تقديم حمد العيسى: (هنا تحقيق استقصائي نادر وفريد من نوعه للصحافي الإنكليزي المشاكس جون آر. برادلي، عن الشعوب والأعراق الإيرانية، كان قد كتبه بعد زيارة لإيران استمرت ثلاثة أسابيع في أوائل عام 2006، ونجح في الوصول إلى منطقة الاحواز(خ و ز س ت ا ن)، (التي كان اسمها عربستان قبل أن يغيره الشاه رضا بهلوي عام 1925)، ذات الأغلبية العربية والغنية بالنفط على الحدود مع العراق).
* شنق وإعدام للعرب:
وفي مارس 2006، تم شنق رجلين عربيين من رافعة (كرين Crane) في الاحواز بعدما أدينا بتفجير بنك في يناير 2006، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.
وفي اليوم السابق لشنقهما، أعدم ثلاثة عرب إيرانيين آخرين في سجن محلي بحسب تقرير منشور؛ ووفقاً لجماعات المعارضة في الخارج، فإن عدداً من العرب الإيرانيين ينتظرون الموت الوشيك.
واشتعلت النار في أنابيب نفط رئيسة تورد النفط الخام إلى مصفاة عبادان التابعة (لمحافظة خ وزس ت ا ن) الأحواز على شاطئ الخليج العربي بعد أيام قليلة من شنق الرجلين. وقال مسؤولون إيرانيون إنهم لا يستبعدون أن يكون التخريب متعمداً.
وتعرضت خطوط الأنابيب في الاحواز للتفجير في سبتمبر 2005، ما أدى لتعطل التوريد مؤقتاً. وفي أكتوبر من ذلك العام، قالت طهران إنها أحبطت محاولة لتفجير مصفاة عبادان بواسطة خمسة صواريخ كاتيوشا.
ألقى مسؤولون إيرانيون اللوم -جزئيا- لارتفاع معدلات العنف في (خ و ز س ت ا ن) الاحواز على جماعات انفصالية في المنفى تعمل من العراق. كما يشعرون بالغضب لأن كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، تسمح لجماعات المعارضة المتمركزة هناك بالعمل بحرية.
هناك على الأقل 60 قناة إذاعية وتلفزيونية معارضة تبث باللغة العربية نحو المحافظة من جميع أنحاء العالم.
ويقول نائب محافظ (خ و ز س ت ا ن) محسن فاروخ نجاد (وهو فارسي): «هذه المجموعات تحرض على الأعمال الإرهابية وتأجج الوضع من خلال نشر تقارير كاذبة». ويضيف متسائلاً: «لماذا تسمح لهم هذه الحكومات الغربية بالقيام بذلك بينما يزعمون أنهم يحاربون الإرهاب؟».
وأدانت جميع جماعات المعارضة العربية الرئيسة في الخارج الهجمات الإرهابية الأخيرة.
ولكن بالرغم من ذلك، قال محلل وثيق المعرفة بكواليس تلك الجماعات المعارضة إن «حركة التحرير الوطني الأحوازي»، وهي مجموعة ذات شعبية واسعة وتعمل من كندا وتدير فضائية تُشاهد على نطاق واسع، تبدو في بعض الأحيان وكأنها على وشك أن تدعوا إلى المقاومة المسلحة ضد الفرس.
* المقاومة السنيّة في بلوشستان:
شهد إقليم بلوشستان الجنوب الشرقي النائي، اضطرابات وعنف مماثل لـ الاحواز. البلوشيون يبغضون منذ القدم النظام في طهران.
ويقولون إن الحكومة المركزية تضطهدهم بوحشية وتهمل مطالبهم بينما تبلغ نسبة البطالة بينهم 35-50 في المائة ومعظمهم من السنة.
ويخوض الجيش الإيراني منذ سنوات حملة دموية ضد شبكات تهريب المخدرات التي تعمل عبر قوافل منظمة جيداً من خلال بلوشستان على طول «طريق الهيروين» من أفغانستان إلى أوروبا.
هذه المحافظة تعتبر بالغة الأهمية بصورة خاصة بالنسبة إلى الأمن القومي الإيراني، لأنها تقع على حدود دولتين سنيتين هما باكستان وأفغانستان المحتلة من قبل أمريكا.
ومثل عرب خوزستان يشكوا البلوش من التمييز العنصري في قطاعي التعليم ومجال العمل، ويمنعون من إظهار معالم ثقافتهم المحلية.
وكما يحدث في خوزستان أيضاً، يزعم السكان البلوش المحليون أن حكومة طهران قد بدأت العمل بخطة منهجية سرية خلال العامين الماضيين لنزع التوتر من المنطقة عن طريق تغيير التوازن العرقي في المدن البلوشية الرئيسة.
وهناك ما لا يقل عن مجموعتين سياسيتين تزعمان العمل في المحافظة وهما: «جبهة تحرير بلوشستان» اليسارية و«جبهة حماية بلوشستان» الأكثر وسطية وكان مقراهما الرئيسان في بغداد حتى عام 2003، وبعد غزو العراق ربما انتقلا – ووفقاً لمصدر في المعارضة – إلى باكستان. وتتهم الحكومة الإيرانية الولايات المتحدة بدعم هؤلاء المتمردين السنة.
