الحيوان.. لم ولن تفتهم أنت.. إذاً لن تفهم شوف وتعلم! ألم ترَ الإيرانيين يرقصون مع نسائهم في الحفلة؟.. وهو يرد عليها وبصوت عالٍ ”اُس اُس يكفي!”، وتقاطعه ”أنت اُس! اُسكت! فشلتني الليلة أمام صديقاتي!”.
ويرفع صوته مرة أخرى وهي ترد عليه ”اُسكت! إذا رفعت صوتك مرة أخرى سوف أتصل بالشرطة!..”. كنت أتمشى في الحي الذي أقطن به في ستوكهولم وذلك بوقت متأخر من الليل وسمعت صوت امرأةً تخاطب رجل بلغتين العربية تارة والسويدية تارة أخرى، حيث كانت النافذات مفتوحة ما يؤدي إلى سماع الصوت في تلك الشارع الهادىء وهما متبادلان تلك العبارات وبغضب واضح لدى المستمع وذلك من الأوتار الصوتية لديهما.
الذي لفت نظري وتركيزي في تلك المشاجرة بين هذا الزوج ما هو إلا أن المرأة تخاطب الرجل متسائلة لم ترَ الإيرانيين يرقصون مع زوجاتهن؟. (مع أني لم أرَ أي مشكلة في رقص المرأة وزوجها)، لكن تبادر سؤال في مخيلتي؛ هل حرية المرأة في المجتمع الفارسي نتيجة لتقديرها واحترامها من قبل من تعيش معه كـزوج وأب وأخ وإلخ؟. أني مسبقاً أعرف ثقافة الحياة العامة في المجتمع الإيراني لحد كبير وأسلوب إدارة الأسرة الإيرانية، حيث للمرأة الكلام الأول والأخير بجميع القرارات العائلية إلا أني حاولت الرد على السؤال نفسه مستعيناً بصورة المرأة المرسومة في الأدب الفارسي حيث الأدب في جميع الثقافات ما هو إلا انعكاس العلاقة بين الإنسان وما حوله ومصدر ثقافته الفنية والفكرية، وبالتالي الثقافة التي تصنع الحياة وأسلوبها لدى المرء.
في بحثي هنا حول مكانة المرأة في الأدب الفارسي وجدت في دواوين أبرز الشعراء الفرس ورموزهم كمية هائلة من الإهانات الموجهة ضد المرأة الأمر الذي يؤكد التناقض . وأنقل هنا البعض من أبيات شعر لهؤلاء الشعراء وهم من رموز الأدب الفارسي حيث يقدس بعضهم ونصبت تماثيل هؤلاء في المدن الإيرانية، وأطلق اسم البعض منهم على جامعات وشوارع وساحات في أرجاء إيران، وهم فردوسي (متوفى في سنة 411 للهجرة) والأسدي الطوسي (متوفى في سنة 465 للهجرة) وفخرالدين أسعد الجورجاني (متوفى في سنة 446 للهجرة) وناصر خسرو قبادياني (متوفى في سنة 481 للهجرة). وأنقل هنا بعض أبيات من شعر هؤلاء باللغتين الفارسية ومن ثم ترجمتها إلى العربية كي أضع صورة واضحة من الفكر الفارسي أمام القارئ،
حيث يقول رمز الأدب الفارسي والمقدس الشخصية لدى الفرس الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي: زنان را ستايي سكَان را ستاي = مدحك للمرأة كمدحك للكلب كَه يكَ سكَ به از صد زن بارساي = فالكلب أفضل من مائة امرأة زاهدة زن و ازدها هر دو در خاك به = فالمكان الأفضل للمرأة هو باطن الأرض كالأفعى جهان باك از اى ن هردو ناباكَ به = والعالم سيكون أفضل إذا كان خالياً من هذين النجسين به اختر كسى دان كه دخترش ن ى ست = اعلم أن السعد حليف من لا بنت له چو دختر بود روشن اخترش ن ى ست = فمن له بنت فاعلم أن نجم حظه قد أفل كى را ار پس پرده دختر بود = ومن في حريمه بنت كَر تاج دارد بد اختر بود = سوف يسيء حظه حتى إذا كان ملك !
