ولدت الأحواز في أقصى الحدود الشرقيّة للوطن العربي منذ اِنحسار مياه الخليج العربي في الألف الثالث قبل الميلاد ليبدأ في اِستيطانها الشعب السامي فأسّس “الحضارة العيلاميّة” التي اتخذت من مدينة “السوس″ عاصمة لها واتسعت رقعتها لتمتد على طول الساحل الشمالي فالشرقي للخليج العربي، وتحدّها سلسلة جبال “زاجروس″ شمالا وجمهوريّة “العراق” غربا، منتهية بمضيق “باب السلام” (هُرْمُز) فبحر “عُمان” جنوبا، إذ بلغت مساحتها الإجماليّة أكثر من 374 ألف كيلومتر مربع بما في ذلك ثماني عشرة جزيرة تابعة لها ومتناثرة في الخليج العربي.
هُزم الجيش “الساساني” في عهد الخليفة “عمر الفاروق” على يد القائد الإسلامي “سعد ابن أبي وقّاص” في معركة “القادسيّة” عام 636م، فخضعت الأحواز بالكامل إلى سيادة الدولة العربيّة الإسلاميّة. ومنذ ذلك التاريخ وحتى سقوط عاصمة الخلافة “بغداد” على يد “المغول” عام 1258م، لم يخرج الوضع القانوني للأحواز عن كونه جزءا من وحدة سياسيّة متماسكة في عهد الخلفاء الراشدين وفي ظل حكم “الأمويين” و”العبّاسيين”.
نشأة القضية الأحوازية
سيطرت قبائل “بنو كعب” على السواحل الشرقيّة للخليج العربي ثم اتجهت شمالا وشرعت بعد ذلك في توسيع نفوذها حتى تمكّنت من توحيد كل الإقليم تحت سيطرتها، وتولّى “علي ابن ناصر ابن محمّد” سدّة الحكم بصفته أوّل أمراء هذه الأسرة، ويقول الكاتب البريطاني “ويلسون”: “لم تخضع الدولة الكعبيّة في توسّعها لسيادة أي من الدولتين العثمانيّة أو الفارسيّة ولم تدفع الضريبة لأي من الدولتين”.
وهُزمت الدولة “الفارسيّة” في أولى حروبها ضد الدولة “الكعبيّة” عام 1733م، وتوالت الهجمات الفارسيّة ضد الأحواز فمُني حاكم فارس “كريم خان زند” بالهزيمة على يد الدولة الأحوازيّة هو الآخر عام 1757م ولم يكتب لها النجاح في المساس بسيادتها. وبدافع الطمع والرغبة في التوسّع، شنّت الجيوش “العثمانيّة” هجوما على الأحواز عام 1762م، إلّا أن تلك الحرب انتهت لصالح الدولة الأحوازيّة فزاد نفوذها وأغلقت “شط العرب” وأجبرت السفن المارّة على رسوم معيّنة على أساس أن “شط العرب” خاضع لسيادتها.
وأصدرت الدولة الفارسيّة المعروفة بـ”القاجاريّة” عام 1857م مرسوما نصّ على تعهّد “ناصر الدين شاه قاجار” بعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للأحواز، وأن الأحواز لها كيانها المستقل في علاقاتها الخارجيّة مع الدول الأخرى. وكثيرة هي الحروب التي خاضتها الدولة الأحوازيّة ضد الدولة “العثمانيّة” و”الفارسية” و”البريطانيّة” و”شركة الهند الشرقيّة”، وتمكّنت من الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها وقوّتها ويقول المؤرّخ “لونكرينغ ستيفان” “إن المحمّرة عاصمة الأحواز أصبحت أقوى من طهران”، ويؤكّد الكاتب الإيراني “إسماعيل رايين”: “انتهت الحرب العالميّة الأولى والدولة الأحوازيّة أقوى دول المنطقة”.
