انتفاضة الكرامة الأولى في الأحواز- مقابلة مع ناشط أحوازي
التحقيق في إهانة جريدة “اطلاعات” الإيرانية للشعب العربي الأحوازي في مايو عام 1985
نشرت صحيفة اطلاعات في يوم الاحد الموافق 5 مايو 1985 مقالاً عن تاريخ ما أسمته خوزستان هاجمت فيه الهوية العربية للشعب العربي الأحوازي هجوماً حاقداً، الأمر الذي أدي الى خروج الجماهير العربية في الاحواز إلى الشوارع احتجاجاً على هذه الإهانة لصحيفة “اطلاعات” التي تديرها الحكومة الإيرانية. لقد تحدى الشعب العربي الأحوازي الوضع الأمني الخانق خلال الحرب الإيرانية-العراقية وجعل مدن الأحواز، ولمدة عشرة أيام، مسرحاً للاحتجاج على سياسة النظام الإيراني في انتهاك الهوية العربية الأحوازية. الاحتجاجات التي تم تسميتها بانتفاضة الكرامة في القاموس السياسي الأحوازي، حيث انها حقاً كانت موقفاً شجاعاً من أبناء شعبنا في الذود عن كرامة وعزة الشعب العربي الأحوازي أمام كل من تسوّل به نفسه التعدي على هويته العربية.
وفي مارس 2018 وبعد مرور ثلاثة وثلاثين عامًا على تلك الاحتجاجات الجماهيرية ، مرة أخرى تكررت السياسات العنصرية للحكومة المركزية الإيرانية في إنكار الوجود العربي المتجذر في الاحواز من خلال بث برنامج تلفزيوني يتجاهل وجود العرب على أرض الأحواز. وهذه المرة أيضا لم يتوانى أبناء شعبنا لحظة عن القيام بواجبهم في الذود عن وجودهم و هويتهم حيث خرجوا في مظاهرات عارمة اكتظت بها شوارع كل المدن الأحوازية لتندلع بذلك شرارة انتفاضة أخرى لا یلیق بها اسمٌ غير “انتفاضة الكرامة ” لتكون ثاني انتفاضة أشعلها شعبنا للدفاع عن كرامته وهويته المستهدفة من قبل النظام العنصري الإيراني.
في هذه الأيام التي تستهدف فيها موجة جديدة من العنصرية الإيرانية هوية الشعب العربي في الأحواز ، يُعتبر إحياء ذكرى الانتفاضات الأحوازية أمراً مهماً. وكما جاء في القسم الأول من سلسلة احياء ذكرى انتفاضة الكرامة الأولى نجدد تأكيدنا على ضرورة توثيق أحداث انتفاضة الكرامة الأولى التي حدثت في عام 1985.
وفي هذا الصدد ، أجرى قسم الدراسة والتحقيق في التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز (التيار) مقابلة مع أحد النشطاء السياسيين لتلك الفترة الذي كان له دورٌ بارزٌ في التنسيق والحضور في مظاهرات انتفاضة الكرامة الأولى، وفيما يلي نقرأ معاً مقابلة التيار مع الناشط السياسي الأحوازي سعيد الأحوازي (هذا اسم مستعار والاسم الحقيقي للشخص محفوظ لأسباب أمنية):
سؤال: برأيك كيف كان الجو الاجتماعي والسياسي للأحواز في فترة ما بعد ثورة 1979؟
في الحقيقة الحراك السياسي في مدينة المحمرة عام 1979، وبعد ذلك مجزرة أهالي المحمرة وعبادان (الأربعاء السوداء) علي يد النظام الإيراني لعبتا دورًا مهمًا في تشكيل التيارات السياسية لجيلنا. الأحداث التي شهدها جيلنا أو تابعها في وسائل الإعلام والصحافة آنذاك مثل دورية “طهران مصوّر” وبعض الصحف المحلية الأخرى ، أو الأخبار التي كانت تتناقل شفهياً ، مثل هجوم القوات العسكرية الإيرانية بقيادة المجرم “احمد مدني” على مدينة المحمرة والمذبحة ألتي ارتكبوها هناك، تركت في أذهان الجماهير العربية صورة حیة لا يمكن ازالتها.