ويرى الشاعر الأسدي الطوسي أن المرأة تخفي أطناناً من السموم على العكس من ظواهرها ونعومة صوتها ومفاتنها كما يؤكد أن المرأة قدرها نصف الرجل مهما بلغت! زن ارچه دل ى ر است و با زور و دست = مهما كانت عليه المرأة من شجاعة وقوة وبأس همان ن ى م مرد است هرچه كه هست = فاعلم أنها نصف الرجل مهما بلغت زنان چون درختند سبزآشكَار = النساء كالأشجار في ظاهرهن ول ى كَـ از نهان زهر دارند بار = لكنهن يخفين من السم أطنان ويكرر على كلام الأسدي الطوسي الشاعر فخر الدين أسعد الجورجاني حيث يرى المرأة أنها ناقصة الخلقة وتفقد عقلها من أجل المتعة و يصف الحب والحنان والوفاء لدى المرأة كذيل الحمار! زنان در آفر ى نش ناتمامند = المرأة ناقصة الخلقة ازى را زشت كَام و زشت نامند = فلهذا هن سيئات الحديث والسمعة دوكـ ى هان كَم كنند از بهر ى كَام = يضيعن العالمين لأجل متعة چو كام اى د نجوى ند از خرد نام = وفي وقت اللذة تغيب عقولهن بود مهر زنان همچون دم خر = وفاء النساء كذيل الحمار نكَردد آن زپى مودن فزون تر = لن يطول مهما مشى وهكذا يرى ناصر خسرو الشاعر الذي لديه توجهات إنسانية عامة في أشعاره إلا وإن في أشعاره حول المرأة تظهر النزعة غير الإنسانية لديه حيث يقول وقدر ما استطعت اعتبر النساء كالأموات! به كَفتار زنان هكَرز مكن كار= لا تفعل أبداً ما تقوله النساء، زنان را تاتوانى مرده انكَار = وقدر ما استطعت اعتبرهن أموات، زنان چون ناقصان عقل و دينند = وبما أن النساء ناقصات العقل والدين، چرا مردان ره آنان كَزى نند = فلم على الرجل أن يسلك طريقهن؟ هنا وبعد هذه النظرة القصيرة على الأدب الفارسي المعادي للجنس الآخر، ترتسم عدة أسئلة لدى المرء و من ضمنها هل لدى المرأة مكانة تليق بها في المجتمع الفارسي؟ من خلال دراستي وتعمقي ومهنتي وتجربتي الشخصية المأخوذة من حياتي في المجتمع الفارسي أرد رداً منطقياً على هذا السؤال؛ في عدة مرات ومن باب الفضول تارة والبحث عن مكونات الفكر الفارسي تارة أخرى زرت عدداً من بيوت رجال الدين الزرادشتية وكنائس اليهود والمسيحيين في طهران ناهيك عن زياراتي للمزارات في قم ومشهد وطهران والمدارس الدينية في تلك المدن.
في مرة من تلك الدفعات رافقتني طالبة فارسية كانت زميلتي آنذاك في الجامعة إلى بيت ”موبد الزرادشتية” (الزعيم الروحي ومفتي الطائفة الزرادشتية) وحين دخولنا البيت حيث استقبلتنا صبية وطلبت من زميلتي أن لا تدخل الغرفة لرؤية الموبد حيث لم يسمح لها وسوف يغضب برؤية المرأة.
وقفنا قليلاً وحاولنا أن ندخل أنا وزميلتي في غرفة الموبد وبدأ نقاش بيننا من جهة وتلك الصبية من جهة أخرى حول الموضوع، إلا وأن لم يتغير رأيها، الأمر الذي أثار استغرابنا وبما أن لدينا عدة أسئلة مشتركة حول الزرادشتية وجئنا للنقاش الديني مع الموبد ولكن واجهنا تلك المشكلة، وأخيراً دخلت أنا على الموبد وطلبت منه أن يسمح لزميلتي أن تلتحق بنا نحن الاثنين كي توسع دائرة النقاش، لكن دون جدوى، حيث رفض الموبد رفضاً باتاً وقال في ديانتنا (الزرادشتية) المرأة غير موثوق بها ولا استطيع رؤية امرأة إلا أن اعرف مسبقا أنها نظيفة جسدياً بمعنى الكلمة!
طرح هذا الموضوع وغياب زميلتي من الاجتماع تركني أركز في النقاش مع الموبد حول المرأة وأترك أسئلتي التي جئت بها إلى أجل غير مسمى. في هذا الحوار توصلت إلى هذه النتيجة أن في الزرادشتية والفكر الفارسي المتشبع من تلك الديانة لا توجد مكانة تليق بالمرأة . وما نراه اليوم من حضور ونشاط واضح المعالم للمرأة الإيرانية مقارنة بالدول الإسلامية الأخرى نتيجة عوامل ليس من باب احترام المرأة من منطلق الفكر ومكانتها كإنسان. وأرى أن نفسية الرجل في إيران ونسيجه الفكري تخلق من هذا الإنسان رجل مصقوع من قبل المرأة في طيلة حياته الزوجية حيث لا له أي كلمة ورأي في إدارة الحياة الزوجية. وتأكدت جيداً أن نفسية الرجل في إيران نفسية ضعيفة وفكره متناقض ويراوده خوف غير مبرر من المرأة وخاصة إذا كانت تلك المرأة زوجته.
وهذا لا يعني التفاهم في الحياة الزوجية ولا الاحترام للمرأة ولا له تعريف منطقي آخر يزيد من مكانة المرأة. من جهة أخرى نرى في الزرادشتية أن المرأة مخلوق ”نجس” ولا يمكن الاعتماد عليها وتبقى وسيلة للتكاثر البشري وإحدى أهم أدوات اللهو لا أكثر. إذاً ما نراه من ظواهر الاحترام الشكلية عند الرجل في إيران أمام المرأة هو منبعث من شخصية مصقوعة فقدت مكانتها في الأسرة طيلة التاريخ إلا وأن جاء الإسلام وغير هذه المفاهيم . ونرى اليوم أن الدمج بين الثقافة الإسلامية والزرادشتية اتضحت ملامحهما في الكثير من الكتب الدينية لدى الأغلبية من المفكرين الإيرانيين الأمر الذي يتناقض تماماً ونهج الإسلام الحقيقي وبالتالي ما نرى من حراك سياسي يطالب بحقوق المرأة في إيران ما هو إلا نتيجة الحرب بين فكرين وهما الإسلام والزرادشتية وفي أكثر الأحيان الزرادشتية المنتصرة على الإسلام حيث إنها مدعومة سياسياً من قبل السلطات المختلفة في البلاد