تبدو البلدان العربية في الخليج العربي في صراع مع تأثيرات الجيوبلتيكية وتداعيات العوامل الجيواستراتيجية الصعبة التي تغطي المنطقة على شكل موجات متتالية تُبقيها متأثرة تنتظر الاحداث السلبية. وما يُعقد الحالة الخليجية هو الخلافات والتباين في وجهات النظر بين الدول الأعضاء نفسها. تارة يأتي الاختلاف بين دوليتين، كاختلاف سلطنة عمان والامارات المتحدة و تارة يصبح الاختلاف اكثر خطورة وذلك عند ما تأتي احدى الدول الخليج بالتحالف مع اجنبية على حساب مجلس التعاون الخليجي او احد اعضاءه.
تعقد هذه الامور، المشهد الخليجي الذي يعاني من مخاطر إقليمية متشعبة متأثرة بحروب المنطقة أو مساعي بعض الدول للحصول على القنبلة النؤوية. هذه الأزمة نابعة بالدرجة الأولى من غياب توازن القوى في الشرق المتوسط. وتهدد هذه الأزمات، الأمن الإقليمي المشترك في منطقة الخليج العربي بشكل عام، والأمن الوطني لكل دولة على حدة. وقد أعربت الكثير من دول المنطقة عن قلقها العميق تجاه سياسة ايران بالمنطقة ابتداء بالايديولوجية التوسعية الثورية ثم الحرب مع العراق من ثم البرنامج النووي الإيراني لأن انعكاساته لن تقتصر على أمن منطقة الخليج فحسب، بل على أمن الشرق الأوسط والعالم بشكل كامل.
تثير قلق دول الخليج طبيعة الاستراتيجية للعلاقات الايرانية العمانية في ظل اهمية دور ووحدة مجلس التعاون الخليجي بشأن التحديات المشتركة العربية. في سياق هذه المخاوف اعطت عمان اهمية قصوى لعلاقتها بايران وبدأت تستقبلها وتذهب اليها، فاتحة الباب أمامها للخروج من العقوبات الذي وضعها النظام الدولي عليها، دبلوماسيا واقتصاديا. يُذكر أن سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة بعد سوريا،لها علاقات على مستوى رفيع بإيران واستجابت إيران للجهود العمانية التي هدفت إلى فتح نافذة حوار لطهران مع الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل سري على أراضيها بعد حالة التصعيد غير المسبوقة في الملف النووي الإيراني.
تساور دول الخليج مخاوف من ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ بإﯾﺮان لان ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺪﯾﻦ “ﺑﺎﻻﺑﺎﺿﯿﺔ” ذات أھﻤﯿﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ بين دول مجلس التعاون الخليجي ولاسيما اشرافها على المضيق والسبب الثاني انه اصبحت المصالح بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية متشابكة و متداخلة على جميع المستويات وجاء هذا التقارب عندما باتت العلاقات الخليجية الإيرانية في أدنى مستوياتها، وتشهد توترا وجاءت زياره سلطان قابوس، بعد فوز روحاني، كأول رئيس يزور ايران وأصبح وسيطا لتبادل الرسائل بين واشنطن وطهران من اجل التقارب والتوافق السياسي الذي سيضر بأمن المنطقة وخاصة الخليج العربي.
بقدر ماجهدت العلاقات العمانية الايرانية، لحل الكثير من أزمات ايران العالقة خاصة حول تبادل الرسائل الايرانية –الغربية و اطلاق سراح بعض أفراد الجاليات فيهما قد ضرت بمصالح دول الخليج. حيث تدخلت السلطنة سلبيا في ضبط ايقاع العلاقة الايرانية – القطرية التي أدت إلى المزيد من الاختلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي واستمرت عمان بهذا المنهج حيث انضمت في هدوء إلى دولة قطر في خلاف الدوحة مع الرياض بشأن كيفية التعامل مع إيران تلك القوة الصاعدة بهدف تفريد اعضاء مجلس التعاون الخليجي، كما حضرت سلطنة عمان، قمة غزة التي عقدت في الدوحة لإفساد موقف دول الخليج الموحد من إيران، الذي تتوق إليه الجميع بشدة. وظهرت سوء سياسة السلطنة، عند هجوم العراق للكويت حيث احتفظت السلطنة بعلاقات جيدة مع العراق رغم معارضة الدول الخليجية، مما أثار غيظا خليجيا.
