تبقى شرارة الإنتفاضة النيسانية مستعرة في الأحواز ومضيئة الطريق أمام الأجيال الواعدة والآخذة نحو تحديد مصيرها الواعد بالتحديات والمواجهات الصعبة .
لم تكن إنتفاضة نيسان اولى الإنتفاضات الأحوازية, ولن تكون الأخيرة , فطالما إستمر النظام الإيراني بسياساته الهوجاء والمريضة وتداعياتها الخطيرة, فإن مسيرة رفض الواقع المذل والمهين للمواطن الأحوازي والتصدي لها ومقاومتها ستضل متواصلة , وفاعلة , وماضية نحو الأمام , وإن تخللها فترات من الهدوء والركون.
إن انتفاضة نيسان تشكل تعبيرا ومنعطفا عن مرحلة جديدة في تاريخ القضية الأحوازية في ضوء ما آلت إليه سياسات النظام العنصرية والفاشية القائمة على تجريد الفرد والمجتمع الأحوازي من هويته وحقوقه التي لطالما ناضل ودفع ثمنا من اجلها , ليسترد جزا يسيرا منها , لذلك سيكون لها بصماتها الواضحة علي مسيرة النضال , ليس في بعده الأحوازي فحسب لكن في بعده الإقليمي والدولي ايضا.
إن الطريق محفوف بالاشواك والمخاطر , وعر , وفيه الكثير من الصعاب والتحديات وآخذ بالتشعب في معالجته للامور الهامة والمصيرية إيضا. ذاك الواقع الذي يفرض نفسه على مجريات الامور والاحداث .
يزداد الشعور اليوم بالإخفاق بقدر ما تنقص القدرة العقلية والنظرية على الإحاطة وفهمه وتفسيره وتحديد عوامل معالجته والخروج منه , فان ضحالة الفكر الذي نعاني منه اليوم لا تنبع من عدم وجود موضوع يجب التفكير فيه بل في فقدان إمكانية وادوات وطرق التفكير الصحيح الذي يستند إلى المنطق والواقع .
فأحد أشكال هذا الإخفاق ألرئيسية هو أزمة النخب , حينما تعجز تلك , عن رسم خطوط السير والنهوض للفرد والمجتمع الأحوازي , اللذان هما بأمس الحاجة اليهما , الحاجة إلى هوية إجتماعية والحاجة إلى الإنتماء , وهما حاجتان انسانيتان بإمتياز.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا, هل مازالت النخب قادرة على استيعاب الامور الشائكة والمتشعبة التي يواجهها المجتمع الأحوازي بكافة اطيافه ومكوناته , او إنها غير آبهة بذلك وسائرة في طريق القاء المسؤولية على الآخر وتبرئة الذمة , والإتهام , والتهرب من الإعتراف والنقد الذاتي , كوسيلة للتملص من واجباتها الوطنية .
سؤال أظنه بات شديد الأهمية في هذه الفترة تحديدا, حيث يشهد مجتمعنا تغييرات خطيرة واسثنائية تكاد تطال كل شئ , على ان السؤال الأهم , كما أظن هو التالي :
هل ثمة دور للنخب والمثقفين في التغيير الذى عليه ان يحصل في المجتمع؟ وهل هم معنيون بتفاصيل هذا التغيير بوصفهم مواطنين وأفراد لهم ما لكل أفراد مجتمعهم وعليهم ما على الآخرين؟
هل هم يعوا , إن المجتمع الأحوازي وتكوينته القبلية والطبقية تعد حاضنة جيدة وعامل لكل ما هو من شأنه ان يكون مشتت اللحمة والوحدة الوطنية وتماسك المجتمع .
من البديهي القول , ان النظام الشمولى والمستبد الحاكم في ايران إستطاع خلال العقود الماضية تهميش دور المثقف الحقيقي أو دور النخب الثقافية عموما , ولعب في الوعي العام على مفهوم “النخبة” حين حوله من صفقة لمجموعه قادرة على التأثير والتغيير في بيئتها , إلى صفة لمجموعة تمارس التعالي علي الشعوب واللامبالاة على قضاياها المصيرية.
هذا التلاعب الذي اشتغلت عليه ذهنية الاستبداد العنصري والمذهبي , ساهمت فيه النخب نفسها أيضا حين استسلمت لما يحدث واكتفت بمراقبته ونأت بنفسها عنه بذريعة العجز او ضبابية الموقف, تاركة المجال والساحة لمن يريدون فرض الواقع الذي يريده النظام فرضه على المجتمع , وبالتالي يكونوا اعوانا له ولسياساته الشوفينية والعنصرية في بقاء الشعب محكوم بقوة القمع والإضطهاد السياسي والإجتماعي والإقتصادي , بما لا يتيح له إنتاج نسق حياتي جديد يمكَنه من تحقيق أحلامه وتطلعاته ورؤاه الخاصة به كشعب .
و لعل الاختبار الأكبر للنخب الأحوازية جاء مع إنطلاقة إنتفاضة نيسان في العام 2005 , تلك الإنتفاضة التي تحولت إلى حركة تغيير مذهلة , وجاء هذا التغيير في زمن لابد منه, بعد سنوات من الركون إلى الواقع بصفته أمرا حتميا لايمكن تغييره الا بحراك نحو الامام مستندا على العمل المؤسساتي المدني المنقطع النظير.
يبدو أن جاء إخفاق النخب يعبر عن عجزها عن فهم المتغير الزمني الذي أوصل الشباب الأحوازي إلى درجة وضع الموت والحياة في كفة واحدة ثمنا للتغيير المطلوب وللتعبير عن رفض الواقع المرير الذي يعيشه كل لحظة ويشعر به , كما جاء هذا الاخفاق ليعبر عن عجزها كما أسلفت, من استيعاب هذا الواقع؛ أن تجربة الانتفاضة النيسانية أثبتت أن تجارب الشعوب لا تتشابه دائما حتى لو كانت شروطها السياسية والإقتصادية والإجتماعية متشابه .
كما جاء اخفاق النخبة حتى يعبر عن عدم قدرتها علي إستيعاب , كم المتغيرات التي طرأت على الشعب العربي الأحوازي و على نمط تفكيره بسبب التأثير المباشر لعقود من القهر والظلم والاضطهاد عليه , والذي مازال يمارس ضده , اذ كان محفزا هاما في إنتفاضته النيسانية .
أما عجز النخب الأكبر فهو في قدرتها على مجاراة الشارع الأحوازي والإنضمام اليه , وبالتالي تشكيل نواة تنويرية لقيادته وتنظيم حراكه وانتقاله من مرحلة الفتور والوهن إلى ديناميكية نشطة مجددا, كي تجعل هذه النواة الانتقال إلى التغيير المأمول ممكنا , وتجعل نتائجه قريبة من أحلام الشعب وطموحاته ايضا, لا أن تنحرف وتنجرف إلى مسار آخر و تعيد إنتاج نفس الإستبداد والشمولية والتخلف بآليات أكثر تخلفا وظلاما , حتى يدفع هذا الأخير نحو إنسداد كل أفق جديد للخروج من الأزمة العميقة التي يمر بها الحراك الأحوازي اليوم.