عملت اللوبيات الإيرانية في الغرب، برفقة طيف من الإعلام الأمريكي، بروباغاندا أثناء تواجد روحاني في الولايات المتحدة، باعتبار أنها ستكون فرصة لبداية تطبيع العلاقات المنقطعة بين البلدين.
وقبيل ذلك بشهور؛ زحف اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة على البيت الأبيض متمثلاً بمؤسسة «ناياك» بقيادة تريتا بارسي ليمهد للقاء يجمع بين الحسنيين (أي حسين أوباما وحسن روحاني)، الأمر الذي لم يحدث وانتفى الموضوع، حيث لم يحدث إلا اتصال هاتفي بين الاثنين.
وفي نفس السياق كان عراب العلاقات الإيرانية مع الغرب، أي هاشمي رفسنجاني، قبيل هذا الحدث قد تحدث في رسالة ضمنية للأمريكان عن جانب من خطة إيران للتخلي عن الأسد ولكن بشروط معينة.
قلت عراب العلاقات الإيرانية مع الغرب حيث هناك بعض المؤشرات على توافق أمريكي إيراني مسبق، وذلك قبيل ذهاب روحاني إلى نيويورك، وما حدث مؤخراً وكشف أمام الإعلام، أكاد أجزم وأقول ما هو إلا عرض متفق عليه مسبقاً بين الطرفين.
من مؤشرات التوافق بين واشنطن وطهران نذكر تصريح رفسنجاني حول سوريا حيث قال: «الشعب السوري تعرّض إلى هجوم كيماوي من قبل حكومته التي عليها أن تنتظر الهجوم الخارجي و..».
تحديداً هنا؛ ومن خلال حديثه عن سوريا، قال رفسنجاني للولايات المتحدة إننا جاهزون للتخلي عن الأسد شريطة رفع الحصار عن إيران والقبول بدور إيراني في المنطقة، وكذلك القبول بإيران نووية، وهذا ما يؤكد عليه كل من روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف تحت عنوان مصطلح فارسي عريض ألا وهو «تعامل سازنده»، ما يعني التعاون بين الطرفين وتقاسم الأمور في إدارة المنطقة إيرانياً وأمريكياً.
المؤشر الآخر من هذا النوع وهو إعادة قطعة أثرية تاريخية كانت قد سرقت من إيران عام 2003 وكشفتها الجمارك الأمريكية، وقد تم الاحتفاظ بها طيلة السنوات العشر الماضية كي تسلم إلى محمد علي نجفي مساعد روحاني خلال الأيام الماضية، وتحديداً أثناء تواجد روحاني في نيويورك.
المؤشر الأهم ما هو إلا استعداد خامنئي للتعامل مع الولايات المتحدة تحت مسمى «المرونة البطولية في الدبلوماسية».
وفي جانب المرونة البطولية في الدبلوماسية الإيرانية، قال بيجان زنكنه وزير النفط الإيراني؛ إن إيران مستعدة كي تساهم الشركات العالمية «الأمريكية» في حقلي النفط والغاز، والمغزى من هذا التصريح هو ربط الأمن ومستلزمات الاقتصاد الغربي بالأمن الإيراني، كي تفرض طهران شروطها في ما يتعلق بملفها النووي المثير للجدل، وكذلك ضمان بقاء النظام الحاكم، وهذا ما صرح به أوباما أمام الجمعية العامة، حيث قال إن الولايات المتحدة لا تنوي تغيير نظام الحكم في إيران.
سبق كل هذا، تصريح تريتا بارسي عضو اللوبي الإيراني بعد لقاء جمعه قبل أكثر من شهر مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض، حيث قال «إن على الأمريكيين والإيرانيين أن يتعلموا أسلوب إدارة الشرق الأوسط»، وهذا ما صرح به الرئيس الإيراني السابق ولكن بلهجة أخرى، حيث قال نجاد «على واشنطن أن تتفاهم مع إيران وتنسق مع طهران حول إدارة العالم»!
وبذات اللغة يتحدث جواد ظريف وزير الخارجية بين الفينة والأخرى بـ«أن على إيران والولايات المتحدة أن يلتقيا بصفتهم شركاء في إدارة أمن المنطقة»!