ودعمت الأحواز “ثورة العشرين” في العراق ممّا ساهم في نجاحها، فرشّح آخر حكام الأحواز الشيخ “خزعل الكعبي” نفسه لتولّي عرش العراق، ثم انسحب عن ترشّحه بضغط “الإنكليز” بعد أن وعدوه بفصل “البصرة” عن العراق وضمّها إلى الأحواز. مثلما تبرّع الشيخ “خزعل” بالمساعدات لترميم “المسجد الأقصى”. كما قدّم الدعم المادي والمعنوي لمفتي القدس عام 1924م حين توجّه الأخير إلى الأحواز، فطلب المساعدة لمواجهة العصابات الصهيونيّة التي كانت تتلقى الدعم من الانتداب البريطاني.
وباتت الدولة الأحوازيّة تشكل خطرا حقيقيّا على المصالح البريطانيّة بتقسيم الوطن العربي بدعوتها إلى الوحدة العربيّة من جهة، ومن جهة أخرى بات الطموح المتزايد “للاتحاد السوفيتي” بالوصول إلى المياه الدافئة حيث ثروات النفط والغاز الهائلة، يشكّل خطرا جديّا على المصالح البريطانيّة في المنطقة، ممّا دفعها إلى التحالف مع الدولة الفارسيّة لاحتلال الأحواز وضمّها إلى إيران، وبمساعدات القوّات البريطانيّة، نظّم حاكم فارس “رضا بهلوي” حَمْلَة عسكريّة ضخمة تحت قيادته، فتوجّه بقوّاته نحو الأحواز معلنا الحرب عليها بعد محاصرتها، ولم تضع تلك الحرب أوزارها إلا بتاريخ 20 /04 /1925م وباعتقال الشيخ “خزعل الكعبي” وسجنه في “طهران”، ومن ثم قتله عام 1936م.
الاحتلال الأجنبي الفارسي للأحواز
دخلت الأحواز وفارس عام 1919 في عهد القانون الدولي المتمثل آنذاك في “عَهْد عُصْبَة الأمم”، والمعروف أن المواد 12 و13 و15 من هذا العهد تحرّم الحروب العدوانيّة كوسيلة لاكتساب السيادة على الأقاليم وتشترط استنفاد الوسائل السلميّة أولاً، أمّا المادة السادسة من نفس العهد فتشترط اللجوء إلى القضاء وتقديم شكوى إلى مجلس العُصْبَة، وبعدم استيفاء الدولة الفارسيّة لأي من الشروط المذكورة، فإنها ارتكبت مخالفة قانونيّة وجريمة دوليّة بحربها العدوانيّة ضد الدولة العربيّة الأحوازيّة واحتلالها عسكريّا وإلغاء صفتها القانونيّة كدولة ذات سيادة داخليّة وخارجيّة على حد سواء.
ويؤكّد القانون الدولي أن إلغاء الصفة القانونيّة لدولة ما بموجب حرب عدوانيّة، لا يمكن له إلغاء الصفة القانونيّة لشعب تلك الدولة، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى الشعب العربي الأحوازي الذي عبّر عن رفضه المادّي والفعلي للتواجد الأجنبي الفارسي في أرضه، وأكّد هذا الرفض خلال عشرات الثورات والانتفاضات الشاملة أو المناطقيّة، ويكمن آخرها في “انتفاضة الإرادة” عام 2005 والتي عمّت جميع المدن والبلدات والقرى الأحوازيّة، إلا أن جميع هذه الانتفاضات والثورات جوبهت بالنار والحديد والاستخدام المفرط للقوّة العسكريّة.
