بعد مرور 26 عاما على انتهاء الحرب الايرانية العراقية في أغسطس 1988 لازال الكثير من المناطق الأحوازية خاضعة لقوانين أيام الحرب، حيث يمنع النظام الايراني السكان الاصليين من العودة الى قراهم وممارسة حياتهم العادية. لازال العشرات الآلاف من أهالي مدن المحمرة، وعبادان، والبسيتين، والحويزة يعيشون في المخيمات التي أنشئت أثناء الحرب في مدن بعيدة عن موطنهم الأصلي.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها لقد زمّر النظام الايراني في أبواقه الدعائية، بخبر تخصيص ميزانية لإعادة بناء المناطق المتضررة من الحرب، لكن بعد مرور ما يقارب الثلاثة عقود لازال الدمار الناتج عن الحرب هو الصورة الغالبة لتلك المدن، ولازال يطلق على هذه المدن عنوان “المدن المتضررة من الحرب“، غير أن سكانها لم يحصلوا على تعويضا لما لاقوه من الحرب المدمرة التي طالت ثمان سنين ولم تشهد المناطق المتضررة إعمارا وإعادة بناءا يحفز الأهالي على الرجوع. مما يدل على نية النظام في إبقاء السكان الأصليين بعيدين عن موطنهم الأصلي ليستولي على أراضيهم ويستبدلهم بأناس من المحافظات الفارسية.
لم يكتفي النظام الايراني بعدم إعادة إعمار المدن والقرى المتضررة من الحرب، بل قام بإنشاء معسكرات دائمة في مناطق مختلفة من الأحواز. كما قام بمصادرة الأراضي الزراعية وتدشين مشاريع اقتصادية لصالح المستوطنين القادمين الى الأحواز.
أما القرى الحدودية فلها حكايات أخرى. لقد منع النظام الايراني عودة أهالي القرى، الواقعة ما بین الفيلية والشلمچة، في قضاء المحمرة إلى قراهم وزراعة أراضيهم بحجة أن المنطقة مزروعة بالألغام وغير أمنة. من أهم هذه القرى يمكن الاشارة الى نهريوسف، والمچری، والیوگة، والتومار، والخميسة، وسعيدان. ويتساءل أهالي هذه القرى العربيه عن أهداف ونوايا الحرس الثوري الذي يمتنع عن إزالة الألغام وفي ذات الوقت يهددهم ويضغط عليهم من أجل بيع أراضيهم لمؤسسات الحرس الثوري بأبخس الأثمان!
يذكر أن المناطق الزراعية في الشلمجة كانت من أكثر المناطق المصدرة للتمور والمحاصيل الاستراتيجية الأخرى، ولكن بعد الحرب دمرت الكثير من بساتين النخيل وزرعت الكثير من الأراضي بالألغام. وعلى الرغم من امتلاك الحرس الثوري للأدوات الكافية لإزالة هذه الألغام لكنه يمتنع عن إزالتها.
ويعاني أهالي هذه المناطق العربية من معضلتين أساسيتين الأولى الألغام التي تملأ أراضيهم بسبب الحرب التي دارت رحاها في مناطقهم والثانية السياسة التي تجفف الأنهر وتمنع المياه عن بساتين النخيل وتضغط عليهم حتى يهاجروا ثم تستولي على أراضيهم. وتعاني سائر القرى الأحوازية من تجفيف الأنهر وشح المياه بسبب السياسة المتخذة من قبل النظام لبناء السدود على نهر كارون وحرف مياه هذا النهر الى المدن الاخرى في مركز ايران.
إن هذه السياسة لم تختص بأهالي المحمرة فحسب بل شملت سائر المناطق الحدودية في الأحواز، وإن اختلفت الذرائع والحجج لكن يبقى الهدف منها واحد وهو الاستيلاء على الأرضي العربية. فقد منع النظام الايراني أهالي القرى التابعة لقضاء الحويزة من العودة اليها بسبب مشروع استخراج البترول المسمى “بمشروع آزادكان”. ولم يكتفي بهذا القدر من الإجحاف بل حتى لم يعوضهم عن الأراضي التي تمت مصادرتها لصالح هذا المشروع والأنكى من ذلك قد دُمِّرت كل القرى الواقعة ضمن نطاق هذا المشروع كالطًبُر، والجرّاية، وشطعِلي، والْمشْيمشْية، والشويب، والزهيرية. وكما قام بتجفيف الهور الذي يعد المصدر الوحيد الذي كان يسترزق منه أهالى هذه القرى.
أما مدينة البسيتين، التي كانت تشتمل على 70 قرية، لقد أخذت نصيب الأسد من تنفيذ سياسة التدمير ومحو لآثار القرى الاحوازية خاصة الحدودية منها. فبالإضافة الى الألغام المتبقة من الحرب، التي تحول دون رجوع الأهالي الى قُراهم والتي حصدت أرواح الكثيرين، يعارض النظام الايراني عودة أهالي القرى الحدودية التابعة للبسيتين بحجج واهية منها الحفاظ على الأمن القومي الإيراني ومجابهة التهديدات الخارجية. يختلق النظام الايراني هذه الأعذار في الوقت الذي يحكم العراق في الجانب الأخر من الحدود فئة موالية للنظام الايراني.
لقد رجع أهالي عشرة من القرى القريبة من البسيتين ولكن النظام لم يهيئ الامكانات اللازمة للأولئك الذين رجعوا بغية الضغط عليهم لترك قراهم. أما سائر القرى فصِرنَ في خبر كان، فالجيل الحاضر لا يعرف شيئا عن فترة ازدهار السيديّة وقمحها وسائر المحاصيل الزراعية الذي كانت تنتجها، ولا حتى يعرف محل قرى مثل المچريّة، وأبوجاموسة، وأبوعلگاية، وابوگطيلة، وحاجي سالم، والخرابة، والدبات، والدبيّة، والصاهندي، والعگبات، والقويزية، والكصر، والمحَيّرة، والموشة.
ان السياسة المتخذة من قبل النظام تهدف الى محو الهوية للسكان الأصليين في الأحواز العربية، وبما أن القرى والأرياف تعتبران الدليل الدامغ والمقبول من قبل علماء الأجتماع لإثبات السكان الأصليين فانه يحاول من خلال هذه الاستراتيجية أن يمحو آثار هذه الحقيقة، أن العرب هم السكان الأصليين في الأحواز. يمكن اعتبار هذه الاجراءات كخطوة أولية لتنفيذ الاستراتيجية الايرانية الجديدة المعروفة بإسم “مشروع خامنئي للسياسات السكانية” التي تهدف الى تغيير التركيبة السكانية في جغرافية ايران السياسية خاصة في المناطق الحدودية، والتي تم التأكيد فيها على الأحواز بشكل خاص. كما أن النظام يريد أن يبعد الأحوازيين عن أبناء جلدتهم في الجانب الآخر من الحدود (العراق)، التي تربطهم بهم صلات وغرابة، بالاضافة الى كون الاحواز الامتداد الاجتماعي، والثقافي، والطبيعي للعالم العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز- قسم السياسة