تعودت آذاننا منذ عقود على التصريحات الإيرانية حول البحرين ورغم حدة اللهجة خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أننا منذ فترة قصيرة لم نسمع الكثير عن المملكة كما سبقتها من تصريحات على لسان متحدثي الدولة الفارسية، حيث تغيرت تلك اللهجة الحادة،
ونشاهد أن الحوار الوطني البحريني لم يأخذ الحجم الكبير في الإعلام الإيراني. وهنا يرتسم سؤال في مخيلة المرء أن ماذا عن هذا الصمت الإيراني عما يحدث في البحرين من نقاشات سياسية جادة؟ تفيد المعلومات أن صراعاً محتدماً يظلل على دوائر صنع القرار الإيرانية فيما يتعلق ببدء حوار التوافق الوطني في البحرين والشروع بتقصي الحقائق تحت إشراف لجنة مستقلة متكونة من شخصيات معروفة بحياديتها ومهنيتها على مستوى عالمي، في هذا الصراع الذي تنقسم أطرافه على ثلاث تيارات استطاع أحد أطراف هذا الصراع أن يلجم الآخرين لحد ما، وذلك بدليل رعاية المصالح القومية للدولة الفارسية كقضية الملف النووي وما تشهده سوريا كحليفة والذراع الأيمن لتنفيذ سياسات طهران.
يعتقد أعضاء هذا التيار الذي يتمثل ببعض الإصلاحيين المترسبين في السلطات المختلفة وخاصة في مراكز الدراسات أن الآن ليست من صالح إيران الرفع من لهجتها كما يجب عليها بتوخي الحذر واحتواء الحدث يليه نشاط إعلامي مكثف، ويقترح البعض تأسيس قنوات تلفزيونية جديدة متخصصة في شؤون الدول العربية وبالدرجة الأولى قناة مصرية اللهجة موجهاً إلى الشعب المصري وهكذا للدول العربية الأخرى الذي تشهد تحركات واحتجاجات، كما يرى البعض أن ما هو متواجد من إعلام مرئي إيراني كقنوات ”العالم” و”بريس تي في” غير متكافئ والحدث حسب تقديرهم. أما التيار المعاكس فيبحث عن منفذ لإقناع الآخرين بوضع خطة سريعة المدى للتدخل العسكري في البحرين وذلك على شاكلة الاحتلال الأمريكي للعراق حيث توافدوا (البشمركة) الأكراد والأمريكان من الشمال باتجاه بغداد جنباً لجنب حتى تخوم عاصمة الرشيد، بينما الجيش الأمريكي الأوروبي دخل بغداد من الجنوب وعادت القوات الكردية من شمال بغداد إلى كركوك حيث بدأت بحرق جميع وثائق دائرة النفوس في هذه المدينة كي تصبح نقطة نقاش ساخنة حول التركيبة السكانية بين العرب والكرد والتركمان رافقها العمل الوردي المثابر لإلحاق رو بإقليم كوردستان.
المتطرفون في هذا التيار موجهون خطتهم هذه كضمان لاستمرار مشروع التسلح النووي الإيراني حتى الحصول على القنبلة الذرية ونقل ساحة الصراع والتغيير بماهية النقاش الدائر منذ سنين بين الغرب وطهران حول المشروع النووي العسري إلى مفهوم آخر وفي نقطة أخرى حيث يتم رمي الأزمة الإيرانية المؤلفة من سياسات داخلية فاشلة ودبلوماسية مهزومة واقتصاد متردي في حضن مجلس التعاون، يتمثل أصحاب هذه الرؤية برئيس الجمهورية وأبرز قيادات الحرس الثوري ومن يلتف حولهم من خريجي ”مدرسة حقاني” ذات التوجه الحجتي وذوي النفوذ في الأجهزة الأمنية وبعض أفراد مكتب المرشد.
أما التيار الثالث الذي يتأرجح ما بين الأصولية والبراغماتية متمثلاً بالمرشد علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني وبعض مستشاريهما، حيث يرى كبار هذا التيار أن لإيران مصالح عديدة في البحرين ومنها إصدار الغاز والنفط والتجارة، لكن هذا التيار أيضاً لا يخفي نواياه الباطنية بالتحفظ عما يحدث في البحرين وانتظار اللحظة المعينة لفرض سياسات طهران على جميع دول مجلس التعاون. ويتفق جميع أعضاء هذا الثالوث بما أن البحرين كساحة أمنية فورية لإيران (Immediate security arena) يتوجب علي إيران العمل ما بوسعها على إبقاء هذه الساحة كنقطة تلاقي طهران ودول مجلس التعاون ومن المفترض أن تعمل طهران عبر القنوات المعنية على خروج قوات درع الجزيرة من المملكة وإعادة الوضع على ما كان عليه قبل دخول هذه القوات البحرين ومد المعارضة بما تحتاجه لقيام باضطرابات بعيداً عن مسميات شيعة وسنة وذلك لانتزاع الاتهامات الموجة ضد إيران بتحريضها الشيعة.
نشاهد هنا أن لجم هذه الجارة حيث استقر درع الجزيرة في البحرين وبدأت طهران تعيد حساباتها باحثة عن طريق ومنفذ آخر للتدخل في شؤون المملكة وذلك حسب معطيات الساعة، ويؤكد على هذه الرؤية الدكتور ”كيهان بزركمهر” رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في طهران بمقال نشر صحافية ”روزكار” في العاصمة الإيرانية مذكراً الساسة الإيرانيين ضرورة عدم استقرار درع الجزيرة في البحرين والبحث عن مخرج آخر حيث تواجد هذه القوات العربية سوف يغير بالتوازن الاستراتيجي في الخليج لصالح دول مجلس التعاون وتبقى إيران الخاسرة في هذه الساحة خسارة طويلة الأمد على حد قوله.
على هذه الأساس نرى أن محمد رضا رؤوف شيباني مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والقوقاز رداً على سؤال مراسل وكالة الأنباء الإيرانية حول موقف إيران بما يخص بدء المفاوضات البحرينية ومباشرة عمل لجنة تقصي الحقائق وذلك يوم الثلاثاء الماضي 5 يوليو 2011 قائلاً: ”إن طهران تؤكد على مطالباتها المتمثلة بخروج القوات الأجنبية من البحرين وترحب ببدء المفاوضات بين السلطة والمعارضة شريطة إرضاء الشعب البحريني”! نرى أن لهذا الصمت الفارسي معنى عميقاً يستحق التأمل والحيطة وقراءة موضوعية للمشهد الإيراني ومستجداته بعيداً عن الانفعالية في السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي وعدم التعويل على الانتخابات الإيرانية المقبلة حيث لم ولن يتغير شيء في استراتيجية إيران تجاه المنطقة العربية بأسرها، حيث الدولة الفارسية لها وجه واحد بألوان مختلفة وهذا موضوع مختلف سوف أتطرق إليه في مقال آخر خلال الأسبوع المقبل.