هل ثمّة فرص لنشوء تحالف إقليمي عربي لمواجهة المشروع التوسّعي الإيراني؟
الباحث السعودي: لا
الإشكالية الكبرى غياب مشروع عربي من دون استبعاد فرص بنائه بالمطلق
بطبيعة الحال تظل هناك فرص كبيرة لبروز تحالف إقليمي عربي لمواجهة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة العربية، إلا أن هذا التحالف يواجه عدة تحديات حقيقية تحتاج إلى عمل دبلوماسي كبير قبل تكوين أسس هذا التحالف واستراتيجياته.
ندرك جيدا أن التقلبات التي تعصف بالمنطقة العربية تقف حجر عثرة في طريق بناء وحدة عربية في مواجهة المشروع التوسعي الإيراني، كما أن الانقسامات العربية – العربية تؤجل دائما العمل العربي المشترك في مواجهات التحديات الإقليمية والدولية. الأمر الأكثر تعقيدا في أعقاب الانفتاح الغربي على إيران بعد الاتفاق النووي المبدئي بين القوى العظمى وإيران يكمن في انفتاح دول عربية على إيران، هذا الانفتاح يدفع تصفية حسابات إقليمية والانتصار لمسائل حزبية بحتة، في ظل تجاهل تام لهذا الانفتاح «المتسرع والعاطفي»، في مقابل تهديدات المشروع الاستراتيجي الإيراني في المنطقة.
الواقع أن أحد أهم أسس المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة يكمن في العمل على محورين رئيسين؛ أولهما مشروع يركز على تفتيت أي تكتلات قد تقف في وجه هذا المشروع أو تؤدي إلى تأجيله، ويتحقق ذلك من خلال تسليط الضوء على الخلافات بين أعضاء مثل هذه التكتلات وتضخيمها والعمل على الحيلولة دون حلها. أما ثانيهما فيعتمد، من جانب، على توطيد العلاقات الثنائية بعيدا عن أي تكتلات سياسية، ومن جانب آخر «شيطنة» الدول التي على علاقة مضطربة مع هذه الدولة والسعي إلى تعميق هذه الخلافات.
إن الإشكالية الكبرى التي كانت، ولا تزال، تواجهها دول المنطقة العربية في مقابل المشروع الإيراني تعدّ غياب مشروع عربي حقيقي لمواجهة الأطماع والتوغّلات الإيرانية في الداخل العربي، تارة تحت غطاء مذهبي، كمزاعم الدفاع عن الأقليات الشيعية في العالم العربي، وطورا تحت راية إسلامية ترفع الورقة الفلسطينية.. بينما الهدف الحقيقي تسجيل مكاسب سياسية، وتشكيل قاعدة شعبية، وبناء خلايا نائمة وأذرع عسكرية موالية لطهران في الدول العربية.. في ظل ضعف وشتات عربيين.
من أجل تحقيق تحالف عربي صلب يواجه المشروع الإيراني في المنطقة ينبغي على الدول العربية العمل على مستويين رئيسين: الأول، فردي بحيث تقوم كل دولة على حدة بسدّ جميع الثغرات التي أدت إلى وجود إيراني حالي، أو تسمح بتسرّب مستقبلي إلى الداخل العربي والعمل على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية على كل الأصعدة السياسية والثقافية والاجتماعية. أما المستوى الثاني، فيأتي نتاجا للمستوى الأول، ويتبنى فكرة العمل الجماعي والتحرّك كفريق متكامل ومتجانس بهدف إفشال المشروع الإيراني وتحجيمه، وبالتالي تحويله من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع والانكفاء على الداخل لمواجهة الاستحقاقات المحلية التي ظل النظام الإيراني يتهرّب منها طيلة العقود الثلاثة الماضية.
من جانب آخر، تحتاج الدول العربية إلى إعادة النظر في سياسة تعاملها مع إيران، ومجابهتها وفقا لنمط يتوافق ومنهجية تفكير الشخصية الفارسية، خاصة عندما يكون الحديث عن الآخر العربي في الفكر الإيراني. ولتبسيط هذه النقطة، ينبغي أن ندرك جيدا كيف تنظر الشخصية الفارسية إلى الدول والحكومات العربية، وإيمان هذه الشخصية الراسخ بأن العرب غير قادرين على مواجهة إيران، وغير مؤهلين لذلك، وأن إيران التي يمتد تاريخها لأكثر من 2500 سنة وما حققته من حضارة وثقافة هي المؤهلة لتصبح – من وجهة النظر الإيرانية – قوة إقليمية ضاربة لا يمكن لدول حديثة الإنشاء أو الاستقلال مواجهتها أو الوقوف في وجه مشاريعها في المنطقة.
ولقد دعم هذا الفكر القومي الفارسي، القديم والمتجدّد، إيمان رجل الدين السياسي، الذي يتولى زمام الأمور في إيران، بعد انتصار ثورة 1979م، بعناصر جديدة أصبحت القاعدة الأساسية لبناء النظام الجديد. واليوم يتمحور هذا النظام بصبغته الدينية حول تراث المذهب الشيعي بنسخته الإيرانية، وهو بدوره يؤمن بأدبيات الفقه الإمامي الاثني عشري وبنظام «ولاية الفقيه» ومشروع تشكيل «الدولة المهدوية» مقدمة ذلك وأسس تحققه، ويضع إيران في مواجهة مباشرة مع دول الجوار العربي.
بعبارة أكثر وضوحا، يؤمن ساسة إيران بأن صمت الدول العربية في مقابل تجاوزات طهران وتدخّلاتها المتكرّرة في شؤونها الداخلية، بل وحتى الاعتراضات الدبلوماسية العربية الخجولة أحيانا، ناجمة عن عجز هذه الدول عن المواجهة، مما يمنح الساسة الإيرانيين حالة من الشعور بالغرور الطاووسي، ومن ثم التمادي في تدخلاتهم وتوغلاتهم في الداخل العربي.
لذا فإنه أصبح من الضرورة بمكان البدء في تشكيل تحالف عربي يوقف المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، ويضع حدا لدعم طهران لمثيري الشغب والقلاقل في المنطقة، الذي يصب في نهاية المطاف في خدمة المشروع الإيراني، حتى وإن ظهر ذلك بنكهة طائفية وصراع مذهبي، بينما هو في واقع الأمر مشروع سياسي بحت امتطى جواد الطائفية بسبب غياب أي عنصر آخر في الداخل العربي قد يساعد على إنجاح المشروع التوسعي ويحقق أهدافه واستراتيجياته.