ما يُقراء في كتب التاريخ المطبوعة في ايران بان مع بدء القرن العشرين ظهر في الشرق الأوسط عقيدتان عنصرية هما العنصرية العربية!! (حسب زعمهم ويقصدون بذلك ” القومية العربية “)، و القومية التركية و فكرا قوميا وهو الفكر القومي الإيراني!!
مقدمة؛ حتى اذا افترضنا جدلا بان الفكر القومي الإيراني هو فكر قومي بحت؛ حتى من هذا المنطلق الافتراضي هناك فرق شاسع بين الفكر القومي العربي وان كان شبه علماني و الفكر القومي التركي و ان كان ضد الدين الرسمي للمجتمع التركي مع الفكر القومي الايراني، الذي بدأ بعداءه للدين و الان يظهر بملامح دينية و طائفية.
قراءة في فكر منظرين الجيل الأول من القومية العربية كنجيب العازوري والذين اتوا بعده كزكي الارسوزي وقسطنطين زريق وميشيل عفلق وغيرهم نرى بان الاستعمار ومكافحته كان السبب الرئيسي في ظهور أفكار القومية عندهم ؛ بمعنى آخر القومية العربية كانت ردة فعل منطقية لقرون من الاستعمار، واستعباد الوطن و الانسان العربي، ولم يتخطوا الحدود الجغرافية خارج الوطن العربي، ولا نقرأ في كتب القوميين العرب في اوائل ظهور هذا الفكر هجوما على الشعوب المجاورة الا على الخليفة العثماني الذي كان رمزا للضعف، و تاخر المسلمين عن العالم .
القومية العربية رغم ضعفها وعدم اكتمال مسيرتها النضالية ظهرت لهدف نبيل ألا وهو تشكيل مجتمعا سياسيا عربيا اشتراكيا متحدا في الوطن العربي؛ ويظهر هذا من خلال تعبیر منظري القومية العربية لأسباب حقيقية لهذا التأخير. في حين منظري العنصرية الفارسية الذين استخدموا اسما مختلفا عن روح هذه الأيديولوجية ( و كانوا مجبرين علي هذا الاسم بسبب تعدد الشعوب في ايران بعد تأسيسه علي يد رضا خان ) لم يتقدموا بنقد جدي للمستعمر والاستعمار الجاري و الانسان المستعبد بل وجهوا سهامهم الى أحداث وقعت قبل اكثر من 1300 سنة مزجوها بالتحريف والتخريف مستخدمين عدم معرفة المجتمع الإيراني الامي باللغة العربية فقلبوا التاريخ رأسا علي عقب حسب أهواءهم فبنوا قومية!! مزيفة حول محور قوما واحدا متجاهلين تعدد الشعوب في إيران المولود حديثا. فالقومية الايرانية أو بمعني اكثر وضوحا العنصرية الفارسية ابتنت لهدف و نشأت علي مبدئين. الهدف كان مشروع إحياء الإمبراطورية الفارسية التي دفنها التاريخ لاكثر من 1400 سنة و نشأت على مبدأ المشروع و مهما كان الثمن (عداءهم و ثم استخدامهم للدين حسب التوقيت والحاجة في سبيل تحقيق المشروع )، ومبدأ اما نحن اما العرب (الفوضى و القتل و المجازر و التهجير في العراق و سوريا علي ايدي ميليشيات الطائفية خير دليلا لهذا المبدأ ) .
في عهد البهلوية اختصرت السياسة العملية لمنهج احياء الامبراطورية الفارسية على الكر والفر السياسي والبلطجة السياسية في المنطقة بضوء اخضر واحيانا بدعم من الغرب وخصوصا الامريكان. ولكن مع الثورة تغيرت هذه اللهجة الي الخطاب العلني للسيطرة السياسية على المنطقة مستخدمين الخطاب الأيدلوجي لزرع الطائفية و في النهاية نشر الفوضى في المنطقة وخصوصا في العالم العربي.
في الحقيقة نهاية البهلوية و من بعدها بدء الحرب مع العراق وثم الاستفادة من الفوضى الموجودة بعد احتلال العراق سنة 2003 كانت انتهاءا للمقدمات و البدء العملي لتطبيق مشروع السيطرة على المنطقة من خلال زعزعة الامن و الاستقرار في الدول العربية من ثم زرع أيادي النظام الايراني في مفاصل الدول في البلاد العربية و ثم تسميم المجتمع العربي المسالم بالطائفية، وثم ادخال المجتمع في قتال طائفي، وثم الدخول الفعلي للحرس الثوري في الدول العربية بحجج مختلفة، وثم التغيير الديمغرافي في البلاد العربية، و ثم احكام السيطرة عن طريق اعطاء هذا الدخول ملامح دينية و تعريف نفسه بمنقذ و منجي الدين من دنس مجموعات تكفيرية وجدت بسبب سياسة ايران الطائفية في المنطقة.
