
ورغم حصول كل شعوب المنطقة علي استقلالها في خمسينات وستينات القرن الماضي إلا أن إيران بعهود الشاهنشاهيات ثم خلال حكم الملالي الحالي لم يتحدث أحد في العالم عن الشعب العربي في الأحواز ، وبات ضمها لإيران وكأنه أمر واقع تتجنب كل المحاضر الرسمية الدولية التطرق إليه، رافق ذلك ، ومازال حملة تفريس شديدة وبعنصرية بغيضة لطمس الهوية العربية للأقليم ، قاومها الشعب العربي بما لا يقل عن 20 أنتفاضة قدموا من خلالها مئات الآلاف من الشهداء ، ورغم أن الأحواز تساهم بأكثر من 89 بالمئة من مقومات الأقتصاد الإيراني بما تحويه من جل آبار النفط والغاز وكذلك الإنتاج الزراعي الأقتصادي النشط، إلا أن أبناء الشعب هناك يعيشون أقسى الظروف الأقتصادية ، ويعد مستوى معيشة الناس هناك أدناها في كل إيران ، كما تمنع الحكومة في طهران أي مظهر من مظاهر الأنتماء العربي وتعاقب بالموت و أقصى العقوبات لمن يحاول أن يكرس العربية ، لغة أو تاريخا ، في مفردات التعليم أو السلوك الأجتماعي والرسمي من قبلها .
لا أريد في هذا المقال أن أسرد تاريخ الاحواز العربية بقدر ما أردت أن ألفت عناية أمتنا العربية بشكل عام وشعبنا المناضل الصابر في عربستان استثمارا لتجربة القرم ، على القوى والمنظمات التي تقاوم الأحتلال الأيراني لإرض عربستان ، أن تدرس بعناية عناصر الخروج إلى فضاء الحرية بعيدا عن القبضة الفارسية القاتلة ، ولعل أولى هذه العناصر وجود دولة عظمى مويدة ، لا بل مساهمة في تبني مشروع (تقرير المصير) ، وهذا لن يأتي حبا لإبناء الأقليم أو نصرة لهم ، بل هو مقايضة مصالح بإخرى ، والأحواز كما ذكرنا إقليم ملـــــــــيء بما يسيل له لعاب الدول الكبرى ، ولا وجود لمد شيوعي أو عقــــــــائدي قادم من الشمال ، فالفرصة يجب أن تستغل ، لكن يجب أن يكـــــــــــون لكم موقف واحد ، وسلمي ، ومبني على مفردات القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة وحقوق الانسان وأولها ” حق تـــقرير المصير “.