وتزعم جماعة «جند الله» البلوشية السنية الإيرانية المسلحة ببنادق متنوعة وقنابل يدوية وبعض المدافع، والتي تعمل في المناطق الحدودية الإيرانية التي ينعدم فيها القانون في على مدى السنوات الأربع الماضية، أنها قتلت 400 جندي إيراني في معارك كر وفر.
وفي يناير 2006، أعطى عبد الحميد ريكي، المتحدث باسم «جند الله» مقابلة نادرة وكاشفة عندما كانت جماعته تحتجز ثمانية جنود إيرانيين كرهائن. وقال ريكي إنه بالرغم من أن جماعته تتكون من 1000 مقاتل فقط، فإنها تمتلك الإخلاص والتفاني اللازم لهزيمة الجيش الإيراني، ولا سيما إذا ساهم الغرب ببعض المساعدة.
* أمريكا تغدر بالبلوش.. صفقة أمريكية قذرة مع إيران ضد البلوش!
في الحقيقة، لا شك في أن مثل هذه المقاومة البلوشية السنية الإيرانية تعتبر ذات قيمة هائلة لوكالات الاستخبارات الغربية التي تريد زعزعة استقرار النظام المتشدد في طهران.
لقد حافظت الولايات المتحدة على اتصالات وثيقة مع البلوش حتى عام 2001، عندما سحبت دعمها لهم عبر صفقة (عجيبة) مع طهران التي وعدت أمريكا بإعادة أي شخص من سلاح الجو الأمريكي يسقط أو يضطر للهبوط في إيران خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان!!!
ولكن -بالطبع- يمكن الآن إعادة إحياء هذه الاتصالات مع البلوش لزرع الاضطرابات في إقليم بلوشستان جنوب شرق إيران والعمل ضد النظام الحاكم، وفقاً لمحلل بلوشي مطلع!!
ومن خيارات المقاومة الأخرى لجماعة «جند الله»، اغتيال القادة الإيرانيين، وربما أحمدي نجاد نفسه. واعترفت الجريدة الحكومية الرسمية “جمهوري إسلامي” في 17 ديسمبر 2005، بتعرض موكب أحمدي نجاد للهجوم من قبل «عصابات مسلحة ومثيري شغب» على طريق زابول- سروان السريع.
ووفقاً لمسؤولين حكوميين إيرانيين، فقد قُتل أحد حراس أحمدي نجاد ومعه سائق محلي وجرح حارس آخر، كما قتل اثنان من المهاجمين في تبادل لإطلاق النار.
ولكن في الأسبوع نفسه، أصدرت الحكومة الإيرانية بياناً جاء فيه أن أحمدي نجاد لم يكن موجوداً في وقت الهجوم، وأن الهجوم لم يكن محاولة لاغتيال الرئيس الإيراني.
وعلاوة على ذلك، زعم البيان أن السيارة التي تعرضت للاعتداء لم تكن ضمن قافلة الرئيس، وأن حراس الأمن المصابين كانوا يسيرون على الطريق كجزء من الإجراءات الأمنية لزيارة الرئيس المقبلة!
ولكن وفقاً لتحليل مركز ستراتفور للحادث، فإن «المعلومات المتناقضة عن الحادث تطرح أسئلة أكثر من الأجوبة، وهي جزء من حملة للتضليل تصنعها طهران للتقليل من شأن أي تهديدات محتملة ضد الرئيس الإيراني».
عدم وضوح تقارير الحكومة عن الحوادث وتأخر البيانات عما حدث فعلاً -يخلص تحليل ستراتفور- تكشف حالة النظام الإيراني المشوشة، واحتمال وقوع اعتقالات جماعية لسحق حركة المقاومة البلوشية الوليدة.
* الأكراد والآذاريون الإيرانيون:
وقعت اضطرابات في مناطق أخرى أيضاً. ولم يزعم أحد المسؤولية عن انفجارات في مايو 2006، في محافظة كرمانشاه، وهي موطن 4.8 مليون كردي إيراني، ولكن إطلاق قوات الأمن النار على شاب كردي في يوليو 2005، تسبب في تظاهرات في عدة مدن شمال غربية أسفرت عن مقتل عسكريين ومدنيين.
وفي مايو 2006، تظاهر آلاف من الإيرانيين الأذاريين في عدة مدن في محافظة أذربيجان الشرقية احتجاجاً على نشر صحيفة رسمية كاريكاتير يشبّه الآذاريين بالصراصير.
الأذاريون هم مجموعة عرقية أصولها تركية، ويبلغ عددهم 18 مليون نسمة، أي نحو ربع سكان إيران ويتحدثون اللغة التركية مثل إخوانهم في جمهورية أذربيجان المجاورة، ويعتبرون أكبر أقلية عرقية في إيران، وهم أيضاً أصبحوا أكثر صخباً في المطالبة بحقوقهم العرقية مثل حرية تدريس أبنائهم لغتهم والتعبير عن ثقافتهم الخاصة.
