أقيمت يوم أمس الأحد السابع عشر من مارس/آذار 2018 ندوة في العاصمة البريطانية لندن تخليداً لذكرى المناضل الأحوازي منصور الأحوازي الذي وافته المنية في مارس 2008 في ظروف غامضة.
وبدعوة من حزب التضامن، الذي أقام هذه الندوة، حضر السيد عبدالرحمن الحيدري بالنيابة عن التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز وألقا كلمة باللغة الإنجليزية فيما يلي نص ترجمتها:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أتقدم الى الحضور الكرام بالتحية والسلام وبالشكر والامتنان الى الأخوة في حزب التضامن لتوجيه الدعوة لنا في التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز ، للحضور في هذه الندوة التي تقام تخليداً لذكرى الراحل منصور الأحوازي الذي وافته المنية في 2008 في ظروف غامضة. ولا يفوتنا أن نذكر كل شهداء القضية الأحوازية ك أحمد مولى، وعدنان سلمان، وخاصة الشهيد محمد شريف النواصري أحد أبرز مؤسسي التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز وأول رئيس مكتب سياسي له، والذي وافته المنية في مارس 2007 في هولندا في ظروف مماثلة.
ويكون لي الشرف لأقف هنا متحدثاً بالنيابة عن التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز، لنحتفي بذكرى الإنسان الذي بذل حياته في سبيل القضية الأحوازية وفي سبيل الدفاع عن حقوق شعبه المغتصبة من قبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة.
وتربطنا نحن في التيار بالراحل منصور الأحوازي علاقة عمل وطيدة ترجع الى بدايات سنة ال 2000، عند ما تأسس التيار الوطني الأحوازي. وكان لهذا الارتباط المباشر وقع كبير على الساحة الأحوازية حيث لا زلنا نرى بعض آثاره على الساحة الأحوازية، وبالإضافة الى التعاون المستمر المتمثل بتبادل الاخبار والمعلومات وارسال تقارير انتهاكات حقوق الانسان في الاحواز، لعل من أحسن الأمثلة التي يمكننا ذكرها هنا بعد أخذ الجوانب الأمنية بعين الاعتبار هو موضوع التعاون بخصوص انتفاضة الخامس عشر من نيسان 2005 حيث كان للتيار الوطني الاحوازي الدور الريادي فيها من حيث التخطيط والتحضير والاستعداد.
ونظراً للعلاقة التي كانت تربطنا بالراحل منصور فان القرعة قد وقعت عليه ليكون أول من يستلم نسخة من الوثيقة السرية المسربة من مكتب خاتمي والتي كان يحتفظ بها التيار لمدة ما يقارب الثلاث سنوات.
ولعل من أهم العوامل التي أدت الى خلق علاقة مشتركة بيننا وبين منصور رحمه الله، هي وجود صفة مشتركة بينه وبين أغلبية المؤسسين للتيار. ألا وهي صفة الموضوعية والتأكيد على النهج العلمي في التخطيط والعمل. فهذه الصفة مكنتنا من إيجاد أدبيات مشتركة نتمكن من خلالها الوصول الى عمل مشترك تظل آثاره باقية الى يومنا هذا على الرغم من وجود اختلافات في الرؤى في بعض الجوانب ولكن هذا لن يمنعنا لكي نتعاون معاً من أجل قضيتنا وشعبنا الذي يعاني الويلات جراء السياسات العنصرية للنظام الإيراني.
بناء على هذا نحن نعتقد جازمين أن الراحل منصور قد دفع ثمن هذا العمل المثابر والمنهجي بحياته وخاصة لدوره في انتفاضة الشعب العربي الاحوازي في 15 نيسان 2005 ، لأن النظام الإيراني يخشى من المناضلين ذوي البصيرة والرؤية المستقبلية والنهج العلمي في التفكير والعمل.
ولعل من مفارقات الزمان أن يتزامن استشهاد منصور بعد سنة من رحيل رفيقنا محمد شريف النواصري. وهذا الأمر يجعلنا نجزم أن النظام الإيراني يقف خلف استشهادهما لما كان لهما من دور في انتفاضة 15 من نيسان، وأراد النظام الايراني بذلك أن ينتقم من شعبنا حسب زعمه، ولكن على الرغم من الخسارة التي حلت بشعبنا جراء فقدانهما، لكننا نعتقد أن دمائهما الطاهرة قد روت شجرة الثورة الأحوازية وأن الأحواز ولادة الكفاءات التي تسد الفراق والثغرات التي حصلت، وما محاولات النظام الإيراني في استهداف المناضلين الاحوازيين الا دليل بارز على ان هذا النظام وصل على مشارف نهاية عمره.
