ما يجري في مثلث إيران – لبنان – اليمن، حرب إيرانية الهوية بامتياز، ولا مجال ولا مبرر ولا قيمة لتحديد المسؤولية. فمجلس الأمن فقد تأثيره الدولي بظهور دولة المخابرات الروسية، التي التقت مصالحها مع بقايا القوى الديكتاتورية والمتشددة في العالم. فتماسك النظام في سوريا منذ تفجير مكتب الأمن القومي عززه الدعم الإيراني المفتوح والمعلن، والاضطرابات في اليمن، والتحريك في بعض البقع الخليجية، وتعقيدات الوضع العراقي، وتوقيتات مراحل التحريك على الساحة اللبنانية، كلها تدخل ضمن اهتمامات مكتب المرشد الإيراني الأعلى، الذي بني وفق فلسفة «حماية الثورة بتصديرها»، وهناك يعملون كخلايا النحل، في أعقد أوكار لعب الحرب السرية.
قبل بضعة أيام، أعلن في اليمن، العثور على صواريخ أرض – جو بارتفاعات مختلفة، في سفينة شحنت أسلحة إيرانية إلى المسلحين الحوثيين وغيرهم، فيما عجز العالم كله، من «أصدقاء» الشعب السوري وجيوشهم، ومهربو السلاح وتجاره، وتنظيمات المعارضة السورية في الخارج، عن تأمين صواريخ أرض – جو محمولة على الكتف، من سوق خردة السلاح، للمقاتلين في الجيش الحر. وهو ما يظهر درجة تصميم القيادة الإيرانية على دعم حلفائها، والفرق الشاسع في نمط التفكير بينها وبين الآخرين. وقد أدرك العالم البعد الاستراتيجي الفعال لدعم سوريا وإيران لحزب الله، الذي لعب دورا محوريا في تعزيز النظام في سوريا، وشكل قاعدة إمداد أمينة له.
في مقال قديم، تطرقت إلى مخاطر تحويل اليمن إلى أفغانستان أخرى، نظرا لموقعه الهام، وللترابط القوي بين أمنه وأمن الخليج، يفترض أن لا يتحول إلى شوكة في خاصرة الخليج. ومع عدم الشك في وجود إجراءات خليجية – غربية للتفاعل الإيجابي، إلا أن النفوذ الإيراني مستمر، وربما أقوى كثيرا من الإجراءات المضادة، ويعمل على أكثر من اتجاه. فالفلسفة الإيرانية لا تلتزم بشروط التعاطي العقائدي، بل بقدرة التأثير المتوقعة من العلاقات، وهو ما تثبته التحركات في جنوب اليمن وغزة سابقا، وبعض الفصائل «السنية المتطرفة».
الضربتان الجويتان الإسرائيليتان الأخيرتان، استهدفتا موقعا كيماويا وقافلة أسلحة متجهة إلى لبنان، وهذا يدل على أن المراقبة الإسرائيلية دقيقة ومتواصلة، خصوصا تجاه ما يتعلق بالقافلة، ويدل أيضا على أن جنوب لبنان يشكل قاعدة تخزين للسلاح في حالة انتقال الصراع إلى الساحل السوري، رغم أن النظام استطاع الإخلال بمعادلات القوة خلال الأسابيع الأخيرة، نتيجة التضييق الدولي على توريدات السلاح إلى الجيش الحر. وتظهر الغارة درجة المبالغة في السلوك الإسرائيلي عندما يتعلق الأمر بنظرية الأمن الوطني. إلا أنها لن تكون قادرة – لا الآن ولا في المستقبل – على «تدمير» المنشآت النووية الإيرانية، لأنها لا تمتلك الوسائل الكافية لإدامة زخم الضربات على أهداف محمية ومنتشرة.
لا بد من الإقرار بأن ما يجري من أحداث ومؤامرات وعمليات قتالية هو حرب غير مباشرة بين إيران وجيرانها، بعضها خفي، وبعضها الآخر مكشوف تحت أشعة الشمس، ولا تتردد إيران في كشفه، تعزيزا وتشجيعا لحلفائها، ولمحاولة ثني خصومها عن محاولات الضغط عليها، في مجالها النووي، الذي يحتل جزءا مقدسا في سلم أولوياتها، أصدرت فتاوى لتحريمه أم لم تصدر. فقد دفعت إيران ثمنا باهظا، اقتصاديا وسياسيا من أجله، ولو لم يكن النووي مهما في حسابات القيادة الإيرانية لأمكنها التخلص من العقوبات دفعة واحدة.
وفي المقابل، فإن الدول الغربية والعربية المهتمة بالشأن الإيراني، عجزت عن الرد بفعل مماثل، فقد بقيت منظمة «مجاهدين خلق» في قوائم الإرهاب لسنوات حاسمة طوال، ولم يحظ عرب الأهواز بدعم أي جهة دولية أو عربية لمساندتهم، رغم نشاطهم المميز سياسيا وإعلاميا وثقافيا. وبقيت عيون تنظيمات دينية سنية متجهة صوب إيران طمعا في دعمها، وكل ما سمعنا من تصريحات ختامية من هيلاري كلينتون ومن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لا تعني شيئا يستحق الاهتمام، فالرئيس باراك أوباما ليس ضالعا في العسكرية ولا الأمن، ويخشى مخاض المواقف الصعبة.
وعندما تكون الصورة هكذا، يصبح البحث عن خيارات دبلوماسية هادئة نهجا مرجحا، وأظنها موجودة خلف الكواليس، لكنها ستستغرق وقتا طويلا، خصوصا بعد عمليات لي الذراع على الساحة السورية، فكلما اقتربت المعارضة من تحقيق منجز كبير أوقفوا عنها المدد، وكبحوها بتصريحاتهم وعقوباتهم وبخلهم وتقاعسهم وتآمرهم أو بحرجهم، كل بما ينطبق عليه وصف أو أكثر.