وايضا تاييدها لاستراتيجية انور السادات في معاهدة كامب ديويد. و إبان هجوم ايران للعراق وفي وقت كانت الدول الخليج تقاطع طهران، عززت السلطنة علاقاتها بايران ويعد هذا الامر، الأسوء في سياسات السلطنة. مما أغضب دول الخليج والعراق حيث قال سلطان عمان، حينماكان الصراع على أشد أوزاره بين العراق وإيران، “إن الفرس موجودون هنا من آلاف السنين وسيبقون”. كانت هذه المؤشرات نبذة عن سوء سياسة سلطنة عمان ذات المعايير المزدوجة التي برزت أسوء سياساتها بتطوﯾﺮ اﻟﻌﻼﻗﺔ بين واشنطن وطﮭﺮان على أراضيها وعلى حساب دول المنطقة.
بينما تحذوا عمان خطوات لتعزيز الثقة المفقودة بين ايران والنظام الدولية، وتسعى ايران للتقارب الى بعض دول الخليج،الا ان هناك تدفع عدة عوامل بالعلاقات الخليجية – الإيرانية نحو مزيد من التنافر ومزيد من الانقسام وخاصة في المجال الأمني، ومن أهمها : النـزاع الإيراني الإماراتي حول الجزر الثلاث الاماراتية، الخلاف الطائفي، تأييد إيران لبعض السياسات النفطية المناوئة للخليج الذي تأتي تارة بخروج ايران عن الحصة المقررة لها وتارة بتهديدها باغلاق المضيق وتارة بتهديدها بالهجوم على منشآت الخليج النفطية، برنامج النووي الإيراني العسكري، سياسات ايران التوسعية من خلال تاسيس وتشكيل خلايا تعمل ضد الانظمة العربية وتدخلاتها في العالم العربي.
وأقول اخيراً، تنبع السياسة العمانية من خارج بلدها وهي املاءات من الدول المجاورة حيث لازالت تسعى مسقط لتعزيز علاقتها بطهران لدعم نفوذ ايران في منطقة الخليج العربي ولكسر حالة الجمود التي اتسمت بها سياستة ايران الخارجية وتخفيف حدة العزلة السياسية الموجهة اليها من جانب الغربي والعربي، وانتجت هذه العلاقات في ضبط ايقاع التوافق الامريكي- الايراني على حساب دول مجلس تعاون الخليج العربي. تقييم عملية التقارب الإيراني العماني حاليا أمر ليس سهلا في ظل المتغيرات المتتابعة التي تكتنف الساحة السياسية في المنطقة والمؤثرات الدولية المتزايدة. لكن يجب أن تدرك عمان أن تحقيق التقارب الكامل مع ايران رهن بحل المشاكل العالقة مع دول الخلیج العربي، وأن هذا التقارب يجب أن يكون مرهون بتنازل ايران عن الاسلحة النؤوية والجزر الثلاثة والكف عن تدخلاتها بالخليج والدول العربية، بالعمل وليس بالقول، ويجب ان لا يكون التقارب الايراني -العماني على حساب أي دولة من دول الخليج العربي وأمنها.
صحيح أن السياسة لا تعني قفل الأبواب مطلقا مهما ساءت العلاقات الدبلوماسية ومنع الزيارات بين مسؤولي الجانبين، لكن أيضا مبادئ السياسة تؤكد أن لكل موقف ثمناً، وخاصة في فترة الأزمات.