ظل القادة الإيرانيون طوال العقود الثلاثة الماضية وهم ينفون باستمرار ما يقال عن نواياهم التوسعية في المنطقة العربية, ويعدونه مجرد شائعات تروجها الدوائر الإعلامية الغربية والإسرائيلية, وأعداء الجمهورية الايرانية من العرب المتحالفين مع الغرب, وكذلك ما يطلقون عليه الإعلام (الوهابي) الهادف لتشويه صورة الجمهورية الايرانية وضرب الوحدة الإسلامية على حد زعمهم.
وقد انساق وراء هذا النفي الإيراني وروجه جماعات إسلامية وقومية عربية تمولها طهران, وكانت هذه الجماعات اكثر إيرانية من القادة الإيرانيين أنفسهم في موضوع نفي نوايا إيران التوسعية .
غير ان الموقف الإيراني المعادي للثورة السورية والمتمثل بوقوفها الى جانب نظام بشار, و دعمها العلني للأعمال الغوغائية التي يقوم بها اتباع ولاية الفقيه في مملكة البحرين, ومساندتها المعلنة لرئيس حكومة المنطقة الخضراء في حربه على أهل السنة العراقيين, لم يترك حاجبا للحرج امام قادة الحرس الثوري وكبار المستشارين العسكريين للولي الفقيه الإيراني من الإعلان عن أهداف نظامهم التوسعية والتي كان القادة السياسيون ينفونها باستمرار.
لقد صدرت في الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري تصريحات مهمة ومتزامنة لاثنين من كبار قادة الحرس الثوري, الاول وهو اللواء “يحيى رحيم صفوي” القائد السابق لقوات الحرس الثوري وكبير المستشارين العسكريين الحاليين للمرشد الايراني علي خامنئي, والثاني هو اللواء “حسين همداني” القائد السابق لقاعدة محمد رسول الله التابعة للحرس الثوري والقائد العسكري الايراني الحالي في سورية.
فالجنرال صفوي تحدث بصفاقة كبيرة عما اسماها “تمدد الحدود الإيرانية الغربية” مدعيا انها لا تقف عند منطقة الشلمجة – عند الحدود العراقية في الجنوب الغربي- بل تصل إلى جنوب لبنان. زاعما ان هذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذ ايران سواحل البحر الأبيض المتوسط”.
وذلك في إشارة إلى حدود الامبراطورية الفارسية في العهدين الاخميني والساساني. اما زميله الجنرال “حسين همداني” فقد قالها دون تقية إن إيران تقاتل اليوم في سورية دفاعاً عن مصالح ثورتها, معتبراً الحرب التي يشنها بشار الاسد على شعبه لا تقل عن أهمية الحرب الإيرانية ضد العراق بالنسبة لنظام بلاده. كاشفا عن أن 130 ألف عنصر من قوات الباسيج (الجيش الشعبي) المدربة تتهيأ للذهاب إلى سورية. قائلا, ان بشار الأسد يقاتل نيابة عنا.
طبيعي قد يأتي من يقول ان مثل هذه التصريحات لا تعد تصريحات رسمية من وجهة نظر القيادة الايرانية او بالنسبة للدوائر السياسية الاقليمية والدولية كونها جاءت على لسان افراد لا يشغلون مناصب سياسية في الحكومة, وقد يأتي من يحاول ان يهون من اهميتها (كما هي عادة القبيضة) بدعوى انها تصريحات تستخدم للاستهلاك الداخلي و تدخل في اطار المزاودات الاعلامية القائمة بين التيارات المتناحرة, ويضرب مثالا على ذلك التصريحات العنترية الكثيرة التي يشتهر بها قادة الحرس الثوري والتي كان اخرها لقائد القوة البحرية للحرس الثوري الادميرال “علي فدوي” الذي زعم فيها ان الحرس الثوري قادر على تدمير أي قطعة بحرية أميركية في غضون 50 ثانية.
لكن في حقيقة الامر ان من يستهين بهذه التصريحات او من يحاول التخفيف من خطورتها, اما جاهل بالسياسة الإيرانية, واما هو قبيض يحاول التغطية على النوايا الإيرانية العدوانية. فقد بات واضحا لدى الخبراء السياسيين المهتمين بالسياسة الخارجية الايرانية انها تقوم على ثلاثة مرتكزات اساسية هي, المراوغة, توزيع الادوار, واستغلال عامل الوقت.