تدعى إيران برشيا “Persia” حتى 19 أكتوبر عام 1935، لكن بعد استيلاء الشاه الأول رضا ميربنج على الكيانات السياسية في جغرافية ما يدعى إيران اليوم في العقد الثالث من القرن المنصرم، غيّر اسمها إلى ما هو عليه الآن.
اقترح بعض مستشاري الشاه الأول الشوفينيين لما لديهم من شعور بالعنصرية والرجوع إلى ما يسمونه الإمبراطورية الفارسية، مثل سعيد نفيسي ومحمد علي فروغي وسيد حسن تقي زاده، أن يقوم بتغيير اسم الدولة الحديثة إلى “إيران”
ولم يكتف الساسة الجدد بهذا التغيير بل كان هذا بداية شرّ شمل تغييرات جسيمة في الأسماء الأصلية للأمكنة في الأقاليم التي تم القضاء عليها بالقوة في عربستان وكردستان وبلوشستان وأذربيجان.
وكانت السياسة “الشاهنشاهية” تجاه العرب في الأحواز أشد وطأة مقارنة بأخواتها والسبب يكمن في أن الساسة الفرس آنذاك كانوا يعادون العرب وكلما يحمله هذا المصطلح من معنى في الوجود والثقافة والتاريخ ويعتبرونه العدو الأول لهم، ذاك العدو الذي تغلب عليهم في معارك عدة ومنها القادسية وأنهى حكمهم وبدد إمبراطوريتهم.
أما الشعب الأحوازي فهو ينوب عن هؤلاء الفاتحين العرب الأوائل، فيتوجب أخذ الثأر منه والقضاء عليه كليا وبشتى السبل، هذا المنطق المتشبع بالجهل والعنصرية كان ولازال يشكل خطا عريضا لأصحاب القرار في طهران.
وهذا النهج في التفكير وبناء الخطط في السياسات وتطبيقها على العرب الأحوازيين استمر في كل الحكومات التي تبوأت كراسي الحكم في طهران وظهر هذا على سبيل المثال في الرسالة التي سربت من مكتب رئاسة الجمهورية في فترة رئاسة محمد خاتمي، وكانت تتضمن بنودا جاء فيها أنه يجب إيجاد تغيير ديموغرافي شامل في الأحواز واستبدال الأصليين بمستوطنين فرس ومصادرة أراضيهم تحت ذريعة توسيع مشروع “قصب السكر”.
وتسريبُ هذه الرسالة وإطلاعُ الشعب الأحوازي عليها، كان سببا في الانتفاضة الكبيرة التي حدثت عام 2005 في الأحواز واستشهد وسُجن مئات المتظاهرين فيها.
ويعتبر الأحواز أول بلد عربي ذو سيادة معترف بها يقضى على هيمنته السياسية وسلطته الشرعية في سراديب السياسات الدولية والإقليمية، حيث جاء تشكيل الدولة الإيرانية على حساب القضاء الكامل والسيطرة على الشعوب والكيانات غير الفارسية الأخرى.
وقد طرح مشرّعو الفرسنة ومروجوها سياستين ثابتتين لتسيير مشروعهم من أجل خلق دولة جديدة حديثة أو بتعبيرهم هم إعادة الإمبراطورية الفارسية وهما تعميم اللغة الفارسية على كل البلاد التي أسموها إيران والترويج للمذهب الجعفري الإثني عشري، ليكون مصدرا للتشريع والتقنين دون غيره.
وقد اعترضت الشعوب غير الفارسية (الآذريين والعرب والبلوش والأكراد) على هذه السياسات العنصرية الهادفة لمحو الهوية والقضاء على الثقافات الأخرى، بحجة توحيد إيران وتمسكت بهوياتها الذاتية ورفضت الانصياع إلى حكومة الشاه العنصرية، ولكن خابت آمال الشاه في الوصول إلى الأهداف التي كان قد خطط لها هو ومستشاريه وبقيت هذه الشعوب تكافح وتحافظ على هوياتها وما استسلمت بالرغم من ما حل ويحل بها من تنكيل وتفقير وتهميش ممنهج.