وحصل الآذاريون على إلهام وثقة بالنفس بعد استقلال جمهورية أذربيجان في عام 1991 من الاتحاد السوفياتي، حيث تزايد لديهم الوعي بالقومية الآذرية والمطالبة بالمزيد من الحقوق الثقافية.
ولكن على الرغم من كل ما ذكرنا، سيرتكب الغرب خطأً فادحاً لو حاول التلاعب بالتوترات العرقية في إيران.
تاريخياً، لم يهتم صناع القرار في الغرب كثيراً بالقنبلة العرقية في إيران ولكنهم الآن يهتمون بصورة أكبر بالسياسة العرقية الإيرانية الداخلية، مع تركيز على تأثيراتها المحتملة على الاستقرار طويل الأجل للنظام الإيراني وكذلك التأثير قصير الأجل على خيارات السياستين الخارجية والداخلية.
ووفقاً لناشطين إيرانيين في المنفى، ذكرت تقارير أنهم يشاركون في مشروع بحثي أمريكي سري، حيث تقوم حالياً وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بدراسة تحليلية عميقة لطبيعة المظالم العرقية ضد حكومة الملالي الإسلامية في طهران.
البنتاغون مهتم بصورة خاصة بإمكانية أن تكون إيران عرضة لتجزئة عنيفة على أنواع خطوط التصدع نفسها التي ساهمت في تقسيم العراق، والتي ساعدت على تمزق الاتحاد السوفياتي مع انهيار الشيوعية. ووفقاً لمقالة منشورة، يخمن محللو الاستخبارات الأمريكان أن هذا البحث الذي يجريه منافسهم داخل واشنطن (أي البنتاغون) قد يكون بهدف تصميم المراحل الأولى لـ «تخطيط طوارئ» ولهجوم بري على إيران أو محاولة تقييم الآثار المترتبة على اضطرابات في المناطق الحدودية الإيرانية على الجنود الأمريكيين المتمركزين في العراق، وكذلك لتغلغل إيراني محتمل في العراق.
وادعى الصحافي الاستقصائي الشهير “سيمور هيرش”، بصورة منفصلة، أن الولايات المتحدة لديها بالفعل قوات على الأرض في إيران، على الرغم من جدال البعض أن “هيرش” قد تم استخدامه –(كالعادة)- من مصادره في الـ «سي آي إيه»، كجزء من حملة الحرب النفسية ضد إيران.
* إيران: حالة أخرى للفدرالية؟..خطر التفكيك أكبر من الخطر الحالي:
عقد مركز دراسات يميني في واشنطن في أكتوبر 2005، مؤتمراً عن الشعوب الإيرانية، ما أدى إلى غضب وسخط جماعات معارضة إيرانية فارسية في الخارج.
وكان عنوان المؤتمر «إيران: حالة أخرى للفدرالية؟»، ولكن رئيس المؤتمر أنكر أن يكون الهدف تفكيك الأعراق الإيرانية وانفصالها.
وفي الحقيقة، سيرتكب الغرب خطأً فادحاً إذا حاول المشاركة في التوترات العرقية في إيران لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية قصيرة الأجل.
واستناداً إلى سابقة تاريخية، فإن مثل هذا التوجه سيطلق العنان لموجة عنيفة من القومية الإيرانية وردود فعل واسعة النطاق ضد أي أقلية تقوم بالتواطؤ مع الغرباء.
وحذر حتى المفكر اليميني الإيراني في المنفى أمير طاهري، والمؤيد القوي عادةً لسياسات إدارة بوش للتدخل في الشرق الأوسط، أنه على الرغم من أن تأجيج نيران الاستياء العرقي والطائفي ليس صعباً، وأن وقوع سيناريو تفكيكي مثل يوغوسلافيا قد يعجل بالفعل بزوال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنه أيضاً يمكن أن «يطلق العنان لقوى شريرة أكثر قتامة بكثير مما سبقها من التعصب القومي والديني والذي يمكن أن يدفع المنطقة بأسرها إلى سنوات، وحتى عقود، من الأزمات الدموية»!!
وعلى أية حال، وباستثناء محتمل للأكراد، لا تسعى أي من الأقليات العرقية حالياً إلى الانفصال عن الدولة الإيرانية.
العنف في المناطق النائية مثل الاحواز (خ و ز س ت ا ن) وبلوشستان، يحتوي بشكل واضح على عوامل عرقية، ولكن الأسباب الكامنة خلف الغضب تعود للفقر والبطالة التي تفتك بتلك المجموعات العرقية، وهي ناتجة من الفساد وعدم الكفاءة الحكومية، والشعور العام بانعدام القانون، الذي يجب أن يواجهه جميع الإيرانيين، بما في ذلك الفرس.
بقلم: جون آر برادلي
ترجمة وتقديم: د. حمد العيسى
المصدر: موقع “العصر”
تنويه: تم تصحيح التسمية المستخدمة في التقرير من (خ و ز س ت ا ن) الى الاحواز بواسطة موقع بادماز كما تم تغيير عنوان التقرير.