بدأت طهران تسجدي الرياض فعلياً، عندما قرر هاشمي رفسنجاني خوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بتاريخ 15/6/2013، إنه في حال فاز بالرئاسة الإيرانية سوف يعمل على تحسين العلاقة مع المملكة العربية السعودية، ولا سيما بلدان مجلس التعاون الخليجي، وذلك على ضوء الرسالة التي وصلت إليه من قبل أكثر من خمسين شخصية إيرانية قومية مهمة حاقدة على العرب هربت من بطش النظام وتعيش في كنف الغرب، وتعمل جنباً إلى جنب مع صناع القرار في الدول الغربية، ومن هؤلاء الإيرانيين منهم أصدقاء للعرب!!
هذه الرسالة والتي كان فحواها تنبيه القادة في النظام أن خطراً حقيقياً يهدد الدولة الإيرانية، عندما قدم طرحاً للكونغرس الأمريكي من قبل برلمانيين أمريكان لتحرير آزربايجان الجنوبية والتي يصل عدد سكانها إلى 35 مليون، وبلوشستان من إيران، مما قد يثير حفيظة باقي الشعوب داخل جغرافيا إيران الحالية لركب قطار التغيير الذي يسير وبسرعة في المنطق.
أخاف هذا الأمر شريحة واسعة من الفرس القوميين ولا سيما من المحسوبين على النظام وعلى رأسهم علي أكبر هاشمي رفسنجاني من تفكك الدولة وذلك للتنوع القومي في إيران، وتأثر هذه الشعوب بالحراك العربي الرامي لنيل الحقوق والحرية.
ومنذ ذلك الحين عندما رد مجلس صيانة الدستور صلاحية رفسنجاني، فهو ما زال يطالب بتحسين العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فكان آخر حديث له مع جريدة فاينانشيال تايمز بتاريخ 26/11/2013 قوله، إنه مستعد للذهاب للرياض…. ويا ترى كيف يمكن لشخص تجرد من حقوقه في وطنه، وتهان كرامته، ويسجن أبناؤه، أن يؤثر في السياسة الخارجية لدولة تحكمها جهات (المؤسسة الدينية والحرس الثوري) تضمر العداء والكره الدفين لشعب يتشارك معها في نواحي عدة دينية واقتصادية واجتماعية؟
فهذا التوجه الجديد للتيار الذي يقوده هاشمي رفسنجاني، والذي خارج التركيبة الحكومية مستفيداً من الوضع الاقتصادي الصعب والمنهار للدولة الإيرانية والمتفق مع تيار حسن روحاني ذو الوجهين المعتدل والمتشدد على أن يتمكنا من العبور بالدولة الإيرانية من الانهيار مما تطلب من هذين التيارين العمل على المستويين الداخلي والخارجي الإقليمي منه معاً.
فعلى المستوى الداخلي تبنى الرئيس حسن روحاني منشور المواطنة المدنية، والذي عرف بـ “منشور حقوق شهروندى” واتخاذه شعاراً لحكومته تحت عنوان “اعتدال و اميد” أي الاعتدال والأمل مما لهذا الشعار من دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية كثيرة مدركاً الحالة المأساوية التي يمر بها المجتمع الإيراني الحالي المتنوع قومياً ودينياً، والمتناقض والمتباين في نفس الوقت، بينما على المستوى الإقليمي يقود رفسنجاني وأصدقاء العرب من السياسيين القوميين الفرس المطرودين من قبل النظام حملة ترطيب الأجواء من خلال طمأنة الدول العربية عبر الصحف والفضائيات العربية الأكثر انتشاراً في العالم العربي.
فهذا الاستجداء الإيراني اشتد بعد جنيف 2، وذلك بسبب المكانة الاقتصادية والسياسية الإقليمية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وتأثيرهما القوي في الساحة الدولية، لذلك تحاول إيران طمأنة الجانب الخليجي لتتمكن من إبرام الاتفاق مع الغرب في الجولة المقبلة، مما قد يتيح لها أن تضمد جروحها التي تنزف من العقوبات جراء برامجها النووي العسكري المثير للجدل.
فتأتي زيارة وزير الخارجية جواد ظريف لبلدان الخليج العربي محاولة إيرانية ذكية تهدف من خلالها أن تظهر للعالم أن لها علاقات متميزة مع دول الخليج، حيث بدأ ظريف زيارته “الظريفة” هذه للخليج من دولة الكويت التي تربطها بالمملكة العربية السعودية علاقة متينة، وسلطنة عمان التي لم تخرج بعد من الامتنان الإيراني القديم الجديد، مروراً بدولة قطر التي دائماً ما تغرد خارج البيت الخليجي!! مما قد تهدف إيران من خلال هذه الزيارة لوزيرها أن تشق الصف الخليجي من جهة وأن تعزل السعودية عن محيطها من جهة ثانية، لعل وعسى أن تتمكن من كسب ود المملكة العربية السعودية ذات الموقف العربي الصارم تجاه التدخلات الإيرانية في الدول العربية وخاصة في بلاد الشام.