فاضل السكراني أمير شعر الأبوذية
رحل منا الشاعر الكبير الملا فاضل السكراني (ابو مهدي) امير الابوذية و معالج المفاهيم الشعرية و مقارع الزلات و الهفوات الادبية و احد جهابذة العلوم الكلامية و الركن الركين للغة العربية الاحوازية و الابن الفهامة لمدينة الفلاحية. نعم لقد رحل هذا الاديب و اذهلنا و ادهشنا برحيله. نحن نعلم بان الموت لا مفر منه لكن موت العلماء و الادباء العباقرة يعد صدمة بل كارثة للمجتمع الذي تخلو منه هذه الوجوه النيرة. فكل ما ازداد عدد النبلاء في اقليم ازداد نور العلم و المعرفة في ذلك الاقليم، و المرحوم ابا مهدي هو كان شيخ النبلاء في اقليم الاحواز العربية.
فارقنا الملا فاضل و رماه الموت في مثواه الاخير لكن اسمه و صيته و ذكره يبقى حيا لانه فرض نفسه على مجتمعه من خلال اشعاره الرنانة و قصائده الفخيمة و السديدة و غزلياته العفيفة و ابوذياته المنقطعة النظير.
كان رحمه الله كثير المطالعة و واقفا على كلام الادباء القدماء و مطلعا على طرائقهم فيما صنفوه من شعر او نثر و كما تحدث عن نفسه في مقابلة اجراها معه الاستاذ يوسف عزيزي بني طرف قبل خمسة اعوام و نشرت تلك المقابلة على موقع ايلاف و حينما سئل منه ما هي المناهل التي نهلت منها فاجاب قائلا “نهلت من القران الكريم اذ وجدته في اسمى قيمة البلاغة و الفصاحة و في اعلى مراتب الحكم و البيان و الادراك و الارشاد و هو لازال معي و لا زلت معه حتى الموت ” و اضاف: “كذالك تاثرت بنهج البلاغة و شرحها و اشعار شعراء العرب من اهل المعلقات و غيرهم و خصوصا باشعار المخضرمين منهم، و قد يزداد تاثري و يستفز حماسي لشعر المتنبى و سيد الشريف الرضي و مهيار الديلمي و ابي العلاء المعري و لامثالهم” و استطرد قائلا “عندما كنت شابا قرات المعلقات السبع و حفظت معلقة امرؤ القيس الكندي و مستهلها:
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل— بسقط اللوى بين الدخول فحومل
و تذوقت باشعار عنترة بن شداد و لبيد و زهير بن ابى سلمى و النابغة الذبياني”
نعم هذا هو الكنز العظيم الذي استند عليه شاعرنا الفقيد، و هذه هي الموسوعة التي نهل منها و هي كالنبع الفياض الذي لا ينضب ابدا بل يزداد عمقا كلما ازداد عدد الناهلين منه.
عندما يتصفح القارئ ديوان اشعاره و ديوان ابوذياته و سائر اشعاره التي لم تنشر بعد يرى الاساليب المتنوعة في شعره في مجال الصنايع الادبية، اللفظية منها و المعنوية. كانت الكلمات على لسانه تتدفق كما يتدفق الماء من النبع و لهذا نراه في بيان المضامين ينتقل بسهولة من عرض الى عرض اخر، ان اراد ذلك، وكان يحسن الابتداء والانتهاء بالشعر فيبدأ في المقدمة ثم ينتقل الى العرض الرئيس ومنها الى المضمون الاساس في شعره و لاسيما في قصائده المطولة حتى ينتهي بخاتمة جميلة و كان بارعا في ربط المقدمة بالعرض و بختام انشاده. فلو اراد انشاد الشعر في موضوع خاص كالوصف و المدح و الرثاء او بث الشكوى من الزمان او اراد معالجة موضوع اجتماعي او وجداني فنراه بعد اختيار الموضوع كان ينتخب الكلمات و يعتني بمعانيها القاموسية و المجازية بشكل دقيق و كان يرتبها و يفسرها طوع تفكيره و مزاجه الملهم من البيئة التي عاش فيها و تربى على ايديها. يمتاز شعره بالفخامة و الجزالة و القوة.
الوضوح و السداد هما سيدا معظم اشعاره في حبك كلامه فلا نرى زيادة و لا نقصان و لا يوجد مكان في اشعاره نمط الاسهاب الممل و الايجاز المخل. مايدور في ذهنه من خيالات و افكار كان يعبر عنها بمعان ملائمة لها من خلال الفاظ ادبية و اجتماعية و حتى علمية مناسبة. كان حريصا على اختيار المفردات العربية الفصحة و ادخالها في شعره الشعبي كلمات كالاغن , الشادن, الايكة , الصادي, الجوى, النوى, الكرى و غيرها من الكلمات كي يتناولها الشعراء الناشئون و المحدثون في اشعارهم.
اما فنونه الشعرية تشتمل على الموضوعات التالية وهي المديح , الرثاء, الحسينيات, العتاب, الوصف, الاجتماعيات, الوجدانيات و الغزليات و التي اتت في قوالب شتى منها الابوذية و هذا القسم من الانشاد يشكل القسم الاكبر من نظمه حيث تكاثر الحديث حول عدد ابوذياته فقال البعض سبعة الاف و قال بعض الاخر تسعة الالاف آملين الحصول على الرقم الصحيح من اولاده الكرام، و سائر القوالب التي استخدمها الشاعر الفقيد هي الموال، الميمر، العتاب، الدارمي، القصيدة من نوع البحر الطويل والبحر القصير وقلايد الشعر والركبان والدرسع.
هذا وفي الختام راجين من المولى القدير ان يتغمد شاعرنا الراحل ابو مهدي بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون
بقلم: سعيد الاحوازي
مرتبط