ما اصعد!.. شسوي رايح ويّ العجمي!..أتاني لما تيّي سيارة سايقها عربي اروح ويّا..ولغير الاحوازي؛ لن اركب سيارة سائقها فارسي وانتظر حتى تصل سيارة يقودها احوازي واستغلها. قبل سنوات حين كنت اتردد كثيرا مابين الاحواز العاصمة ومدينة السوس، في احدى المرات وذلك في وقت متاخر من الليل وبمفرق الطرق المؤدي من الاحواز الى السوس، حيث تتواجد الكثير من وسائل النقل تقل المسافرين الى مدن وقرى خارج العاصمة، كنت انتظر سيارة اجرة وعدد قليل من الذين تاخروا بالرجوع الى بيوتهم.
وصلت حينها سيارة اجرة وتوجه البعض نحو السيارة بغية الحصول على مقعد، الا ان شاهدت اثنان من المتوجهين نحو السيارة بمجرد ماتكلموا مع السائق رجعوا الى الخلف ولم يهتموا بالامر بعد.
كان يبدو لي ان رأيهم بعدم الركوب في السيارة يرجع الى الاجرة الغالية ولكن تفاجئت حين سئلت احدهم؛ غالية الكروة؟ أي الاجرة مرتفعة… وبشيء من الغضب رد عليالرجل؛ غالية لو رخيصة مايهمني! ..أي؛ لم ولن يعد لي سعر الاجرة أمرا هاما. حينها أردف الشخص الاخر؛ أنهم لا يرغبون الركوب بسيارة سائقها فارسي.
عدم ركوب هؤلاء الاثنان جعل السائق ان يترك المكان حيث لم يكتمل عدد المسافرين المفترض ان يكون خمسة انفار حتى يسير نحو مدينة السوس.
المشهد هذا لي أنا كصحفي لديه حس معين بتتبع بعض الاحداث الصغيرة والكبيرة جعلني ان أتقرب لهؤلاء الاثنان وأحاول الاستفسار ان لماذا لم يستغلوا سيارة في هذا الوقت المتاخر وإن كان سائقها فارسي.
قبل البدء بالحديث حول الموضوع وصلت سيارة اخرى وكان سائقها احوازي وركبنا حينها أنا وهؤلاء الاثنان وشخص اخر وتوجهت السيارة نحو السوس حينها بدأت الحديث مع هؤلاء.
المتمخض من كل ما تحدثنا في الطريق الذي طال اكثر من ساعة ونصف الساعة أن هؤلاء الاثنان مقتنعين بـ”مقاطعة كل ماهو فارسي” وذلك ردأ على الاعمال الاجرامية الذي تقوم بها الدولة الفارسية في الاحواز.
هذا الحدث جعلني اليوم ان افكر بموضوع المقاطعة بعد ما اقترح احد الاخوة ان اتناول الموضوع ذاته كإحدى سبل النضال للتخلص والتحرر من العبودية الفارسية التي تمارس بحق الشعب العربي الاحوازي.
السؤال الذي يطرح هنا؛ ياترى هل من الممكن ان “الشعب العربي الاحوازي يقاطع كل ماهو فارسي” بغية البدأ بمسيرة نضالية جديدة؟
قادني هذا السؤال للخوض وبشكل سريع على تاريخ النضال السلمي ومقارنته بنضال الشعب العربي الاحوازي والنظرة الى بعض العينات انقلها هنا. من المعروف أن أشهر أساليب المقاومة كانت مقاومة مهاتما غاندي للاستعمار البريطاني في الهند فقد وصفت بالمقاومة السلمية التي تستند على العصيان المدني وذلك بالامتناع عن شراء البضائع البريطانية والتوقف عن العمل وإحداث شلل تام بالاقتصاد في البلاد. ويمكن وصف إضراب عام 1936 في فلسطين بصورة من صور العصيان المدني وكذلك الانتفاضة الأولى في فلسطين وما عرف بأطفال الحجارة وهي مقاومة الصغار للآلية العسكرية الإسرائيلية بالحجارة.
العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثّقة، في الهند مثل؛ حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية وبالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب (و خصوصا الإضراب العام) في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل (و الذي يمكن أن يكون هو الحكومة).
كما تمثلت إحدى تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية. تاريخيا جاءت فكرة العصيان المدني في مقال كتبه الكاتب الأمريكي “هنري ديفيد ثورو”، هذا الرجل هو رائد النظرية الحديثة في هذه الممارسة في مقالته المنشورة عام 1849 بعنوان “العصيان المدني والتي كان عنوانها الأصلي “مقاومة السلطة المدنية.
