في دولة متعددة الأعراق كإيران فإن المعنى السياسي للتنوع السكاني ستكون له عواقب خطيرة. وفي ظل حملة التقارب الدبلوماسي مع الغرب، فإن عدم احتواء قنبلة الأقليات الموقوتة سيؤدّي إلى انفجارها في وقت تسعى فيه إيران إلى بسط نفوذها في المنطقة.
تمارس السلطات الإيرانية تعتيما كبيرا على ما يجري داخل الأراضي الإيرانية الممتدة على مساحة 1648 ألف كم². وقد جعلتها هذه السياسة من بين أكثر دول العالم تجاهلا لحقوق الإنسان وقمعا للحريات، حيث تنتشر يد الحرس الثوري الطولى من شمال البلاد، حيث حدودها مع تركمانستان وأذربيجان، وغربها الحدودي المضطرب مع العراق وتركيا، ومن جهة الشرق مع أفغانستان وباكستان.
هذا الموقع الجغرافي جعل إيران محاطة بمنطقة تكثر فيها ظاهرة الأقليات العرقية والهويات المتداخلة، وإيران نفسها، وكبعض جيرانها على غرار العراق وتركيا، تضمّ العديد من الأقليات التي تمارس ضدّهم ضغوطات كثيرة. وكثيرا ما ربط مراقبون الضجة الإعلامية التي تحدثها السياسة الخارجية الإيرانية، في مناسبات كثيرة، باضطرابات وحراك داخلي في إيران، سواء من المعارضة الإيرانية أو من سكّان المناطق الحدودية من الأقليات العرقية، على غرار عرب الأحواز.
وقد أكّد خبراء محلّلون في كثير من المناسبات أن الأقليات قنبلة موقوتة، وتواصل الضغط عليهم سيولّد انفجارا خطيرا في إيران. لذلك حاول الرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني- وهو من المعتدلين نسبيا بعد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد- استمالة الأقليات خلال حملته الانتخابية، مؤكدا على الدور الفاعل للأقليات الدينية في تقرير مصير إيران.
لكن ذلك تبدّد بمجرّد أن اعتلى روحاني كرسي السلطة، حيث دشّن كبير المفاوضين النوويين السابق، ولايته الرئاسية بإعدام 350 ناشطا سياسيا أغلبهم من أبناء الشعوب غير الفارسيّة وخاصّة البلوش والأحوازيين والأكراد والآذريين.
ودائما ما تنفي طهران التقارير التي تتحدّث عن مشاعر الاستياء المنتشرة بين الأقلية، خصوصا في ما يعرف بقضية الأحواز. ويصف الإيرانيون مثل هذه التقارير بأنها جزء من مخطط أجنبي لسرقة النفط الذي يقع في أراضيها المطلة على ساحل الخليج.
التهديد الحقيقي
تصاعد الاضطرابات العرقية المسجلة في إيران، رغم التعتيم الإعلامي عنها، ضد عرب الأحواز والأكراد والتركمان والبلوش والأذريين، يوحي بأن إيران تعيش فعلا أزمة كبرى مع أقلياتها المختلفة، وأبرزها عرب الأحواز الذين يشكلون أكثر من 3 ملايين نسمة، أي نحو 5 بالمئة من سكان إيران، تقطن أغلبيتهم مدينة الأحواز في أحياء شعبية فقيرة ومكتظة بالسكان، لتلقي بمزيد من التعقيد والأعباء ليس فقط على حكومة حسن روحاني، وإنما على كافة أركان نظام الملالي، خاصة مرشد الثورة، والحرس الثوري، والاستخبارات العسكرية. فما يشكّل حقيقة الخطر الأكبر عن إيران هو الأقليات والمشاكل الداخلية، لا كما يردّد ساستها دائما، التهديد الإسرائيلي بقصف منشآتها النووية.
وكانت عربستان مشيخة تتمتع بحكم شبه ذاتي حتى عام 1925 عندما أصبحت تحت سيطرة الحكومة الإيرانية المركزية، وفي وقت لاحق أعيد تسميتها في بداية ما يصفه بعض الأحوازيين بأنه حملة منظمة لتحويلها إلى فارسية إن لم يكن لطمس ملامحها.