يبدو أن المغزى من كل هذه التصريحات من قبل ساسة إيران واللوبي الإيراني في الولايات المتحدة هو السعي لفرض إيران كشرطي على المنطقة وكقوة إقليمية وشريك رئيس للولايات المتحدة، لكن هناك بعض المشكلات التي لم تتغير رغم تغيير رؤساء في البلدين، ولاتزال متواصلة إلى عهد الرئيسين أوباما وروحاني.
إيرانياً؛ تواجه طهران في فرض نفسها كقوة إقليمية ونووية في المنطقة عدة مشكلات داخلية وكذلك مشكلات خارجية.
من أهم المشكلات الداخلية؛ الاقتصاد المعيشي المتردي لدى المواطن الإيراني نتيجة الحصار، القطاع الصناعي شبه المدمر، الصراعات السياسية الداخلية ما بين الحرس والدائرة المحيطة بالمرشد (الكبير بالعمر والذي يعاني أمراضاً جسدية)، كذلك الصراع ما بين شبه المعتدلين والبراغماتيين؛ كالطيف الذي يحيط برفسنجاني وروحاني، أضف إلى ذلك ضغط الطيف الراديكالي من الإصلاحيين أصحاب التوجه القومي الليبرالي على رفسنجاني وروحاني، وتطور الحراك السياسي لدى بعض أطياف المعارضة الإيرانية في الخارج والقوى التحررية من الشعوب غير الفارسية، والتي تتطلع إلى تنفيذ حق تقرير المصير والاستقلال عن إيران؛ كالحراك الأحوازي والحراك الأذربيجاني والحرك الكردي والحراك البلوشي والتركماني. وكل ما ذكر هنا يشل تطور العمل على الوصول لقنبلة ذرية إيرانية.
ومن أهم المشكلات الخارجية المرتبطة بالأمن القومي الإيراني؛ الوضع في سوريا والعراق والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية شبه المنقطعة مع العالم والعقوبات الدولية المستمرة، والتي يدرس الكونغرس الأمريكي موضوع فرض عقوبات جديدة بقيادة الجمهوريين، والذي من المستبعد أن أوباما وحزبه سيغيرون فيه شيئاً لصالح إيران إلا إذا رفعت الأخيرة الأيادي، أكثر مما قاله خامنئي تحت مسمى المرونة البطولية، وفي هذا الصدد لا يوجد مؤشر على رفع أيدي طهران وتبني سياسة جديدة وتغيير حقيقي في سياستها الخارجية الهجومية على محيطها، خصوصاً في ما يتعلق بالتمدد نحو الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، ولا ننسى دور روسيا في ملف إعادة العلاقات الأمريكية الإيرانية، حيث ترى موسكو أن أي تطور في علاقات واشنطن وطهران سيترك تأثيراً سلبياً على أمنها القومي، ومن هذا الباب ستعيق تطوير إيران النووية وستتلقى طهران صدمة أخرى في هذه النقطة.
وعلى العكس ما عبر عنه التطور الدرامي في التطبيع التام بين طهران وواشنطن، يبدو أن هناك كميناً أمريكياً في الكونغرس، وآخر مؤسسات صنع القرار الأمريكي يتصدى لحراك إيران الدبلوماسي في الولايات المتحدة، وسوف نشاهد الصدمة بعد فترة، حيث يفرض الكونغرس عقوبات جديدة على إيران، وهذا يكفي كي يدفع بالخلاف والفجوة في الأروقة السياسية والأمنية الإيرانية ويسد الطريق على حسن روحاني.
أمريكياً يكفي أن نرى أن مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة لا تتماشى مع تطلعات أوباما والديمقراطيين، وشاهدنا ما حصل من تخبط في موضوع سوريا، حيث ركع الرئيس أمام مراكز صنع القرار الأمريكي قبل أن يركع لحلفاء دمشق، وتراجع بشكل كبير في ما يتعلق بهذا الملف.
النقطة الأخرى وهي اللوبي الإسرائيلي، والذي يعتبر أن موسم عمله قد بدأ بشكل أكثر قوة وصرامة لسد الطريق أمام طرفي الملف، أي الديمقراطيين بقيادة أوباما وشبه المعتدلين في طهران بقيادة رفسنجاني والمتمثلين بروحاني، وكذلك لن تقبل الولايات المتحدة بدور لإيران أكبر من حجمها، ولن تسمح لها بالتمدد نحو البحر المتوسط، وهذا ما تدعمه عدة أطراف عربية ذات نفوذ في الولايات المتحدة.