حزن وخيبة أمل، هيمنا على الأحواز والأحوازيين بجريمة قتل بشعة، هزت ضمير الإنسانية، وصدمت الأحوازيين، ومنهم الناشطين في الساحات الثقافية، والفاعلين في مضمار تعزيز الهوية العربية.
وما كان للإنسان الأحوازي بعد أن نشرت وسائل التواصل الإجتماعي ذلك المقطع المصور البشع من الشاب الذي يحمل بيده رأس تلك الفتاة، سوى أن يكثر من رسائل الحزن، وينهال على الفاعلين برسائل الشجب والتنديد، واللعن، وكأن قوة الصدمة أفقدت الفاعل في الأحواز زمام المبادرة وأدخلته في حالة من الانفعال والحيرة.
ما بدر من حزن بالغ قد كان نتيجة طبيعية لما حصل، ولا غرابة منه فهو يدل على سلامة الضمائر الإنسانية، و روح الرأفة السائدة في المجتمع الأحوازي، غير أن ردود الأفعال على هذه الجريمة أخذت عند الكثيرين مناحي أخرى، حيث أنها تجاوزت حالات الحزن والشجب إلى الشعور باليأس والإحباط، ولاسيما في صفوف الناشطين والفاعلين، وهذه حالة غير صحية تضعف قدرة الشعب الأحوازي في تشخيص حالاته المجتمعية، و ضياع روح المبادرة والعمل على معالجتها.
ومن جملة ما ضيعته بشاعة الجريمة على المتابع للشؤون الأحوازية، هو الشعور بسلامة أجهزة الاستشعار الاجتماعية عند الأحوازيين، وهي حالة تعتبر من أهم المواصفات لدى الشعوب الحية والفاعلة، فكلما كانت هذه الأجهزة الاستشعارية أكثر حساسية، وأبلغ دقة في الإعلان عن حالات الخطر الداهم، أو البلاغ عن تصرفات خارج النظام المطلوب كلما كان المجتمع أحسن حالا، وأكثر تحصنا أمام المخاطر التي تحيط به.
والملفت للنظر أن هذه الأجهزة الاجتماعية، تعمل كالكريات البيض في جسم المجتمع السالم، إذ عليها أن تحدد الأجسام الدخيلة والغير مرغوب فيها فتعلن عنها، حتى يستنفر الجسم طاقاته لمقاومتها، ولو لا هي لما استطاع الجسم مقاومة الأمراض، التي لابد من تعرض كل جسم لها طوال فترة حياته.
ومما يسر، ويجبر الخاطر هو أن نرى وبكل وضوح سلامة جهاز الاستشعار الاجتماعي في الأحواز، فهو يعمل وبكل دقة للإخبار عن قدوم المخاطر، أو عن وجود حالات مرضية في المجتمع، وفي الردود التي حصلت تجاه هذه الجريمة البشعة ودق أجراس الخطر خير دليل على سلامة هذا الجهاز المناعي عند الأحوازيين.
وأما سلامة هذا الجهاز الاستشعاري في الأحواز لا تنحصر على هذه القضية المؤلمة وحسب، ففي أحداث سابقة، كانتفاضة عام 2005 والتعامل اليقظ مع الرسالة المسربة من مكتب رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك -محمد خاتمي-، أو في انتفاضة الكرامة في عام 2017 كرد فعل على الإهانة الموجهة إلى الشعب، أو في التصدي لأزمة الفيضانات المفتعلة، أو في مواجهة أزمة الجفاف، وأيضا في تنديد وشجب الكثير من الأحداث العشائرية، و حتى في التكاتف الشعبي الواسع لمعالجة خلافات ذات البين والتي اقتضت في الكثير من الأحيان مساهمة كل شرائح المجتمع لجمع مبالغ كبيرة جدا، وكذلك في الكثير من المواقف الأخرى أثبت جهاز المناعة لدى الشعب الأحوازي سلامته ودقة تشخيصه.
فما يجب أن لا يضيع على الإنسان الأحوازي عموما، وعلى الفاعل والناشط الاجتماعي خصوصا هو أن مجتمعنا مازال يحظى بحيوية حيث بإمكانه تشخيص الآلام، والسعي في معالجتها، كما علينا أن نعلم أننا مدينين لسلامة جهاز مناعة مجتمعنا الأحوازي لكل الناشطين والفاعلين و الداعمين والمؤيدين للعمل الثقافي والهووي و العلمي.
وأما ما ينبغي أن يتم الحرص عليه هو الحفاظ على سلامة هذا الجهاز في جسد المجتمع الأحوازي، ولنعلم أن من أخطر الآفات عليه هو اليأس والإحباط، وترك ساحات العطاء.ل