أدهشني حقاً حديث روحاني ممثل المرشد علي خامنئي وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني السابق لـ24 عاماً عندما قال إن “الجمهورية الإيرانية الإسلامية تبحث عن السلام والاستقرار في المنطقة. “
وفضلاً عن مجلس الأمن القومي كان روحاني رئيساً لمكتب الدراسات الاستراتيجية للنظام، وكأنه لم يكن من صُناع القرار منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية، حيث تدرج في مناصب عدة ابتداءً من إعادة تنظيم الجيش السابق “ارتش” بأمر من علي خامنئي عام 1979 م، ومندوباً للعاصمة طهران في مجلس الشورى لخمس دورات متعاقبة إلى رئاسة الفريق المفاوض في الملف النووي الإيراني مع الغرب.
ولمجلس الأمن القومي ومكاتب الدراسات الاستراتيجية التابعة للنظام دور مصيري في صناعة القرار ورسم السياسات الداخلية والخارجية، لكن أين كان حسن روحاني المعتدل من حث رفاقه في النظام على الترويج للسلام والاستقرار في المنطقة طوال العقود الثلاثة المنصرمة من عمر الجمهورية الإسلامية؟!
وتعول الكثير من الأطراف الدولية خاصة الجوار العربي على حسن روحاني، كما تمنّت هذه الأطراف لسلفه أحمدي نجاد ليحصل تغيير في سياسات إيران الخارجية. وبعد مرور ثلاثة عقود من الحكم “الإسلامي” في إيران، هل يختلف اثنان في منطقتنا العربية على أن النظام يبني سياساته الخارجية على التدخل في شؤون الدول وزرع الفتنة وتفكيك المجتمعات العربية على أساس طائفي؟
اعتمد روحاني في حملته الانتخابية الصوت المعتدل وتقرّب نوعاً ما من التيار الإصلاحي، كما كان مدعوماً من الرئيس السابق رفسنجاني وذلك لعدة أسباب أهمها مواجهة المشروع الذي تناوله الكونغرس الأميركي لتحرير آذربيجان الجنوبية وبلوشستان من إيران ويؤثر حتماً على باقي الشعوب داخل جغرافياً إيران الحالية للالتحاق بركب قطار التغيير الذي يسير وبسرعة في المنطقة.
وكذلك تخوّف شريحة واسعة من الفرس القوميين وعلى رأسهم أكبر هاشمي رفسنجاني من تفكك إيران الحالية، وذلك للتنوع القومي الذي تتميز به مقارنة بباقي الدول العربية والمجاورة لها، وتأثير هذه الشعوب على الحراك العربي الرامي لنيل الحقوق والحرية والخلاص من الأنظمة الرجعية.
والسؤال المطروح في الوسط السياسي العربي بعد وصول الرئيس الجديد هو: يا ترى هل تتغير سياسة إيران تجاه الدول العربية التي يعيش البعض منها حالة من الفوضى العارمة؟ ولمعرفة هذا الأمر يجب الوقوف على مراكز صُنع القرار الأساسية في إيران لتقييم مدى إمكانية تنفيذ ما طرحه روحاني بشأن السلام في المنطقة.
ومن هذه المراكز بيت المرشد، والذي يُعرف في الوسط الإيراني بـ”بيت رهبري” فهو مؤسسة دينية واقتصادية وسياسية وثقافية ضخمة جداً ولهذا البيت امتداد في غالبية الدول العربية من خلال الملحقيات الثقافية ويتولى التبشير للمذهب الشيعي والولي الفقيه علي خامنئي أي “ولي أمر المسلمين”، كما يصفونه في البلد.
وكذلك مؤسسة الحرس الثوري، الجيش العقائدي والحارس الحقيقي للنظام، حيث تتحكم هذه المؤسسة في مجمل الاقتصاد الإيراني، ولها فروع مختلفة وفي كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، كما لها امتداد خارج حدود إيران من خلال فيلق القدس ومنظمة البناء “جهاد سازندكي”، وهذه المنظمة (البناء) تغطي الكثير من أنشطة فيلق القدس في الأقطار العربية.
وتستمد الجهتان قوتهما من بعضهما بعضاً في رسم السياسات الاستراتيجية والمصيرية للنظام خاصة الخارجية منها، ويتبع الحرس الثوري توجيهات المرشد والمؤسسة الدينية، وهذه السياسة المتبعة هي سياسة ثابتة ومعتمده منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، لذا في المدى المنظور ومن خلال المعطيات الإقليمية وكذلك الوضع السائد في إيران من الصعب جداً أن يطرأ أي تغيير على سياسة النظام الخارجية، إنما الأسلوب في الوصول للهدف سوف يتغير خلال حكم روحاني ليس إلا، كما ستكون عدم الشفافية والغموض أهم سمات هذه الحكومة فيما يخصّ سياسة إيران الخارجية.