”روح بلمچيي…رووووح بلمچيي”، لم ولن انسی هذه الکلمات ابدا…کلمات کان قد رددها حسن بن اعبیّد البلدي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي حين أرسلني والدي بمهمة عائلية من مدينة البسيتين الى قرية الخرابة الحدودية مع العراق ولأن كنت صغيرا ويصعب عليه قيادة “المشحوف” خاصة عند العودة حيث يكون السير عكس اتجاه تدفق مياه نهر الكرخة.
أرسل والدي حسن مقابل مبلغ من المال ليكون عونا لي، لكن حسن تمرد عليه ووضع الشاروفة برغبتي وطلب مني أن أجر المشحوف له والشاروفة هي حبل طويل وقوي يمسكه شخص يسير مشيئا على الاقدام على ضفاف النهر ويجلس شخص آخر في مؤخرة المشحوف ويضع المجذاف الخشبي (الغرافة) في الماء ويتحكم باتجاه سير المشحوف حتى لا يرتدم بالجرف.
كل من عاش في مناطق الاهوار (المستنقغات المائية) في جنوب العراق و الاحواز. يعرف المشحوف وأنواعه والمشحوف هو واسطة نقل مائية مصنوعة من الخشب المطلي بالقير، حيث قادرة على اختراق نبات القصب والبردي الموجود بكثرة في الاهوار بسهولة وذلك بسبب تصميمها الجميل ونحافة شكلها.
وكان الصابئة المندائيون من أهم صانعي هذه الواسطة المائية في البسيتين والحويزة والقرى التابعة لهذه المدن الاحوازية التي كان يعتمد اقتصادها على المنتجات الزراعية والثروات الحيوانية والسمكية ومنها هور الحويزة وهور العظيم ومن أهم الصابئة وأمهرهم في صناعة المشاحيف في مدينة البسيتين كان المرحوم رزج بن ساجت واكريدي وسالم في منطقة ابو جلاج وأخرون لم تحضرني اسماءهم.
تصمم المشاحيف حسب نوعية استخدامها والوظائف التي تؤديها ويطلق عليها اسماء عدة، فهناك مشحوف يتسع لشخص واحد (الهويري) وهو سريع الحركة لصغر حجمه وممكن حمله بسهولة وهو مخصص للقنص وخاص لصيادي الطيور، ركبت هذا النوع من المشاحيف وهو كان يعود لصديق والدي كريم الغضب كان ذلك في الماخضية الاسم الذي كان يطلق على هور السابلة والدفار كان اكريّم الغضب وكما ينادونه صياد ماهر وجسور.
كانت الطرادة العادية تعمل بمثابة (التاكسي) لسكنة الأهوار والأنهر الرافدة للأهوار وهناك الطرادة المركزاوية وهي اكبر من الطرادة العادية وتتسع لعدة اشخاص وتمتاز بطول مقدمتها وانسيابيتها وهي من المشاحيف التي يستعملها الشيوخ والوجهاء وأما البلم وهو أقصر من الطرادة وخاص للأنهر فقط وغير مخصص للاهوار.
وقيادة المشحوف في المياه المفتوحة تكون بواسطة مجذاف خشبي (غرافة) خاصة عندما (تنحدر حدار) يعني تسير وفق حركة سير المياه ولكن عندما (تغرب تغريب) أي يكون تحرك المشحوف عكس اتجاه سير المياه يستخدم المردي كما للمردي ايضا استخداما آخر عندما ينحشر المشحوف بين الحشائش أو بين الزوارق عند الضفاف يساعده المردي على الحركة الأولى والمردي عصى طويلة وقوية من قصب الخیزران أو خشب القوّق.
اما الدانك(الدانگ) هو أکبر المشاحیف ومخصص لنقل الحمولة وحمل المنتجات الزراعیة ومنها الرز(الشلب) وقيادته صعبة عندما يكون محمل و يسير عكس اتجاه تدفق المياه(تغريب)في النهر(الشط)وفي هذه الحالة يكون الجر بواسطة الشاروفة.ورد اسم المشحوف في الكثير من القصص والحكايات والأشعار والأغاني الاحوازية والعراقية وامتهن الكثير من أهالي البسيتين مهنة نقل الركاب(معیبرچي) ومنهم المرحوم عوّر ابن اچلیّب والمرحوم دوحي وصالح الطواله، كما للمردي حضورا في التراث الشعبي هو الآخر والكثير منا سامع المثل الشعبي الاحوازي الذي يقول:(دفعت مردي….وبهوا شرجي) وفي قصيدة شعبية كتبتها في المنفى (هولندا) قبل سنين ذكرت فيها المشحوف والدانك والشط:
…أمس چنت بمحطة وگال لی الریل….قطار اللي تنطره یا حمد فات…وبگیت انه بحسرتي وگلب مکسور….واجت عالبال حسبة ومشت حسبات….واجت حسبة وخذتني للبسیتین…وشفت شط الرمیم ولوتت العگبات….وشفت شطنه بزمانه الیشبه الریل…..ومشاحیفه الجمیلة بلیل منحدرات….ودوانیج الشلب امعانده الراگ….لطعیمه الجبر للسوگ متعنیات .