رجوعا الى موضوع المقال؛ فداعش و النصرة و غيرهم من التيارات الاسلامية المسلحة انما أنشئوا كنتيجة لسياسات ايران في زرع الطائفية في المنطقة، و تغذوا بسبب جهل المجتمع العربي بمشروع ايران البعيد المدى للسيطرة علي المنطقة. فالاسلام وجد قبل 1400 سنة و حتي قبل ظهور العثمانيين و الصفويين لم يحصل في المجتمع الاسلامي و خصوصا العربي ما يحصل حاليا من مجازر في العراق و سوريا على أيدي التيارات التكفيرية و الميليشيات المدعومة من ايران و نظام همجي كالنظام السوري.
قد لا يكون النظام الايراني هو المؤسس للمجموعات التكفيرية كداعش وقد تكون بعض الأنظمة السياسية في العالم اساسا مستفيدة من وجودها ولكن نظرة الي مشروع ايران للسيطرة على المنطقة؛ فالمستفيد الاكبر من هذه المجموعات هو النظام الحاكم في ايران. فالطائفية التي ظهرت فجأة وعلى رأسها الظهور المفاجي لداعش بليلة وضحاها والصراع و الفوضى وعدم الاستقرارفي العالم العربي في الوقت الذي الغرب يحاور ايران سياسیا، لسبب کان هو الذي تم تشكيل التحالف العالمي ضد العراق على أساسه والذي انتهى باطاحة صدام حسين، ليس الا جزءا آخرا من هذا المشروع الذي يسعى بالقاء فكرة ان ايران بلدا متحضرا و العرب شعب متأخرون سياسيا و ثقافيا ولابد من ان يكون هناك من يسيطر عليهم حتى يرجع الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي الحقيقة وبشكل غير مباشر يرشح نفسة لهذه المهمه ؛ ففي الغرب و بسبب جهل المجتمع الغربي بخلفيات وحقيقة ما يحصل في المنطقة سيكون هذا الامر مقبولا عند الكثير بنحو ما؛ فالانسان الغربي يصدق ما يرى بعينه من وحشية داعش، وأمثاله، وحتى اذا عرف لا يعير اهتماما بكيفية وحقيقة نشوءه و يرى الانفجارات اليومية و القتلي و الحرب والصراع في العراق وسورية، ولا يصدق اذ يقال له بان حسب تقرير منظمة اليونسكو في سنة 1977 قد قَيم التعليم و الخدمات الصحية في العراق في مرتبة ما بعد الدول الاسكاندينافية، كالسويد و الدنمارك و ما هو عليه الان ليس الا مؤامرة يغذيها الآخرون.
لكل أيديولوجية في العلوم السياسة ارثا سياسيا و ثقافيا، فحين السعي لتطبيق فكر متطرف في المجتمع مهما كان الفكر سهل التنفيذ فهو صعب التطبيق لانه نتيجة لهذا التنفيذ ستسحق حقوق العوام من الناس مهما كانت ديانتهم وانتمائهم العرقي. فتنفيذ مشروع عنصريتهم المفرطة قد كان سهلا، بنحو ما، في داخل الحدود في ايران لان المنفذون عمليا لا يسمحون لاحد حتى الأمم المتحدة بإجراء تفتيش، فالانتهاكات عادتا ما يسكت عنها لكن عند خروجهم خارج الحدود اختلف الامر و سیكلفهم الكثير ولاشك ان ما يحصل في العالم العربي من الفوضى والحروب كالعراق وسوريا ولبنان واليمن جزءا من هذا المشروع، ولكن و في نفس الوقت، صعوبة وحتي استحالة التطبيق لهذا المشروع في الوطن العربي واضح. فالمشروع الذي ليس مبتنيا على اسس حقوقية في العصر الحديث لابد بان يجعل منفذه في المواجهة مع الدول الاخرى في المنطقة، لان الشعوب الساكنة على الحدود الايرانية هي امتداد لشعوب مركزها الدول المجاورة كتركيا، وباكستان، والعالم العربي.
قد تكون مقولة بشار الأسد، وبصفته موظفا للمشروع الصفيوني، خير دليل على عدم وجود ارضية لهذا المشروع حين قال عن الخراب و الدمار و القتل و التهجير للملايين من السوريين: لكل حرب خسائر و ضحايا!! و كأنه يتكلم عن مجد قدمه لبلده متجاهلا بأن نفسه أوصل البلد الى مافيه.