وأقصى طموح للأحوازيين هو إقامة دولة مستقلة تمتد وراء حدود الأحواز التي تقع عند رأس الخليج الاستراتيجي وتشترك في الحدود مع العراق. وتسببت محاولة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لضم الأحواز في اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات.
يعكس تحول الكثير من أهالي الأحواز، ذات الغالبية الشيعية، إلى الطائفة السنية، نكاية منهم بالسلطات الإيرانية، حدّة الموقف وتأزمه بين الطرفين. ويعتبر تعدد الأعراق عاملا مؤثرا على استقرار النظام الإيراني مثلما حصل إبان انهيار نظام الشاه في العام 1979.
وفي عام 1980 وبدعم عراقي احتجز انفصاليون من الأحواز 26 شخصا رهائن في السفارة الإيرانية في لندن. واقتحمت قوات خاصة بريطانية السفارة بعد حصار استمر ستة أيام وقتل إثنان من الرهائن وخمسة من الخاطفين. وعبر آلاف من الأحواز الحدود إلى العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وأعطي لبعضهم أراض لكنهم لم يعودوا موضع ترحيب في ظل الحكومة التي يقودها نوري المالكي، الموالي لإيران.
صراع الهويات
يشير الباحث عبد القادر نعناع في دراسة نشرها مركز المزماة للدراسات والبحوث تحت عنوان “صراع الهويات في إيران: بين الهوية الكلية والهويات الفرعية” إلى أن “السياسة الحكومية الإيرانية في ثلاثة اتجاهات متضادة ضمن سياسة متكاملة إزاء الأقاليم العرقية. أولها كان محاولة الدمج القسرية للمحيط العرقي ضمن هوية أحادية فارسية (السحب)، والثاني (النبذ) عبر التهميش لتلك المناطق، أما الثالث (العبث) عبر تفتيت التركيبة الديمغرافية سواء بالتهجير أو استبدال الفرس بالسكان الأصليين.
وخلص الباحث إلى أن هذه السياسات الثلاث تؤدي جميعها إلى “جعل خطوط التماس العرقية القائمة تشكل خطوط تصدع عرقي، مما يدفع نحو تفكيك الدولة في ظروف مستقبلية معينة، منها على سبيل المثال، انحسار سلطة المركز على الأطراف، كما حصل في العراق وسوريا، أو انهيار شرعيتها، أو تعزيز المقاومات المسلحة على امتداد تلك الخطوط، بل حتى عبر تدخلات خارجية مصلحية تحت ذرائع حماية الأقليات، أو في حال نقل عدوى التفتيت الأقـــاليمي من جوارها.
وهذه الخطوط هي أشبه بخطوط التصدع العرقي والديني في دولة الاتحاد السوفيتي قبل انهيارها. وخاصة أن السلطات الإيرانية المتعاقبة منذ إيران الشاهنشاهية، ووصولا إلى الملالية، لم تر في هذا الطوق، سوى تهديدا على وحدة كيان الدولة المستحدثة، واعتبرت سكان تلك الأقاليم “عملاء” للدول المجاورة لهم، أو “متمردين” على السلطة الشرعية. فاعتمدت تجاههم جملة من السياسات التمييزية على أساس العرق أولاً، وعلى أساس الدين بشكل لاحق”.
ويؤكّد مراقبون أن أشدّ ما يقض مضاجع الملالي هو شبح نشوب صراع عرقي وإثني، أو المزيد من الهجمات مثل التفجيرات التي وقعت في 18 أكتوبر 2013 في محافظة سيستان ببلوشستان النائية والتي قتلت 42 شخصا، بما فيهم خمسة من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني.
ــــــــــــــــــــ
نقلاً عن: صحيفة العرب.
تنويه:
– لقد تطرق كاتب المقال الى حقائق وأمور هامة جداً و إن كنا لا نتفق معه في بعض الأمور كالإحصائية التي ذكرها حول عدد سكان الأحواز. فالأنظمة الإيرانية المتعاقبة تتحاشى ذكر الاحصائية الحقيقية للشعوب غير الفارسية و لكن حسب المقارنات و الاحصائيات الميدانية فان عدد سكان الأحواز يقدر بثمانية الى عشرة ملائيين نسمة.
– قد تم استبدال اسم خ و ز س ت ا ن المزور الى الأحواز،ألإسم الحقيقي للإقليم، من قبل ادارة موقع بادماز.