قد تأسس التيار الوطني العربي الديمقراطي في عام 2002 في داخل الأحواز من قبل نخبة من أبناء الشعب العربي الأحوازي الذين مارسوا العمل السياسي والفكري والثقافي على الساحة الاحوازية في داخل الوطن في ظروف كانت العيون كلها مشبوحة نحو الإصلاحيين والكثير قد فتح آمالاً للحصول على حقوقه واعتقد واهماً أن النظام الايراني قابل للإصلاح والتغيير. ولكننا في التيار بعد خوض المعترك السياسي والثقافي في الأحواز وبعد المتابعة والدراسة وخاصة بعد حصولنا على الوثيقة السرية المتسربة من مكتب خاتمي تأكدنا أن النظام المبني على عقلية الاستعلاء والشمولية لا يمكن أن يتم إصلاحه.
وكان تأسيس التيار الوطني العربي الديمقراطي في تلك الظروف بمثابة شعلة الأمل في نفوس النشطاء في داخل الأحواز الذين كانوا يبحثون عن عمل مستقل عن الخيارات المفروضة عليهم من قبل الأحزاب الشمولية الإيرانية في شقيها الأصولي والاصلاحي.
ان ما كسبناه، نحن في التيار، من تجربة في العمل العلني والسري على الساحتين الأحوازية والإيرانية تؤهلنا لنحتسب أنفسنا من ضمن أصحاب الروية الواقعية لإيران ولمستقبله والتغييرات التي يمكن أن تحدث على الساحة الإيرانية.
ان شعار الديمقراطية الناقص والمجتمع المدني المشوه الذي رفعه الإصلاحيون من 1997 الى 2005 دفع الكثير من أبناء الشعوب الغير فارسية بما فيهم بعض أبناء شعبنا بالهرولة خلفهم ولم يكتف البعض منهم بهذا القدر بل جعلهم يتناسوا حقوق شعوبهم ويروجون لهذا الشعار التضليلي والوهمي أن “حقوق الشعوب والأقليات تتحقق من خلال تطبيق الديمقراطية في ايران واذا ما طبقت الديمقراطية فسوف ننال حقوقنا بشكل تلقائي”!!
وها نحن اليوم نسمع أصواتاً تشابه تلك التي تفوه بها الإصلاحيون في ايران حيث تنادي الى طرح مطالبات الشعوب جنباً والتركيز على توطيد الديمقراطية في ايران والتي سوف تحقق لنا كل آمالنا، الأمر الذي يجعلنا أن نرفع أصواتنا متعالية لكي نتساءل :
اولاً: ان الديمقراطية هي أسلوب للتعامل وليس نظاما للحكم حيث ان غالبية الأنظمة في كل بلدان العالم تعترف بالنهج الديمقراطي في إدارة الحكم بدايةً بالأنظمة الجمهورية، والملكية، والحزبية البرلمانية، وغيرها.. وحتى الأنظمة الديكتاتورية تحتج أنها أنظمة ديمقراطية كالنظام الإيراني الثيوقراطي. من هنا يتبين لنا أن الديمقراطية أمر نسبي ولا يمكن لأي بلد أن يدعي أنه يطبق الديمقراطية بكل حذافيرها حتى وان كان هذا البلد الولايات المتحدة، أو إنجلترا،…
ومن هذه المقدمة يأتي السؤال الأساسي من يضمن أن النظام المستقبلي في ايران يكون ديمقراطياً الى أعلى نسبة، حيث يعطي الشعوب الغير فارسية وسائر الأقليات حقوقهم؟
هذا السؤال يسوقنا الى سؤال ملح آخر وهو ان تطبيق الديمقراطية بنسبة عالية يحتاج الى إيجاد تغييرات في الفكر والسلوك البشري. فكل ما كان التغيير جذرياً كل ما كانت الديمقراطية أكثر تطبيقاً. لا يمكن تطبيق الديمقراطية في مجتمع وهمي. من ضمن التغييرات الجذرية التي ينبغي أن تحصل للوصول الى الديمقراطية المنشودة هو التغيير في الرؤية السلطوية والنابعة من تحقير الآخر عند الكثير من المفكرين والساسة الإيرانيين وأخص بالذكر هنا المعارضة التي تطمح الى التربع على السلطة بعد الإطاحة بنظام الملالي الدموي.
ولكن ونقولها بكل أسف أن تجاربنا تفيد أن هذه النظرة الشمولية لازالت تهيمن على عقول وأفكار وسلوك المفكرين والسياسيين الإيرانيين، وهنا أعني بالإيرانيين الفرس منهم، حيث لا يزالون لم يتمكنوا من انتزاع الرؤية التي جمدت على عقولهم طيلة ما يقارب القرن. والدلائل الواقعية على هذا الإدعاء هي اننا نرى أنهم قد باركوا مخطط النظام البهلوي الأول والثاني لمحو هوية الشعوب الغير الفارسية وخلق شعب واحد تقليدا من الغرب وتطبيقا لمشروع مشوه وناقص الخلقة يسمى الدولة-الأمة أي المشروع الذي على أساسه يحاول الساسة الإيرانيون بشقيهم الحاكم والمعارضة أن يمرروا أمورهم على أساسه. فهذا الدليل بحد ذاته يكفي لتفنيد آراء المعارضة التي تريد تمرير أمورها على أساس تم وضعه من قبل حاكم ظالم جاء بمباركة غربية لتحقيق مصالح دول أخرى على حساب حقوق الشعوب الأصلية في جغرافية ايران.
