حول فيما نحن فيه الآن من حراك سياسي في دائرة ايران اليوم والمتمثل في المطالبة بحق تقرير المصير تحت عناوين ولافتات تختلف عن بعضها البعض كنت أتكلم قبل أيام مع ناشط سياسي أحوازي قضى في سجون إيران سنين عتمة، حيث قال لي وبلهجتنا العامية؛ (أنت متشدد….. ولابد أن نتوسل إلى الآخرين… وكما يقول المغني؛ “البچایه غلبت الشچایه”…!)
فقلت له: إن عالم السياسة لا مكان فيه لقول المغني وهكذا أنا أفهم ممارسة السياسة فيما يتعلق بقضيتنا؛ فبعض الظروف هي التي تمكنك من فرض شروطك على الآخرين، وتلك الظروف تأتي حين يتجلى ضعف الطرف الأخر على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وإيران اليوم تعاني من جميع هذه الحالات، فالملف النووي لازال عالق والعقوبات مستمرة بشكل أو بآخر، كما أن الوضع الحالي في سوريا والعراق وفلسطين واليمن وحتى لبنان لا يتماشى مع طموح طهران كما سبق، ومازال الصراع الداخلي قائم بين الحرس والقوى السياسية الأخرى، كما أن مساعي الرئيس الإيراني الداخلية لفرض سيطرته عبر المنادى بحقوق الشعوب غير الفارسية لم تغير شيء من الواقع الاجتماعي بشكل عام، وهذا هو الوقت الأمثل للضغط على طهران، بغية انتزاع بعض الحقوق القومية مقدمة لتكملة المسيرة.
ويؤكد ذلك تجارب الشعوب والأمم في مقاومة الاحتلالات عبر التعبئة الجماهيرية والتغلب على أنظمة الحكم الفاسدة، وتحولها من التدهور إلى التقدم والازدهار، ومن هذه التجارب التي يمكن أن نستفيد منها بحيث تعيننا على السير في الاتجاه الصحيح دون وصاية نذكر الأمثلة التالية:
– سياسة النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” منذ اليوم الأول في دعوته حيث هدف إلى القضاء على حياة الفرقة والتشتت التي كانت تسود الحياة العامة في الجزيرة العربية آنذاك نتيجة النسيج الاجتماعي البدوي، وقد استطاع الرسول والصحابة بعد فترة قليلة أن يجمعوا عددا كبيرا من القوى الانسانية والكوادر العسكرية في الجزيرة، ويهزموا أكبر الإمبراطوريات، ويحرروا الكثيرين من العبودية الرومانية، والعبودية الفارسية، كعرب السواد وغيرهم، كما ذهب أصحاب الرسول”صلى الله عليه وسلم” إلى أبعد من ذلك حيث عملوا على نشر العلم والفكر السياسي بجانب الدين، وأسسوا أمة تبدأ حدودها الجغرافية من المحيط الأطلسي غربا حتى المحيط الهندي شرقا وما زال أثرها موجود في عصرنا هذا.
– ظهر مصطلح ” politisk vilde ” في الشارع السياسي السويدي منذ عام 1895، وكان يطلق المصطلح على الذين لا ينتمون إلى الأحزاب السياسية لكنهم في نفس الوقت منشغلين بالتنظير لمن حولهم حيث هم يرون في الأحزاب الموجوده على أنها غير قادرة على استيعاب (أفكارهم النيرة)، محاولين انتهاز الفرص التي يصنعها الأخرون، ويكررون الكلام كالببغوات وفي نفس الوقت يمارسون الجحود بحق الأخر ويطلقون على أنفسهم “السياسي المستقل”!. ولكن بمرور الزمن تقربت الأحزاب لهؤلاء الأعداد الغفيرة عبر حلقات نقاش مفتوحة واستطاعت الأحزاب أن تقضي على ذلك التشرذم عبر انضمام تلك المجموعات إليها من أقصى اليسار وصولا إلى اليمين ونرى السويد اليوم في قمة الرقي على كافة المستويات.
– يتساءل (الرفيق) ماو تسي تونغ: أيمكن للشيوعي أن يكون وطنيا ؟
ويرد على السؤال ذاته قائلا: اننا نرى ذلك أمر يمكن حدوثه، بل أمر واجب، فمضمون الوطنيـة تحدده الظروف التاريخية.
– يقول الشاعر والكاتب المسرحي الألماني “برتولت بريشت”: تعتبر الأمية السياسية أسوأ أنواع الأمية على الإطلاق، فمن لا يمارس السياسة فهو أعمى وأصم، حيث أن السياسة هي التي تقرر سعر الخبز، والسكن، والتعليم، وتكاليف العلاج، وغيرها من الأمور. فهناك من الناس من لا يمارس السياسة، وهو يتباهى، ويتكابر على الأخرين، ويقول:” أن لا علاقة له بالسياسة”، ويعتبر هذا نموذج لإنسان طائش، لا يعي أن عدم ممارسة السياسة هي التي تؤدي إلى ظهورأطفال الشوارع، وتزيد من القتل، والنهب، و تفسد صنّاع القرار إلى غير ذلك من المشكلات التي قد تصيب المجتمع.
وبالنظر إلى الاتجاهات الأربعة التى سبق ذكرها يتضح لنا أن تاريخنا وماضي أهلنا وما جاء به الرسول “صلى الله عليه وسلم” أنه ليس ببعيد عن واقعنا الذي نعيشه اليوم.
