حادثة الأحواز مازالت تلقي بضلالها في المشهد الأمني والسياسي الداخلي الإيراني بسبب توقيت ومكان الحادثة، حيث كان النظام الإيراني يعاني من ازدياد العزلة الدولية وفقدان سمعته البراقة التي صنعها لنفسه منذ الثورة، وهي دعم وحماية المحرومين والمضطهدين في العالم، وإحياء الدين الإسلامي الذي كان يراه النظام مهمشاً في المجتمعات الإسلامية.
هذا من الجهة الخارجية، أما على الجانب الداخلي يتلقى النظام ضربات اقتصادية موجعة كل يوم نتيجة انهيار عملته الهاوية والفساد الاقتصادي المستشري في أعلى مؤسسات السلطة. أما مكان الحادث فهو منطقة الأحواز العربية التي كانت ساحة لحروب طاحنة بين إيران والعراق في الثمانينيات من القرن الماضي والتي راح ضحيتها الآلاف من الطرفين وانتهت بفشل الطرفين في إنجاز أي هدف استراتيجي لهما، سوى انتشار الفوضى والفساد والفقر والتخلف.
كل عام في هذا التوقيت يحتفل النظام الإيراني بالنصر المزعوم إبان الحرب العراقية-الإيرانية ليحاول أن يصنع من نفسه بطل الحرب وحامي إيران من الغزو العراقي وتجزئة عربستان الأحواز علي يد صدام. مصممو وقادة سناريوهات هذه العروض العسكرية لا يأبهون بإعادة صنع المشهد العسكري للحرب الماضية وتكرار أو فبركة قصص وهمية ممزوجة بالشعبوية في أذهان الطبقة المؤيدة للنظام، والقرع على طبول العنصرية الفارسية ومعاداة وتصوير العرب أعداءً للشعب الفارسي، والطامعين بأرضه، مما ساهم في ازدياد الشعور بالعداوة تجاه السكان الأصليين (العرب في الأحواز).
ولو أن ملابسات مشهد الحادث بقيت لحد الآن غامضة، ولا أحد يملك الرؤية والحقيقة المطلقة عن الجهة المباشرة وراء الحادث، إلا أن كل المؤشرات توحي بأن النظام الإيراني كان بحاجة إلى سناريو من هذا النوع لتخفيف حدة الضغوط الداخلية الناجمة عن المحنة الاقتصادية والسياسية عليه وحرف الأنظار إلى أمور أخرى مثل أمن البلاد أو مواجهة العدو الخارجي.
مباشرة بعد الحادث دأبت أجهزة وماكينة الإعلام التابعة للنظام الإيراني وعملاؤها في الخارج على تصوير الحادث بالطريقة التي أراد لها النظام، وهو “عملية إرهابية” ضربت مواطنين كانوا يشاهدون عرضاً عسكرياً؛ لتصوير النظام كضحية الإرهاب. يمكن الإشارة إلى بعض أهداف ونوايا للنظام الإيراني من خلق وحدوث هذه الاضطرابات في الإقليم كالتالي:
– تبرير استمرار القيود المفروضة على حرية وحركة الأفراد في الإقليم، وازدياد عناصر الحرس والباسيج، لمتابعة نشاطات وتحركات كافة المواطنين العرب، بغية التعرف على مكان وجودهم أو توجهاتهم السياسية، وعدم السماح لإقامة أي مهرجانات ثقافية أو اجتماعية في الإقليم.
– على الصعيد الأمني، يسعى النظام دائماً إلى فرض قيود أمنية وطوق أمني على الأحياء العربية المنتفضة، مثل: حي الدايرة، والملاشية، وكوت عبد الله، وغيرها من الأحياء التي تنشط فيها أعداد كبيرة من شباب الأحواز، وحاول بناء جدار أمني وبالتالي خنق هذه الأحياء اقتصادياً وأمنياً. ولو أن النظام ليس بحاجة إلى ذريعة لتنفيذ هذه المشاريع، إلا أن مثل هذه الحوادث يستغلها النظام إعلاميا أمام المؤسسات الدولية التي دائماً تتهمه بممارسة سياسة غير إنسانية مبرمجة في الإقليم.