فالسؤال المُلّح هو يا ترى هل المفكرون الإيرانيون جاهزون لتغيير هذه الرؤية الشمولية التي كانت ولا زالت تحاول محو الهويات الأخرى لخلق هوية جديدة على حساب هوية الاخرين؟ والى أي حد لدى المعارضة الشجاعة الكافية لكي تقوم بتغيير جذري في أفكارها. فان المسؤولية التي تقع على عاتقهم ليست مسؤولية تجاه تنظيمهم بل على الرغم من صعوبتها فإنها مسؤولية إنسانية تساعد في انتشار الوعي وكشف الحقائق في أوساط المجتمع مما يساعد في انتشار السلم والأمان بين أبناء البشر في هذه البقعة من الأرض.
على حسب معرفتي ان نشطاء الشعوب غير الفارسية قد أتخذوا خطوات إيجابية باتجاه المعارضة وحاولوا من تغيير رؤيتهم بشكل جذري ولكننا لم نرى هذا التغيير في أفكار المعارضة الإيرانية خاصة فيما يخص عرب الأحواز حيث يبدوا لنا ان “عداء الإيراني للعربي” اليوم جزء لا يمكن الاستهانة به من الثقافة الفارسية. على سبيل المثال لا الحصر فانهم الى الآن لم يحسموا أمرهم بخصوص أمر بسيط جداً الا وهو أسماء المدن والأرياف العربية التي تم تغييرها الى أسماء غير مألوفة لدى سكانها في ظل الحكم البهلوي والجمهوري الإسلامي. فكل السكان الأصليين يستخدمون المحمرة والحويزة والبسيتين، والخفاجية والاحواز او عربستان لإقليمهم ولكننا لم نجد الجرأة الكافية عند المعارضة ليعترفوا بهذا الحق البسيط، فما بالك بسائر الحقوق التي تنص عليها القوانين والمواثيق الدولية. والى ذلك نرى ان التعويل على بضع أفراد او احزاب إيرانية تطمح لتقديم أنصاف الحلول لقضايا الشعوب الغير الفارسية ولا سيما الأحواز أمراً فارغاً من المحتوى الحقيقي والدليل واضح وجلي الا وهو نحن اليوم نواجه ثقافة فارسية معادية للوجود العربي وعاشت هذه الثقافة على استنكار الغير المعرف لها هذا الغير بالعربي..
أما الأمر الآخر الذي يتنافى مع الدفاع عن حقوق الإنسان وشعارات الديمقراطية المفبركة هو ازدواجية المواجهة مع ما يحدث داخل ايران. وهذا الكلام بالتأكيد موجه الى أحزاب المعارضة الإيرانية بكل أطيافها. حيث يسلطوا الأضواء على بعض الأحداث التي تروق لهم ويقضوا الطرف عن الكثير الذي يحدث في مناطق الشعوب غير الفارسية.
نتساءل أين هم من أحداث انتفاضة 2005 وأحداث 2011 في الأحواز؟ ألم يسمعوا أصوات المتظاهرين الأحوازيين، أم انها لا تروق لهم، اليس لهؤلاء الحق بالتظاهر والمطالبة بحقوقهم؟ لماذا يلتزمون الصمت حول المشاريع التي تجري من قبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة لتغيير التركيبة السكانية في الأحواز وما هو رأيهم بها؟
والسؤال الآخر ، ما هو مدى التزام أصحاب الديمقراطية المشبوهة بالمواثيق الدولية؟ وهل يعترفون بحقوق الشعوب في ظل هذه المواثيق أم انهم يؤمنون ببعض ويكفرون بالبعض الآخر ؟ ما هو موقفهم من حق تقرير المصير الذي تكفله المواثيق الدولية؟ الى متى على الشعوب أن تنتظر لكي يحصل هذا التغيير في الرؤية والعمل للمفكرين والساسة الإيرانيين؟
هذه الأسئلة والعشرات لا بل المئات من أمثالها تحتاج الى إجابات.. وعلى الذين يخططون لمستقبل ايران من جميع الجهات، المعارضة الإيرانية أو الدول الغربية، أن تأخذها بعين الاعتبار ولتكن على بينة ان الشعوب ما عادت تصدق الأقاويل طالما لم تكن مصحوبة بأفعال. خاصة وان العالم قد أجمع على خطورة النظام الحالي في ايران وضرورة مواجهته. فعلى المعارضة الإيرانية أن تعيد حساباتها وتنظر الى الشعوب الغير فارسية كواقع لا يمكن حذفه من المعادلات.
ولعل الوقت لا يسع لطرح الكثير في هذا المجال ولكننا وبدورنا ولكي نوضح رؤيتنا بهذا الخصوص ندعوكم للحضور في الندوة التي سوف تقام حول هذه الأمور في نهاية ابريل من هذا العام.