الأحواز جوهرة الخليج العربي
تميّزت الأحواز بموقعها الجيوستراتيجي البالغ الأهميّة، فهي تعد البوابة الشرقيّة للوطن العربي وكانت منذ أقدم العصور ممرّا تجاريا يربط بين هذا الوطن وبين آسيا الصغرى لتزدهر فيها التجارة وحركة مختلف أنواع البضائع والسلع، كما تميّزت بخصوبة أراضيها ووفرة المياه والأنهر فيها، وكونها تعوم على مائدة واسعة من النفط والغاز، فقد أطلق عليها اسم أرض الطابقين الذهبيين، إذ توفّر 90 بالمئة من إجمالي صادرات الاحتلال النفطيّة ونحو 10 بالمئة من إجمالي الاحتياط العالمي للنفط، و85 بالمئة من مجموع صادرات الاحتلال الإيراني للغاز الطبيعي وقرابة 15 بالمئة من احتياطي الغاز في العالم.
ولكن أهميّة موقعها وثراء أرضها جلب عليها الكوارث، فتكالبت عليها القوى العظمى منذ القدم كـ”الإغريق” و”المغول” و”الفرس” و”الأسبان” و”البرتغال” و”الإنكليز”، ورغم كل ذلك فإنها تمكّنت من الحفاظ على سيادتها العربيّة بعد حروب دامية ومعارك ضارية خاضها شعب الأحواز ضد الغزاة الطامعين، مثلما خاض هذا شعب نحو 17 ثورة وانتفاضة طيلة العقود الثمانية الماضية ضد الاحتلال الأجنبي الفارسي، مؤكّدا مدى تعطّشه إلى الحريّة والاستقلال.
ولا ريب أن شعب الأحواز يسير حاليا على خطى الأسلاف لاستعادة سيادته العربيّة، فولدت من رحمه عدّة تنظيمات ثوريّة تمسّكت بحقها القانوني في تقرير المصير والتحرير والاستقلال، وقدّمت العديد من الأسرى والشهداء والمهجّرين والمطاردين في سبيل تحقيق أهدافها المنشودة، ويمكن الوقوف عند “المنظمة الوطنيّة لتحرير الأحواز″ (حزم) مثلاً، كأكبر تكتّل وطني يشهده تاريخ النضال الأحوازي، إذ تتكوّن من ستة فصائل ثوريّة وعدد من الشخصيّات الوطنيّة المستقلّة في الداخل والمنفى.
الاعتداءات ضد الأحواز
منذ أن وضعت الدولة الإيرانيّة يدها على الأحواز، قامت بمحاربة كلّ ما هو عربي في الإقليم وارتكبت جريمة الاِضطهاد القومي الحاد والتمييز العنصري وترجيح القوميّة الفارسيّة على الديانة الإسلاميّة، وغيّرت تسمية “الأحواز” إلى “خوزستان” كما غيّرت جميع أسماء المدن والقرى والمناطق من العربيّة إلى الفارسيّة، وعَمَلَت على محو الهويّة العربيّة، فحرمت الأحوازيين من الحديث والدراسة باللغة العربيّة. كما منعتهم حتّى من التسميات العربيّة للأطفال!
وعمدت دولة الاحتلال الفارسيّة على تهجير سكّان الأحواز قسرا وترحيلهم إلى المناطق الفارسيّة بُغية تفريسهم وإحلال الفرس المستوطنين محلّهم فشيّدت لهم المستوطنات ومنحت الفرس الأفضليّة في الحقوق والخدمات وفرص العمل وعرّضت شعب الأحواز للاضطهاد الاقتصادي، واقتطعت أجزاء شاسعة من الأراضي الأحوازيّة وألحقتها بالأقاليم الفارسيّة خلف جبال زاجروس، وأقامت أربعين سدّا على منابع وروافد الأنهر الأحوازيّة لتحوّل مياهها إلى المناطق الفارسيّة، فاندثر العديد منها ولوّث عَمْدا ما تبقّى من المياه في قاع الأنهر لتنشر الأمراض والأوبئة في أوساط المواطنين الأحوازيين ضمن جريمة إبادة جماعيّة وتطهير عرقي يحرّمها ويجرّمها القانون الدولي.