أما فيما يتعلق بمصطلح “politisk vilde ” نرى اليوم في السويد الديمقراطية حراك سياسي دون توقف، والاحزاب تعمل دون هدنة وتنقد بعضها البعض وتمشط كوادرها وتنقي خطاباتها السياسية وتعدل ببرامجها بين حين وأخر بغية دخول عدد أكبر من أبناء المجتمع السويدي الساحة السياسية.
وقد جاء الحديث عن المصطلح ذاته عبر حلقة نقاش سياسي هنا في السويد خلال الأيام الماضية حيث تعيش البلاد حالة حراك سياسي متمثل في الانتخابات البرلمانية والبلديات، ويتضح لى من تلك المناقشات أن أوضاع الـ politisk vildeاليوم هي القائمة بالفعل فى الوسط الأحوازي مع فائق الأسف، حيث نرى جماهير كبيرة من الأحوازيين سواء فى الداخل أو الخارج غير منتسبة إلى الأحزاب وليس لديها اهتمام بالوضع السياسى وهناك العدد الأكبر من هؤلاء جالسين دون أن يحركوا ساكن ولا يقدمون شيء لقضيتهم، حتى هؤلاء الذين حصلوا على كل مالديهم على حساب هذه القضية.
وحول ما قاله (الرفيق) ماو، أن من المعروف بعد ما بدأت القوى القومية والوطنية بالنهوض بالقضية العربية الأحوازية بعد نكبة 1925بفترات استمرت القوى اليسارية بقيادة القضية، ولهذه القوى باع طويل في الوسط السياسي الأحوازي، وكان لدى هؤلاء اليساريين الشباب آنذاك توجهات مختلفة، فكان بينهم الماوي والماركسي والليليني وغيرهم، ولكن وقعت مشكلة معينة في هذا الوسط المتعلم حيث يعاني منها اليسار الأحوازي حتى يومنا هذا وكذلك تعاني قوى اليسار لدى كافة الشعوب غير الفارسية في إيران، ألا وهي ان الفكر اليساري المستورد من الاتحاد السوفيتي آنذاك تُرجم على يد مترجمين ذات توجه فارسي قومي وجمع في طياته ما تبقى من تاريخ وأساطير فارسية ذات أبعاد قومية بعيدة كل البعد ليس عن الأممية فحسب، وإنما يتعارض وجميع المفاهيم التي جاء بها اليسار حيث حال اليسار الإيراني اليوم كحال الإسلام الإيراني، وحال القوى القومية الفارسية. بمعنى آخر أن الفكر اليساري عند وصوله إلى إيران قد ترجم بروح قومية فارسية، وصهر جميع الأفكار والتوجهات التي تعتقد بحق تقرير المصير، وخلق فكر وأدبيات وتوجه سياسي يتحرك نحو إحياء الإمبراطورية الفارسية على حساب الشعوب غير الفارسية، وكذلك على حساب شعوب المنطقة وفي هذا الإطار ظل اليساريون الاحوازيون منذ عقود وهم واقفون في “خطة العباس” .
(ولغيرالاحوازي؛ “خطة العباس هي عبارة عن دائرة ترسم على الأرض حول شخص ما ويخاطب ذلك الشخص من قبل من رسم الخطة حوله حيث يقول له إذا خرجت من الخطة سوف يعاقبك العباس ! … فاليوم وبعد مرور عقود على ممارسة اليسار الفارسي أبشع أنواع التحايل بحق الشعب العربي الأحوازي فمازال اليساريين الأحوازيين واقفون في “خطة ابو راس الحار” على قدم واحد. كانت تمارس هذه اللعبة خلال العقود الماضية اثناء لعب الاطفال).
أما ما قاله برتولت بريشت واضح بوضوح الشمس في وسط النهار، حيث اليوم يدفع الشعب العربي الاحوازي ثمن عدم ممارسة السياسة المنتظمة خلال العقود الماضية، فعدم ممارسة السياسة صنع في مجتمعنا ما وصفه بريشت بدقة فائقة. ونتسائل اليوم نحن كأصحاب قضية هل من الممكن أن لا نمارس السياسة ونضعها على جنب.
وأخيرا نرى أن الحل والتغيير في أيدينا نحن الأحوازيين وليس بيد أي قوى أخرى، مفتاح الحل لقضيتنا بيدنا جميعا، لا بيد إيران ولا القوى الإقليمة والعالمية ولا المعارضة الإيرانية ولا حتى القانون الدولي. ربما يجب ان نعيد النظر في ماضينا ونأخذ بما عمله الرسول في تجميع وحشد القوى القبلية وتوظيف البداوة المتجذرة عند الأحوازيين وفي هذا السياق يبدو أن على الـ politisk vildeأن يمارسوا دورهم الحقيقي والابتعاد عن ما كانوا عليه عبر الانضمام حسب عقائدهم السياسية إلى المؤسسات السياسية المتواجدة وتطويرها، ويبدو أن على اليساريين أن يخرجوا من خطة العباس وفي أدنى مستوى يمارسوا نفس الدور الذي يمارسه اليسار الفارسي للحفاظ على هوية الفرس ولغتهم واستقلالهم على حساب الشعوب غير الفارسية، بمعنى أخر أن على اليساري الأحوازي أن يناهض ما جاء به اليسار الفارسي تحت عناوين خادعة وينضموا ويساهموا في صنع خطاب يتلائم والوضع الأحوازي حيث ان الظروف اليوم حددت مضمون الوطنية حسب قول (الرفيق) ماو. وإذا ظل الأحوازيين على نفس الحال كما مرت علينا سنين وعقود فنبقى نادمين على الفرص التي تضيع في كل صبح ومساء.