– الإبقاء على الحالة الأمنية المشددة في الإقليم، يساعد النظام على قمع أو إخماد احتجاجات كبرى كتلك التي اندلعت هذا العام، ومنها مازال مستمراً، مثل مظاهرات عرب الأحواز ضد إهانة هويتهم ووجودهم في الإقليم والمظاهرات ضد سياسة تدمير البيئة وسرقة المياه وتلوث الهواء والبطالة واحتجاجات العمال، وغيرها من المظاهرات التي لم تتوقف في الإقليم منذ العام الماضي. فبهذا الحادث حاول النظام إظهار الإقليم كساحة اختراق وتهديد أمني للبلد وليس هناك مظاهرات مدنية سلمية.
– عبر هذه العملية أراد النظام أن يبرر اعتقال المزيد من النشطاء والنخب الأحوازية، وتصفيتهم بدواعي وتهم مصطنعة، مثل الانتماء إلى حركات إرهابية كما حدث في عام 2006، حيث فبرك النظام مسرحية لضرب المحتجين العرب أثناء الانتفاضة الكبرى ضد سياسات النظام العنصرية الرامية إلى التغيير في التركيبة السكانية لصالح الوافدين الفرس إلى الإقليم. ولإنجاز هذا الغرض، اختار النظام ضحيتين اثنين لم يبلغا الثامنة عشر من العمر لتبرير خطته المشؤمة، واستطاع مراقبتهم وبينما كانوا ينوون رمي قنبلة صوتية لتخويف المستوطنين، إلا أن النظام بعد رصد دقيق لتحركاتهم وضع قنبلة حقيقية في أحد حاويات جمع القمامة في المدينة، لتنفجر في أحد الشوارع الرئيسة وتقتل عدداً من الأبرياء حتى استغلها النظام الإيراني للانتقام من المحتجين والنخبة الأحوازية وبث الرعب بين المجتمع الأحوازي.
– تصوير المناطق التي تقطنها الشعوب غير الفارسية، بأنها بؤر توتر يمكن أن تنفجر وتهدد وحدة أراضي إيران، وهذا ما يستلغه دائماً النظام للعب على مشاعر القومية الفارسية المسيطرة على مفاصل البلد ولكسب التعاطف الداخلي معه.
يعلم الجميع أن النظام الإيراني يسيطر أمنيا بشكل تام على إقليم الأحواز، ولديه ما يكفي من وسائل أمنية لحماية العرض العسكري الذي تعرض للهجوم خصوصاً، لم يسبق لهذه العملية أي إنذار حكومي لمؤسساته، أو حتى لم يتم اعتقال أو رصد أي تحركات مشبوهة في الإقليم. إلا أن النظام أراد أن يلبس لنفسه ثوب الضحية والحضور والخطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كأحد ضحايا الإرهاب العالمي وليس ممول الإرهاب كما يعرفه العالم.
بالتالي لم ينل النظام الإيراني ما كان يطمح إليه من هذه المسرحية، سوى إصابة قدميه، بل وحتى الدول التي أدانت العملية مجبرة أو مجاملة، كان بسبب بني ظهور إعلان داعش على الخط، بل وإن تلك الدول لم تستطع تقديم أي إسناد سياسي وحتى معنوي سوى الاكتفاء بتصريح إعلامي بسيط للتعاطف مع الضحايا.
في الختام، نؤكد أن المشهد السياسي في إيران والأحواز خصوصاً، لم يُريِح النظام، وأصبح الوضع الداخلي أكثر تعقيداً بسبب السيناريوهات القذرة التي تصنعها أجهزة النظام لتحريف الواقع السياسي المتقلب في إيران وعسكرة الأحواز، مما يزيد من إصرار الشعب العربي الأحوازي على مواصلة مشواره الوطني، ومقاومة كل سياسات النظام الإجرامية في الإقليم بالطرق السلمية.
وفي ظل الحديث عن نية بعض الجهات الدولية دعم فكرة تغيير النظام في إيران، فإن ذلك سيكون قضية الشعوب غير الفارسية في صلب الاهتمام الدولي، لأنها مشتعلة بثورات وتحركات جماهيرية واسعة ضد السلطة، بسبب تراكم قمع السلطة لهذه المناطق وتهميشها والهيمنة الأمنية عليها.