ويزيد الموقع الاستراتيجي والجغرافي للأحواز من أهميتها ووجود النفط والغاز ضاعف هذا الاهتمام وشجّع الحكومة في طهران على أن تبذل جل اهتمامها من أجل القضاء على عروبة هذا الإقليم وتغييره ديموغرافيا لصالح القومية الفارسية.
وكان التفريس يستهدف الإنسان والأرض من كل الجوانب ووقف الأحوازي الذي يفتقر إلى أي دعم في وجه هذه الهجمة ببسالة وتحمل الشعب أنواع الويلات والكوارث وفي ظل تخلي المجتمع الدولي عنه وفي غياب الإعلام تضاعفت هذه الكوارث المستهدفة وجوده أساسا.
ومن السياسات التي قام بها الشاه هو مصادرة الأراضي من أصحابها وخلع الحجاب وتفريس وتغريب المجتمع بشكل غير حضاري، حيث يُنتزع الحجاب التقليدي عن النساء في الشوارع وتسقط كوفيات الرجال وتقص ثيابهم (دشاديشهم) ما خلق ردة فعل للمجتمع الأحوازي آنذاك، حيث قام بانتفاضة كبرى واحتج على هذه السبل الاستفزازية للقضاء على هويته ووجوده كشعب له كيانه الخاص وهويته المشخصة وعاداته وتقاليده.
إلى ذلك، جلب رجال دين يسمون “السادة” أي يرجع نسبهم إلى بني هاشم وأعطاهم أراضي وأملاكا وقدرات سياسية ينوبون من خلالها الحكومة ويشرفون على الصغيرة والكبيرة ولازال أحفادهم حتى اليوم يمارسون نفس المهنة حتى بعد تغيير شكل الحكم من الشاهنشاهي الملكي إلى الجمهوري الإسلامي وهذا أيضا يدل على الإصرار على نفس السبل التي كان يحكم بها الشاه الأول بل بعد الثورة من خلال الحوزة العلمية والتي تعطي الشرعية للمرشد بصفته المرجع الأعلى للقيادة في إيران.
ويشير القانون الأساسي الإيراني الحالي في مادتين منه إلى حق التعلم بلغة الأم للشعوب غير الفارسية التي يطلق عليها اسم “القوميات” لكن لم يطبق هذا القانون حتى يومنا هذا رغم المطالبة المستمرة والجادة من قبل النشطاء من الشعوب غير الفارسية، بل رد فعل الحكومة في طهران كان ولازال قاسيا ويصل إلى السجن المؤبد والإعدام لكل من يتبنى المطالبة بحقوقه القومية الشرعية كإعادة الأسماء والتعلم باللغة الأصلية والتوزيع العادل للثروة والشراكة السياسية الحقيقية والعادلة وتقديم الخدمات الصحية والمعيشية.
وبعد مرور تسعة عقود من الاضطهاد وسياسات الإقصاء والعنصرية وحرمانها من التعلم بلغاتها الأصلية وتغيير أسماء مدنها وقراها وتخريب آثارها ومعالمها التاريخية، تتطلع الشعوب غير الفارسية في إيران إلى بناء شراكة سياسية حقيقية أو اللجوء إلى الاستفتاء العام وحق تقرير المصير كحق شرعي تكفله المعاهدات والمواثيق الدولية.
يشار إلى أن هذه الشعوب تطمح إلى أن يتفهم العالم الحر أوضاعها المزرية وينتصر لها ويلجم سياسات حكومة طهران في اضطهادها وتهميشها للشعوب الأصلية وتتأمل في الحصول على عدالة شاملة تتمتع هذه الشعوب من خلالها بحقوقها الشرعية.