وكانت الفكرة الدافعة وراء المقالة هي الاعتماد على الذات وكيف أن الموقف الأخلاقي للفرد يكون سليما إذا كان بوسعه “مفارقة غيره” عند اختلافه معه؛ أي أنه ليس على الفرد محاربة الحكومة، لكن عليه أن لا يدعمها في أي شيء وأن لا يستفيد من دعمها له في أي شيء إن كان معارضا لها. كان لهذه المقالة أثر بالغ في عديد من ممارسي العصيان المدني لاحقا. في هذه المقالة يفسر الكاتب أسبابه في رفض دفع الضرائب كفعل احتجاج ضد العبودية وضد الحرب المكسيكية الأمريكية.
كذلك كانت مقالة منهج العبودية الاختيارية التي وضعها القاضي الفرنسي “إتيَن لابوتي”، أحد المصادر المبكرة التي دفعت بفكرة أن الطغاة يحوزون القوة لأن الناس يمنحوها لهم، وأن “هجرَ المجتمعِ الحريةَ يتركه فاسداً مفضلاً عبودية المحظيات على حرية من يرفض التسلط ويأبى الخضوع”. وبهذا فقد ربط لابوتي بين النقيضين (التسلط) و(الخضوع) وهي العلاقة التي سيؤطرها فيما بعد المفكرون اللاسلطويون (الفوضويون). وبالدعوة إلى حل يتمثل في بساطة في رفض دعم الطاغية فإنه يكون أحد الاوائل من دعوا إلى العصيان المدني والمقاومة السلمية.
كتب لابوتي المقالة عام 1552 أو 1553 عندما كان لا يزال طالبا في الجامعة في الثانية والعشرين من عمره، وجرى تداولها سرا ولم تطبع حتى 1576 بعد موت لابوتي الذي توفى عام 1563.
والان نمر على بعض الامثلة لبلدان شهدت ثورات كبيرة عبر ادوات العصيان المدني والتي أدت الى تحرير شعوبها من العبودية والاستعمار.
في الهند، كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا وآسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمّى مهاتما غاندي وأمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي “إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية”. تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية والتي ضمّنها في فلسفة ساتياجراها الهندية السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا وحركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني:
في جنوب افريقيا، دعا كل من الأسقف دزموند توتو وستيف بيكو إلى العصيان المدني، وتمثلت النتيجة في وقائع مشهورة مثل “مظاهرة المطر البنفسجي” عام 1989،ومسيرة كيب تاون السلمية التي أنهت الفصل العنصري.
وفي الولايات المتحدة، تبنى مارتين لوتر كينج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات الأمريكية المتحدة الجنوبية الشرقية في ستينيات القرن العشرين، أسلوب العصيان المدني، كما تبناه النشطاء مناهضو الحرب أثناءحرب فيتنام. ومنذ سبعينيات القرن العشرين مارست الجماعات المناهضة للإجهاض المقنن في الولايات المتحدة العصيانَ المدنيَ.
في اروبا، استخدم الثوار العصيان المدني في ما عرف اجمالا بالثوارت الملونة التي غشيت دولا شيوعية سابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، وهي الثورات التي تأثرت بأفكار جين شارب المعروف باسم “مكيافيلي اللاعنف” و”كلاوسفيتس الحرب السلمية”.
من أمثلة ذلك، خلع سلوبودان ميلوسوفيتش من الحكم في صربيا في عام 2000 والذي استخدم الثوار فيه أسلوبا كان قد طبق من قبل في انتخابات برلمانية في بلغاريا عام 2000، وسلوفاكيا عام 1998 وكرواتيا عام 2000.
كذلك مثل الثورة الوردية في جورجيا التي أدت إلى خلع ادوارد شفاردنادزه في عام 2003 والتي دعمتها حركة كمارا، وكذلك الثورة البرتقالية في اكرانيا التي تلت الخلاف على نتائج انتخابات عام 2004 البرلمانية والتي قادتها حركة يوار.
و أيضا الثورة البنفسجية التي سبقت ذلك في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 والتي هاجمت الشرطة فيها طلابا من جامعة تشارلز والتي ساهمت في سقوط النظام الشيوعي في تشكوسلوفاكيا السابقة.
كما ذكرت مسبقاً، تمثلت إحدى أقدم تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في ثورة 1919في مصر و في اليوم التالي لاعتقال الزعيم الوطني المصري سعد زغلول وأعضاء حزب الوفد والموافق 9 مارس 1919، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات.
وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر. وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن. ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها، وتم شل حركة الترام شللا كاملا، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية، والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث.
ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة. وأضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك، تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالإسكندرية.
ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال، بل قام السكان في الأحياء الفقيرة بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانية وقوات الشرطة، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجارية وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام. في حين قامت جماعات الفلاحين بقطع خطوط السكك الحديدية في قرى ومدن الوجهين القبلي والبحري، ومهاجمة أقسام الشرطة في المدن.
ففي منيا القمح أغار الفلاحون من القرى المجاورة على مركز الشرطة وأطلقوا سراح المعتقلين، وفي دمنهور قام الأهالي بالتظاهر وضرب رئيس المدينة بالأحذية وكادوا يقتلونه عندما وجه لهم الإهانات. وفي الفيوم هاجم البدو القوات البريطاينة وقوات الشرطة عندما اعتدت هذه القوات على المتظاهرين. وفي اسيوط قام الأهالي بالهجوم على قسم البوليس والاستيلاء على السلاح، ولم يفلح قصف المدينة بطائراتين في إجبارهم على التراجع، أما في قرية دير مواس محافظة المنيا, هاجم الفلاحون قطارا للجنود الإنجليز ودارت معارك طاحنة بين الجانبين. وعندما أرسل الإنجليز سفينة مسلحة إلى أسيوط، هبط مئات الفلاحين إلى النيل مسلحين بالبنادق القديمة للاستيلاء على السفينة.
وعلي الجانب الأخر كان رد فعل القوات البريطانية من أفظع أعمال العنف الذي لاقاه المصريون في التاريخ الحديث، فمنذ الايام الأولى كانت القوات البريطانية هي أول من أوقع الشهداء بين صفوف الطلبة أثناء المظاهرات السلمية في بداية الثورة. وعقب انتشار قطع خطوط السكك الحديد، اصدرت السلطات بيانات تهدد بإعدام كل من يساهم في ذلك، وبحرق القرى المجاورة للخطوط التي يتم قطعها. وتم تشكيل العديد من المحاكم العسكرية لمحاكمة المشاركين في الثورة.
ولم تتردد قوات الأمن في حصد الأرواح بشكل لم يختلف أحيانا عن المذابح، كما حدث في الفيوم عندما تم قتل أربعمائة من البدو في يوم واحد على أيدي القوات البريطانية وقوات الشرطة المصرية. ولم تتردد القوات البريطانية في تنفيذ تهديداتها ضد القرى، كما حدث في قرى العزيزية والبدرشين والشباك وغيرها، حيث أُحرقت هذه القرى ونُهبت ممتلكات الفلاحين، وتم قتل وجلد الفلاحين واغتصاب عدد من النساء.
كما تطورت الامور ومفاهيم العصيان المدني وعلى سبيل المثال وبين عام 1971 وعام 1981، لجأ فلاحو قرية بإقليم لارزاك بفرنسا مراراً إلى العصيان المدني في كفاحهم ضد توسع أحد المعسكرات العسكرية. أما على صعيد التعليم الوطني في فرنسا، فقد نشأت حركة من المدرسين الرافضين لإجراءات التفتيش عليهم، أطلقوا على أنفسهم اسم (العصاة). وقد أثارت هذه الحركة التساؤل عن مولد أشكال جديدة للعصيان المدني.
وعلى الصعيد العالمي يتدرب المناضلون في الحركات المناوئة للعولمة على أعمال المقاومة السلمية في” قمم موازية مضادة” أو في ورش التدريب على العصيان المدني (حتى يتسنى لهم التعرف على التقنيات غير القانونية السلمية وما عليهم القيام به في حالة إلقاء القبض عليهم) هو أمر إنما يوحي أن العصيان المدني هو سلاح كامل لدى الحركات المناوئة للعولمة. أما دعاة الفوضى فهم يرون في العصيان المدني وسيلة للهروب من وطأة الدولة من خلال الاستيلاء على الأماكن في الشوارع واحتلالها وما شابه ذلك من أعمال.
نكرر السؤال هنا وبإضافة سؤالين؛ هل من الممكن ان “الشعب العربي الاحوازي يقاطع كل ماهو فارسي” بغية البدأ بمسيرة نضالية جديدة؟ قد تتطور هذه المسيرة من المقاطعة الى العصيان المدني ؟ وان بدأ الشعب الاحوازي بالعصيان المدني كيف سيكون الرد من قبل الدولة الفارسية ؟