خروج القوات البحرية الإيرانية الخاصة من بوشهر وإرسال قوات من خرم آباد ودسبول (القنيطرة) بالتعاون مع أعضاء الجماعة المسلحة التي يقودها المجرم “جهان آرا” لإبادة الشعب العربي في المحمرة وعبادان، كل هذه الأحداث وغيرها، لم تبقي ذرة من الأمل في إمكانية تغيير هذا النظام للأفضل.
وكمأ تعلمون جميعاً أن في بداية عام 1979 و بناءاً على آمال الشعب العربي الاحوازي بالثورة التي أطاحت بنظام الشاه، توجه وفد ثلاثيني بالنيابة عن شعبنا الاحوازي إلى طهران وقدموا مطالبهم في إطار الدستور لكن لم يمضي وقت طويل حتي أمر الخميني بقمع الشعب العربي الأحوازي وشن مجزرة المحمرة. عندها رأى الناس بوضوح أن موقف النظام الجديد لم يختلف عن النظام السابق وهذا النظام ينتهج نفس الطريقة العنصرية والدموية لنظام البهلوي المقبور.
اندلاع الحرب بين إيران والعراق ، والشعارات القومية التي كان يمثلها النظام العراقي السابق لمواجهة الشعارات الدينية الإيرانية ، أيضاً كان عاملاً في خلق أجواء مليئة بصدام الخطابات. هذه الأمور جعلت الشباب الأحوازي أمام تحديات وخيارات متناقضة تضمنت تساؤلات مثل : كيف يمكن المشاركة في الحرب مع جانب من الطرفين؟ هل علينا اتخاذ خيار الحياد والصمت وعدم المشاركة؟ هل نرفض الخدمة العسكرية الاجبارية؟ (وجميعنا نعلم أن رفض الخدمة العسكرية الاجبارية يُعد جريمة بموجب القانون الإيراني).
لقد تأثر الشعب العربي الأحوازي بشكل مباشر حيث بلدنا كان ساحة للحرب التي استمرت لمدة ثماني سنوات حيث استهدفت مدننا وقرانا من قبل الجيش والقوات الإيرانية من جهة ، والجيش العراقي من جهة أخرى ، وتشردت الأهالي بسبب الحرب وتهدمت منازلهم. كان شعبنا إما مشتبك عن قرب في الحرب أو متابع أخباره عن كثب.
بالإضافة الى هذا خلق الإعلام العراقي أجواء مليئة بشعارات والأغاني الملحمية العربية الوطنية التي أثرت بشكل كبير على جيل الشباب العربي في الأحواز . هذه الأجواء تركت تأثيرها على جيل الشباب. كثير من هؤلاء الشباب والمراهقين كانوا يبحثون عن طرق للقيام بواجبهم، لذلك قاموا بإنشاء مجموعات لممارسة أنشطتهم التي كانت تشمل كتابة الشعارات على الجدران ونشر البيانات. بطبيعة الحال ، هؤلاء المراهقون (عادة 12 سنة أو أكثر) والشباب الذين ليس لديهم خبرة سياسية دفعوا ثمناً باهظاً وتعرضوا لقمع شديد من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية ، والعديد من هؤلاء الشباب إما أُعدموا أو حُكم عليهم بالسجن لمدة طويلة.
خلال هذه الفترة ، بسبب تدمير المدن والقرى الحدودية وهجرة مئات الآلاف من الأحوازيين إلى مدن وسط إيران ، حدث تغيير كبير في التركيبة السكانية لإقليم الأحواز. لهذا السبب تأثرت الأنشطة السياسية في إقليم الأحواز بشدة نتيجة هذا العامل الديموغرافي. بمعنى آخر ، أثرت الحرب والتدمير والهجرة على الأنشطة السياسية للشعب العربي ، والتي كانت في الغالب أنشطة مدنية، ومقارنة بذروة هذه الأنشطة خلال فترة مجزرة المحمرة في عام 1979 ، لقد شاهدنا تراجعاً ملحوظاً لهذه الأنشطة. ولكن لابد من الإشارة الى حالة استثنائية وهي ظهور “فريق ارفيش الرياضي” والحراك السياسي الناجم عن هذه الظاهرة الرياضية السياسية الفريدة من نوعها. فان ظهور فريق ارفيش على المسرح الرياضي والسياسي في تلك الفترة قد أعطى طاقة هائلة للحركة السياسية عند الشعب الأحوازي.
سؤال: لنعد إلى إهانة صحيفة اطلاعات الحكومية، اشرح لنا تفاصيل ما جرى في تلك الفترة.