ان واحدة من ابرز الصور العاطفية التي رسمها الصفويون لقصة استشهاد سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في وقعة كربلاء هي تلك الصورة التي رسمتها مخيلة كاتب سيناريو معركة الطف والتي تحدث فيها عن محاصرة جيش الكوفة للحسين ومنعه وأهله عن ماء الفرات مدة ثلاثة أيام قبل مقتله في العاشر من المحرم لسنة 61هـ.
وقد ركز كاتب سيناريو على هذه الصورة لإثارة اكبر قدر ممكن من عواطف المتلقي وهو يستمع الى الروضة خونية ( أي قرّاء المرثية ) الذين يروون تفاصيل واقعة الطف بأسلوب درامي متقن عجزت لحد الآن كل شركات الفن السينمائي في العالم من ان تأتي بممثلين ببراعة ” الروضة خونية ” الذين أبدعوا في عرض سيناريو مقتل سيدنا الحسين بالطريقة العاطفية التي هي عليها ‘ لاسيما في ما يخص تلك الجزئية التي اشرنا إليها والتي جرى تأليف العديد من القصص و الروايات المثيرة للعواطف ومؤججة لنيران الطائفية حولها حتى أنهم أطلقوا على سيدنا العباس بن علي اخو الحسين غير الشقيق الذي قتل معه في تلك الواقعة ‘ لقب ” ساقي عطاشا كربلاء” وذلك لإلقاء مزيدا من الأضواء الحماسية والشحن العاطفي على هذه الصورة حتى غدا مثالا رائج عند القوم يقال لمن يبخل بالماء ” انت من بني أمية ” بمعنى ان بني أمية بخلوا بالماء على الحسين.
ولكن من المفارقات العجيبة ان الذين كتبوا هذا النوع من القصص والروايات والتي هي بالنسبة لهم نصوص مقدسة واتخذوها ذرائع لكيل المزيد من السب واللعن و النفخ في نيران الطائفية ‘نجدهم في تعاملهم مع العشب العربي الأحوازي أكثر بغض وعدوانية من أولئك الذين قاتلوا الحسين.
فإذا كان جيش الكوفة قد منع الماء عن الحسين وصحبه البالغ عددهم ثلاثة وسبعون فردا لمدة يومين أو ثلاثة أيام حسب الرواية الصفوية ‘فان نظام الروضة خونية (الملالي) في إيران يمارس ومنذ عدة سنوات سياسة حرمان شعب بأكمله من الماء حتى غدت هذه المعضلة واحدة من أهم قضايا الصحف الإيرانية الصادرة في الأحواز كما أنها أصبحت مادة للتجاذب بين القوى السياسية الإيرانية المتصارعة.
فعلى الرغم من وجود أربعة انهار كبرى و رئيسية و دائمة الجريان في الأحواز ( كارون ‘ الكرخة ‘ الدز و الجراحي )‘ ناهيك عن الأنهار الموسمية الأخرى أو تلك المتفرعة من الأنهار الرئيسية ‘ إلا انه وبسبب سياسة الحصار المائي التي تطبقها السلطات الإيرانية على شعب الأحواز فقد أصبحت جميع هذه الأنهر شبه يابسة لاسيما في فصل الصيف.
فعلى سبيل المثال نجد ان نهر الكارون الذي يعتبر من اكبر انهر الأحواز وأعظم الأنهر( في إيران) بسبب طوله البالغ 890 كيلومتر و كمية المياه المتدفقة منه و التي تبلغ364 مترا مكعبا في الثانية ومساحة الأراضي التي يسقيها والتي تزيد على الـ 60737 كيلومترا مربعا‘ فقد أصبح اليوم شبه يابس و ذلك بعد ان قامت السلطات الإيرانية ببناء أكثر من ثلاثة سدود عند ملتقى الينابيع المنحدرة من جبال زاغروس في شرق وشمال الأحواز والتي تصب في نهر الكارون‘ و يعد سد ” عباس بور ” الذي وضع أساسه في عهد رئاسة هاشمي رفسنجاني وتم انجازه في عهد رئاسة خاتمي‘ من اكبر تلك السدود حيث الغاية منه تهدف الى تخزين اكبر كمية من المياه ومن ثم نقلها عبر أنابيب الى مناطق في محافظة يزد وسط إيران وتحديداً الى منطقة رفسنجان لسقاية مزارع الفستق التي يمتلك معظمها هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران والذي كان قد تعاقد مع شركة ايطالية لتنفيذ هذا المشروع الذي قدّرت كلفته بنصف مليار دولار.