وفرض الاحتلال أجواء أمنيّة وعسكريّة رهيبة على الشعب العربي الأحوازي ليراقب جميع تحركاته اليوميّة ويمنعه من التواصل والعالم الخارجي، فنشر آلاف المعسكرات والثكنات والمقرّات الأمنيّة المدجّجة بالأسلحة وأجهزة التنصّت لتطويق الشعب الأحوازي بقوّة السلاح ومحاصرته وقمعه، إضافة إلى تزويد المستوطنين الفرس في الأحواز بالأسلحة ومنحهم الضوء الأخضر لاستخدامها ضد الأحوازيين، تماما على غرار ما فعله ولا يزال يفعله الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ضمن جريمة اضطهاد قومي منقطعة النظير في التاريخ.
وخلافا لقواعد القانون الدولي قيّد الاحتلال الفارسي حريّة شعب الأحواز في إقامة الشعائر الدينيّة وعرّض “سُنّة” الأحواز و”الصابئين” وحتى “الشيعة” لاضطهاد ديني غير مسبوق، كما انتهك كافة الحريّات الأساسيّة والحقوق الإنسانية لشعب الأحواز، كحريّة الملكيّة، حق الرعاية الصحيّة، الحق في التقاضي، الحق في التنقّل، وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانيّة.
ولا تنتهي مظالم الدولة الفارسيّة عند حدود الأحواز العربيّة، بينما تمتد لتشمل شعوب أخرى غير فارسيّة ضمن الجغرافية التي تهيمن عليها، ولأنّ هذه الشعوب تمتّعت بأقاليم محدّدة وثابتة وتمكّنت من بَسْط سيادتها عليها، فأقامت كياناتها المستقلة على أرضها، لذا نالت صفة الشعب من وجهة نظر القانون الدولي. أمّا “إيران” فلم يكن لها وجود كونها عُرفت بالدولة الفارسيّة وجاءت تسمية إيران بعد استيلاء الفُرس على عدّة أقاليم تعود ملكيّتها إلى شعوبها، فجاءت تسمية “إيران” عام 1936 لتستجيب للشعب الفارسي، وهو من الشعوب الهندو أوروبي شرقي والمنحدر من العِرْق الآري.
ولم تكن الأقاليم المحتلة من قِبَل الدولة الفارسيّة مباحة وغير خاضعة للسيادة، كما لم تكن مشاعة ومتنازعا عليها بيْن عِدّة دول، بل تميّزت على الدوام بتبعيّتها وملكيّتها للشعوب التي أقامت عليها كياناتها المستقلّة كإقليم آذربايجان الجنوبي وبلوشستان الشرقيّة وكردستان وتركمنستان، إضافة إلى أقليّات أخرى كالأرمن والجيلان وغيرها.
تراهن إيران على إخماد ثورة الأقليات اليوم خلال الاضطهاد الديني والاقتصادي والقومي والقمع المسلّح والإعدامات المتتالية والاعتقالات الواسعة، تماما مثلما هي الحال في تعاملها مع ثورة الأحواز، إلا أنّ التاريخ يؤكّد أنّ الشعوب التوّاقة إلى الحريّة، سوف تواصل نضالها حتّى تحقق تطلعاتها.
وتعبير شعب الأحواز عن إرادته نحو التحرير، ساهم في أن تكون القضيّة الأحوازيّة حيّة وحيويّة على الدوام، حتى تستجب إيران لحق شعب الأحواز في تقرير مصيره واختيار نوع وشكل الحكم الذي يراه مناسباً لإدارة شؤونه، كما لا يجوز اعتبار قضيّة الأحواز شأناً إيرانيّاً داخليّاً، إذ لطالما عدت وتعد هيئة الأمم المتحدة الجهة الدوليّة ذات الصلاحيّات الواسعة لضمان حق تقرير المصير لكافة شعوب العالم بما في ذلك الشعب الأحوازي.