إن مشكلة الشعب الأحوازي ليست مع نظام بحد ذاته، بقدر ما هي مع الدولة الإيرانية. فجميع الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في إيران منذ اغتصاب الأحواز عام 1925 وإلى اليوم جميعها تنهج نهجًا واحدًا في تعاملها مع الشعب الأحوازي، وقد توافق على هذا النهج جميع الأطراف الإيرانية بما فيها المعارضة بجميع أيديولوجياتها، وحتى المؤسسة الدينية المتمثلة بما يسمى الحوزة.
وهذا دليل على أن هذا التوافق على التعامل مع القضية والشعب الأحوازي بهذه الطريقة العنصرية، نابع من رؤية الدولة والنظام فيها مطبق لهذا النهج الهادف إلى محو الهوية العربية للشعب الأحوازي وبوتقته في الدولة والشعب الإيراني. أما خيارات الشعب الأحوازي، فإن سياسة الاضطهاد العنصري والطائفي التي شملت جميع مناحى حياة هذا الشعب المكبل بالاحتلال والفاقد لأبسط أنواع الدعم المعنوي والسياسي من قبل المجتمع الدولي، كانت خيارات محدودة، ولكنه تمكن أن يتغلب على هذا الواقع، واستطاع أن يثبت للغاصب الإيراني أنه شعب حي ولا يرضخ لإرادة غاصبيه، وقد عبر عن حيويته ورغبته بالتحرر من الاحتلال الإيراني بعدة وسائل، فتارة كانت عن طريق الانتفاضات الشعبية وتارة أخرى عبر المقاومة المسلحة التي لو حظيت بدعم، لكانت اليوم لا تقل قوة عن باقي حركات المقاومة التي تشهدها باقي الأجزاء المحتلة من الوطن العربي.
فعلى الرغم مما لقيته معاناة الشعب الأحوازي من تعتيم و تجاهل إعلامي وسياسي كبير، إلا أن هذا التعتيم لم يمنع الحركة الأحوازية من كسر الطوق الإعلامي المفروض على قضية ومعاناة الشعب الأحوازي، وإيصالها إلى العالم. فالحاجة للدعم الإعلامي العربي والدولي تبقى قائمة ولا يمكن الاستغناء عنها ونحن نعمل بكل جهد لإقناع المجتمع الدولي بضرورة تسليط الضوء على القضية الأحوازية وهذه المحاولات بدأت تأتي ثمارها. وهذا ما جعل النظام الإيراني يصاب بهستريا الكذب سعيا في تغيير الحقائق الواقعة في الأحواز. وقد زادت تلك الهستريا بعد انعقاد المؤتمر الدولي الأول لنصرة الشعب العربي الأحوازي الذي انعقد في القاهرة في شهر يناير الماضي، والذي استطاع من مصر (قلب الأمة العربية النابض)، أن يوصل صوت الشعب الأحوازي إلى الرأي العام العربي والدولي في سابقة هي الأولى من نوعها.
لقد استطاع الشعب الأحوازي أن يقاوم سياسة الفرسنة ويحافظ على عروبته بعد أن فقد سيادته على أرضه ونفسه. والدافع وراء ذلك تمسك الأحوازيين واعتزازهم بهويتهم وأصالتهم العربية والإسلامية. فبالرغم مما واجهه الشعب الأحوازي من بشاعة الاضطهاد والتمييز العنصري، بدأ بعزله عن محيطه العربي وليس انتهاء بحرمانه من حقه بالتعلم بلغته العربية، إلا أنه أصر على أن يواجه مصيره بنفس وانكب في الحفاظ على هويته من خلال التمسك بالعادات والتقاليد وإحياء التراث العربي والإسلامي الأصيل.
وذلك في ظل ظروف هي أكثر من سيئة، بل إنها دخلت المأساة، حيث يعاني هذا الشعب إضافة إلى حرمانه من أبسط حقوقه القومية، فهو محروم بالأساس من حقوقه الإنسانية، فتفشي البطالة وفقدان الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى، علاوة على ذلك تفشي ظاهرة الإدمان على المخدرات بسبب تعمد السلطات الإيرانية السماح لتجار المخدرات بالنشاط في الأحواز وبيع سمومهم بأرخص الأثمان، ناهيك عن القمع السياسي وحملات الاعتقالات وعمليات الإعدام العلنية ضد المناضلين الأحوازيين في الساحات العامة، تحت مسمى معاقبة (الأشرار)، وإلى ذلك من أساليب الإرهاب والاضطهاد المتنوعة.
واليوم إذ تستعد إيران لإجراء مسرحية الانتخابات الرئاسية، فقد لجأ نظام الملالي إلى مغازلة بعض الرموز العشائرية والدينية الأحوازية وتقديم بعض المغريات كعادتها لشراء ذمم الضعفاء منهم على أمل إشراك الأحوازيين في مسرحيته الانتخابية ليظهر للعالم أن الأحوازيين مقتنعون بأوضاعهم ويشاركون النظام مشاريعه السياسية.
ولولا تخوف النظام الإيراني من تصاعد النشاط الأحوازي داخليًا وخارجيًا، لما كان بحاجة إلى إعطاء الرشاوى لكسب المناصرين، أو ممارسة القمع على أمل وقف النشاط الأحوازي المناهض لسياسته. فما بات يخيف نظام طهران الأخيرة، هو التصور الذي سوف تئول إليه أوضاع الأحواز بعد سقوط بشار الأسد والذي سوف يتبعه تغير للخارطة السياسية في المنطقة العربية عامة يجعل إيران الخاسر الأكبر، وينقلها بعد أن عاشت لثلاثة عقود من الزمن في موقع المهاجم المعتدي إلى موقع المتراجع المنهزم الذي يتوقع له أن يواجه أسوأ الاحتمالات، وأولها خروج الأحواز وباقي مناطق الشعوب غير الفارسية من قبضته.