ورغم المناشدات ومظاهر الاحتجاج الداعية الى إلغاء المشروع لما سوف يلحقه من مضار كبيرة بالحياة الزراعية والبيئية للمنطقة‘ إلا ان السلطات الإيرانية لم تعر أي اهتمام لتلك المناشدات والمخاطر المشار إليه.
أما ثاني اكبر سد بني وضع في أطار خطة الحصار المائي المضروب على الشعب الأحوازي فهو سد الكرخة‘ فنهر الكرخة القادم من شمال الأحواز باتجاه الجنوب الغربي يبلغ طوله أكثر من 850 كيلو مترا ‘ ويبلغ منسوبه المائي 154 متراً مكعباً في الثانية ‘ أما مساحة الأراضي التي يرويها فإنها تبلغ 43183 كيلو مترا مربعا.
ويعد هذا السد الذي نفذ بواسطة الوحدة الهندسية للحرس الثوري الايراني ‘واحد من اكبر السدود الترابية في العالم والغاية منه وقف انحدار المياه باتجاه هور الحويزة أو ما يعرف بهور العظِيم عند ملتقى الحدود في محافظة ميسان العراقية‘ ماراً بمدن السوس والحميدة و الخفاجية الأحوازية. وقد بدأ الحرس الثوري تنفيذ مشروع نقل مياه سد الكرخة الى مدن ومناطق في غرب إيران من بينها مدن ساوة و بيات وغيرها.
هذه المشاريع قد تسببت في وقوع أزمة مياه شديدة في اغلب مدن شمال و وسط الأحواز‘ أما المدن الجنوبية ولا سيما منها تلك الواقعة عند مصب الكارون في شط العرب ‘ وتحديدا مدن عبادان والمحمرة ‘ فان سكانها أصبحوا يعتمدون على شط العرب لتأمين مياه شربهما غير أنهم باتوا يواجهن معانات أخرى بسبب نسبة الملوحة العالية التي بلغت درجتها ستة الألف نقطة نتيجة قلت منسوب المياه الحلوة التي تصب في شط العرب والتي كانت تأتيه من أنهر الكارون و دجلة والفرات.
وعلى الرغم من المناشدات المتواصلة من قبل الأحوازيين و الوعود المكررة من قبل السلطات الإيرانية ‘وعلى رأسها الوعود التي قطعها كل من الرئيس السابق محمد خاتمي و احمدي نجاد ولا سيما وعده الأخيرة الذي أطلقها في شهر محرم العام الماضي والذي تعهد فيها انه سوف يدخل وزير الطاقة ” برويز فتاح ” في أنبوب المياه ويخرجه من الحنفية ان لم يحل هذه القضية خلال أشهر ‘ إلا ان الأزمة مازالت على حالها ومازالت معانة الأحوازيين تزاد يوما بعد يوم. فأزمة المياه قد ولدت أزمات ‘ كهرباء ‘ جفاف ‘ خسائر زراعية ‘أمراض ‘ وفوق هذا وذاك هجرة الفلاحين وسكان القرى من مناطقهم ‘ وهذا ما يبحث عنه الباكون على عطش الحسين حيث ان تهجير العرب من مناطقهم كان و مازال الغاية من وراء سياسية فرض الحصار المائي على أبناء الأحواز.